لا تزال رائعة شكسبير "ترويض الشرسة" تثير الاهتمام، وتوحي بأفكار لأفلام ومسلسلات يقدمها كل مؤلف بحسب رؤيته للنص الشكسبيري. وتشكل الشخصيات في هذا النص مناسبة للمؤلفين، غربيين كانوا أم عرباً، للقيام بإسقاطات راهنة ذات دلالات اجتماعية ومضامين ثقافية وسياسية احياناً، في مقدمها موضوع التفاوت الطبقي السائد في كل عصر وعهد وأوان!. آثار وقد جسّدت الممثلة المصرية آثار الحكيم اخيراً دورها المتميز في إطار كوميدي حِكمي درامي ساخر الى جانب شويكار وحسن مصطفى ووائل نور وعلا رامي وغيرهم، في مسلسل كوميدي اجتماعي على مدار خمس عشرة ساعة تلفزيونية. تبدأ الحكاية مع ظريفة، الفتاة الريفية الفجّة، التي تضطّر للإقامة في بيت خالها حيث ينشأ الصراع بينها وبين زوجته السليطة اللسان جليلة، وذلك بعد فقدان والديها وهجرة شقيقها الأوحد الى ألمانيا... ونتيجة لتفاقم الخلاف بين جليلة وظريفة يحاول الخال التخلص من ظريفة بإبعادها من القرية وتسليمها الى عائلة حسن مصطفى للعمل لديها كخادمة، وتتعرض ظريفة الى سلسلة من المواقف الدرامية تارة والطريفة تارة اخرى بسبب عفويتها وصدقها وحرصها الدائم على المباشرة في التعبير عن مكنونات نفسها، خصوصاً أنها لا تعرف النفاق واللف والدوران ما يجعل الآخرين ينفرون منها، ويضيّق عليها فرصة كسب الأصدقاء والمعارف. وبقي الحال كذلك الى أن وصلتها برقية عاجلة من طريق السفارة الألمانية في القاهرة أحدثت انقلاباً هائلاً في حياتها ومحيطها، على حد سواء. ومضمون البرقية ان شقيقها ترك لها ثروة ضخمة بعد وفاته في البلد المذكور، تقدّر ب50 مليون جنيه. وتنقلب حياتها رأساً على عقب بعد شيوع الخبر بين الجوار وأهالي القرية، وعندها فقط تصبح ظريفة "هانم" محط انظار الجميع وهدف اطماع وطموحات القاصي والداني. وتصير المفارقة حقيقة واقعية يلعبها الجميع بلا استثناء، وكأن النزاهة الوجدانية في يومنا هذا باتت رهن العواصف المادية التي تقتلعها من جذورها تماماً! الأقنعة وتتهاوى الأقنعة امام ظريفة التي تطغى حكمتها على جشع الآخرين وأطماعهم، وتجد سعادتها معهم بالتواصل وحلّ المشكلات المستعصية وتوفير المساعدة اللازمة الى كل منهم على حدة. وتبقى مشكلتها معلّقة بصمت مع من أحبّت الى أن يتحقق حلمها علانية بزواجها من صلاح وائل نور، الشاب المستهتر الذي يفجعها بغاياته ومطالبه، فتلجأ الى القضاء والقانون لتعريه امام نفسه بكشف نواياه موقعة اياه في خجل واضطراب، يضطرانه الى الهرب بعد ان يكتشف حقيقة حبّه الصادق لظريفة، التي تتبدل جذرياً لأجله في الشكل، محتفظة بكامل قناعاتها وطيبتها وصلابتها الداخلية. ويصبح هدفه مزدوجاً لمواجهة الحياة بمسؤولية وحزم. وبعد اكثر من سنة من الانتظار واللهفة تتلقى ظريفة خطاباً من الزوج يؤكد فيه سعيه الدؤوب لإثبات ذاته، وكسب رزقه بعرق جبينه ليصبح جديراً بها وبحبها وباحترامها بصفته معيلاً لها لا عالة عليها. وينتهي العمل عند هذه النقطة المفتوحة على الاحتمال وأمل اللقاء في موعد يشارك فيه المتفرّج، ربما بالتعاطف والتمنيات. يتميز العمل بمشاركة كوكبة من الوجوه المعروفة في الوسط الفني أسهمت مع المخرج محسن فكري إسهاماً فعّالاً لإنجاح العمل الذي يعتبر محاولة جديدة تضاف الى النص الشكسبيري الأصل والأساس، وقد أغفل كاتب السيناريو نية الانتحال والاقتباس في ذمة الشاشة الصغيرة! يبقى الاقتراح هنا هو ضرورة التنويه لدى المحطات التي تفتتح شاشاتها تباعاً لطرح الأعمال التلفزيونية بإصدار "تاريخ" العمل الدرامي و"سنة" إنتاجه، كي لا يقع المشاهد فريسة التخمين من خلال الملاحظات الزمنية التي تطرأ على الشخصية بين عمل وآخر، كمتغيرات طبيعية ترسم مراحل العمل وملامحه، ولعلّ ذلك يساعد في ترتيب الدور وإقناع المشاهد بجدية المرحلة وتطور الشخصية ونموّها أو انكفائها احياناً.