جاء فوز بناية متحف النوبة في أسوان بجائزة "مؤسسة الآغا خان للعمارة الإسلامية"، ليطرح تساؤلات عدة، حول الهدف من هذه الجائزة الدولية التي اكتسبت صدقية كبيرة منذ الإعلان عن دورتها الأولى في العام 1978 وحتى اليوم. ومعظم التساؤلات انطلق من تنوع البنايات التي حصلت على هذه الجائزة. فمن بناية معهد العالم العربي في باريس التي تمثل العمارة المعاصرة، إلى بناية البرلمان البنغالي التي تمثل الدمج بين العناصر المعمارية المحلية والعمارة المعاصرة في صورة فريدة، إلى بناية متحف النوبة التي تعبر عن العمارة النوبية المحلية جداً في صورة قوية. هذه البنايات التي تمثل وجهات نظر مختلفة، تقف وراء اختيارها فلسفة تهدف إلى المزج بين التجديد والأصالة والمعاصرة. ففي رأي اسماعيل سراج الدين الذي أجرى دراسة موسعة عن البنايات التي فازت بجائزة "آغا خان"، أن الهدف من هذه الجائزة هو البحث عن التعبير المعماري المتميز في المجتمعات الإسلامية. فالبحث إذاً عن بناية تستحق الفوز بالجائزة هو ذو طابع فكري، ربما يكون محوره البحث عن قضايا الحداثة والتراث والتجديد. من هنا يبدو أن الجائزة ذات فلسفة متوازنة، فبينما تبحث عن الأفضل بين العمارة المعاصرة، فهي أيضاً تقر بأهمية الحفاظ على القديم، إذ أنها تكرم أيضاً الأمثلة التي تعيد تفسير الدروس القديمة بالمعنى المعاصر، وتكتشف عناصر الاستمرارية الثقافية في منطقة معينة، وهو المنطلق الذي فازت ارتكازاً اليه بناية متحف النوبة بالجائزة. كما تبحث الجائزة عن الجهود المبتكرة في اتجاهاتها لمعالجة المشكلات الخاصة في بيئاتها المحلية. متحف النوبة هو أحدث المتاحف المصرية، افتتح العام 1998، ويهدف إلى الحفاظ على التراث النوبي الحضاري الممتد منذ القدم. يضم المتحف 5000 قطعة تسجل تطور الحضارة والتراث النوبي، وتوضح الصفات المميزة لسكان النوبة خلال العصور التاريخية المختلفة. والنوبة منطقة تقع جنوب مصر من أسوان حتى الحدود السودانية. وكلمة النوبة تعني في اللغة المصرية القديمة الذهب وتنطق نوب. ومعروف أن الحضارة المصرية القديمة ازدهرت في هذا الاقليم. صمم متحف النوبة من عناصر مستمدة من تراث العمارة المصرية القديمة، وروعي في اختيار موقع المتحف أن يكون على ربوة من السهل الوصول إليها، كما صمم ليحقق التكامل مع البيئة المحيطة وأخذ في الاعتبار أن يكون خفيضاً لكي لا يشوه المنطقة الأثرية القريبة، وتضم قبباً فاطمية. وتميز التصميم باستخدام المدرجات للانتقال من الأرض الخفيضة إلى ساحة المتحف، كما أخذ في الاعتبار المناخ القاري لمدينة أسوان في معالجة الواجهات على أساس أن يكون حجم فتحات النوافذ صغيراً لمنع دخول الضوء الشديد والحرارة، وهو الأمر الذي يتفق مع الوظيفة الرئيسة للبناية. كما استخدمت العمارة التقليدية المحلية النوبية في تصميم الواجهات، فاستفيد من المفردات والجمل المعمارية للتراث المعماري النوبي في معالجة الشبابيك والبوابات، وروعي في التصميم أيضاً أن تحكمه القيم الوظيفية وخطوط الحركة في المتحف في اتجاه واحد مع مراعاة حركة المعوقين أيضاً. يتكون متحف النوبة من ثلاث طبقات: الأرضية وهي عبارة عن مخزن، والأولى تحتوي على قاعة العرض الرئيسة و"الديوراما" والمسرح المكشوف. وقاعة المحاضرات وغرفة كبار الزوار، والطبقة الثانية تضم مركز المعلومات الملحق بالمكتبة. كما أنشئ في المتحف قسم للأنشطة الخاصة بالشباب ليتعرفوا على بلدهم وتراثها وآثارها. وتبلغ المساحة الكلية للمتحف 50 ألف متر مربع منها 7 آلاف متر للبناء، و43 ألفاً للساحة التي تحيط به والعرض المكشوف. وأعد تنسيق الموقع الخارجي والعرض المكشوف المهندس هانز فريدريك مايستر، بترشيح من "اليونيسكو". وهو اعتبر التكوينات الصخرية من أبرز عناصر الموقع ما يناسب الساحة الخارجية التي تستعمل لعرض التماثيل الكبيرة الحجم، مع بيان أنشطة أهالي النوبة في الماضي. ويحوي العرض الخارجي نقوشاً صخرية وعناصر معمارية مثل القرية النوبية التي بنيت منازلها من الطوب والعقود والفناء المفتوح والمسجد الفاطمي. ويتكون المنزل النوبي من صفين من الحجرات، يحصران بينهما الفناء، إذ أنه يعتبر عنصراً أساسياً في البناية. والمقدرات المعمارية لهذا المنزل هي: - المدخل، ويحتوي المنزل النوبي مدخلين، أحدهما للزوار، والآخر للماشية، ويؤدي المدخل الرئيس إلى دهليز له بابان أولهما يفتح على المضافة والآخر يؤدي إلى الفناء. ويؤكد المدخل رمزية الفن النوبي، إذ ترمز هذه الخطوط إلى بعض الزهور المنتشرة في النوبة. - قاعة الاستقبال، وتسمى المضافة في المنزل النوبي، يكون سقفها مرتفعاً وسطحها كبيراً لتعبر عن الكرم وتفتح نوافذها إلى الخارج. غرف النوم والمعيشة، نجدها في الصفين الجنوبي والشمالي في المنزل لاستعمال الملائم منها للطقس. - المطبخ: يقع في الجناح الجنوبي من المنزل النوبي ويفتح على الحوش مباشرة، وتحفظ الغلال في أوان فخارية في المنزل، أما الماء فله "المزيرة"، وهي مزينة بالرسوم التي تعكس اهتمام النوبيين بالطبيعة. هكذا إذاً عكس متحف النوبة، البيئة النوبية وطبيعتها، ولعل المزج في عمارته بين الأصالة والمعاصرة بطريقة بارعة، هو السبب الرئيس لفوزه بجائزة مؤسسة "آغا خان للعمارة".