شعب "النوبة" الذي يعيش في محافظة أسوان في جنوب مصر، له عاداته وتقاليده الراسخة، وله أيضاً لغته الخاصة، وهي اللغة النوبية التي تُنطق ولا تُكتب، ويتفاهم بها النوبيون فيما بينهم. وقد تغير بعض العادات والتقاليد، أما اللغة فلم تتغير. التقت "الحياة" أحد ابناء النوبة، وهو محمد البشير الذي كان يشغل منصب مدير هيئة الاستعلامات في أسوان، وقال عن النوبة: "حافظت النوبة على جزء كبير من الحضارة المصرية، لأنها كانت منطقة شبه معزولة تمتد من أسوان إلى الجنوب، ولم تتعرض هذه المنطقة لغزوات كثيرة، مثلما حدث في بقية المناطق المصرية، وبالتالي احتفظت بالجذور والأصول القديمة. وتعطي الحضارة النوبية تقديراً كبيراً للأم، لأنها المسؤولة عن التربية والعمل مع الأب، ومازالت الأم تحتفظ بالدور القديم الذي كانت تلعبه، وعدد من النوبيين يخطئ في الفصل بين المذكر والمؤنث، وهذا يرجع إلى أن اللغة النوبية لا تفرق بين المذكر والمؤنث، وهذا دليل على التوحد الكامل". ويضيف بشير: "انتشر الاسلام في بلاد النوبة سلماً عن طريق التجارة، وفي العصر الفاطمي لعبت البلاد دوراً كبيراً في نشر الدعوة الإسلامية. وفي هذا العصر انشئت ثلاث مدارس لتعليم الفقه، في اسوان، وكانت المدارس قريبة في أداء رسالتها من الجامعات حيث تدرس فيها إلى جانب الفقه علوماً أخرى مثل الطب والفلك، وقد ظهر في المنطقة عدد كبير من الشعراء والعلماء، حتى إنه حين حضر قاضي قضاة الجنوب الى اسوان استقبله 400 عالم، وذلك كما ذكر الإدفوي في كتابه: الطالع السعيد، وهذا يدل على الانتشار الواسع للتعليم في المنطقة، وقد تولى أولئك العلماء نشر الدعوة الإسلامية في بلاد النوبة والسودان وتشاد بطريق الإقناع". وعن العادات والتقاليد في بلاد النوبة قال: "نحاول قدر الامكان أن نحافظ على عاداتنا وقد حدث بعض التغيرات من خلال الاختلاط بعدد من الحضارات الأخرى، لكن نحاول قدر الإمكان ألا نغير من عاداتنا". يذكر أن عادات النوبة وتقاليدها طرأ عليهما الى حد كبير جانب من العادات العربية مع دخول الإسلام المنطقة، فعادات الزواج إسلامية، لأن أهل النوبة اعتنقوا الإسلام، ولكن أيضاً توجد خصوصية لبلاد النوبة. فالعريس يتقدم لأهل الفتاة التي يريد خطبتها، فتتحرى الأسرة كلها عنه، ثم يتفق أهل العريس مع أهل العروس وتتم الخطبة، ولكنها ليست كبقية البلاد المصرية، حيث يتم إعلان أن فلاناً خطب فلانة وينتهي الأمر، إذ يحضر العريس ما يسمى بالشيلة وهي عبارة عن مأكولات وسكر وشاي، وكان الزواج يتم حسب الشريعة الإسلامية وبشكل تقليدي، وقديماً لم يكن هناك المأذون الذي يحرر العقد، وإنما يُكتفى بتحرير ورقة بين أهل العريس وأهل العروس. ويهتم أهل النوبة بالإشهار الذي يتم بشكل قوي، وكان يستمر لمدة عشرة أيام يتم فيها ترديد الأغاني. ويقول بشير: "كانت العروس فيما مضى تختفي بعد اتمام الخطبة ولا تظهر أمام العريس، وإذا تصادف أن رأت العريس تختبئ ولا تظهر أمامه إلى أن تحل ليلة الفرح. والفرح عندنا ليلتان، ليلة الحناء وليلة الدخول، وفي ليلة الحناء تتم مراسم بسيطة للعريس حيث يمسك بسيف، ويمسك أصحابه بسيوف من جريد ويضربونه ضرباً خفيفا، كنوع من المداعبة، وهناك من يبعدونهم عنه إلى أن يصل إلى النيل ويغرس السيف فيه ويغسل يديه ورجليه من الحناء، ثم يركب مع أصحابه مركباً الى أن يصل الى مدخل البلدة. وعند الدخول الى قاعة الفرح، لا يسبق العريس والعروس أحدهما الآخر، وإنما يدخلان سوياً، ويجلسان ويشربان اللبن، ثم يأخذ أهل العروس ابنتهم، ويبقى العريس مع اصحابه ساهرين". أما عن ليلة الدخول، فيقول: "تأتي العروس مع أهلها الذين يسلمونها للعريس، وبذلك تتم مراسم الزواج، ولا يخرج العروسان من المنزل إلا بعد مرور سبعة أيام، وفي الماضي كان الدخول يتم في بيت العروس، الى أن يتم بناء منزل خاص للعروسين، ويتم هذا خلال عام، أو على الأقل إلى أن تضع الزوجة مولودها الأول، وذلك لتتعلم، وتكتسب من خبرة أمها، وفي الوقت نفسه فإن وجود العريس في بيت أهل العروس يجعله لا يتصرف تصرفات غير لائقة". وقد تغيرت العادات والتقاليد في الوقت الحالي، إذ يأخذ العريس عروسه إلى أحد فنادق أسوان حيث يقضيان الليلة الأولى. وعن التقاليد المتبعة في حالات الوفاة يقول بشير: "كانت هناك عادة سيئة، وهي أنهم كانوا يفرضون على الزوجة أن تنام على الأرض دون السرير مدة 40 يوماً هي فترة الحداد، وكان هذا نوعاً من المشاركة الوجدانية لزوجها الذي مات، ولكن هذه العادة السيئة لم تعد منتشرة اليوم". وإذا كان هناك الكثير من العادات والتقاليد التي لم يعد لها وجود، فإن بعضها مازال محفوظاً من خلال الفلكلور الشعبي الذي تمثله فرقة أسوان للفنون الشعبية، التي تحافظ على التراث النوبي. والتقت "الحياة" مدير عام ثقافة أسوان الدكتور فوزي فوزي يوسف الذي قال: "فرقة أسوان للفنون الشعبية تأسست العام 1975، ومنذ بدايتها التزمت منهجاً ثابتاً هو الحفاظ على التراث الشعبي الأسواني والنوبي خاصة، وما زلنا مستمرين بالآلات الموسيقية القديمة وهي الدف والطبلة، ونرفض تماماً الأفكار التي تدعو الى إضافة عناصر جديدة سواء في الآلات الموسيقية أو الحركة". ويضيف: "تؤدي الفرقة 16 تابلوهاً راقصاً مستوحاة من التراث الشعبي، فلدينا ما هو خاص بعادات الزواج، وما يتم فيها من طقوس في الشكل القديم، وليس الشكل الحديث الذي طرأت عليه التغيرات، ولدينا تابلوه عن الألعاب الشعبية عند الأطفال قديماً، حيث كانت تمارس في الليالي المقمرة صيفاً تحت النخيل، وقد جمعنا هذه الألعاب في شكل رقصة أسميناها رقصة الألعاب الشعبية. وهناك رقصة اسبوع الطفل، حيث كان يتم الاحتفال بمرور أسبوع على ميلاد الطفل بالذهاب به إلى النيل، ويغسل وجهه بمياهه للتبرك بها، وتصنع له بعض الألعاب مثل المراكب التي يتم تسييرها في النهر ويكتب عليها اسمه، كما توزع في الاسبوع أنواع من الطعام مثل الرز باللبن والحلويات، وهذه المظاهر اندثرت وسجلناها في الرقصة بالأغاني والحركات الايقاعية". ويشير الدكتور فوزي الى رقصة خاصة اسمها "النقرشات" نسبة إلى "النقر" أي الضرب على الدفوف، وهي رقصة مكونة من 12 إيقاعاً نوبياً يتم استعراضها داخل الرقصة لتعريف المستمع أو المتفرج بهذه الايقاعات المتنوعة المختلفة عن بقية الايقاعات الشرقية، وقد اقتبسها من عدد من الأغاني الشبابية الحديثة. وهناك رقصة اسمها "الكاريج" ومعناها في اللغة النوبية "الأطباق" وهذه الرقصة تبين كيف تصنع الفتيات النوبيات الأطباق من خوص النخيل، وهي أطباق كبيرة كانت تغطى بها الأطعمة، أو يوضع فيها الخبز والفطائر، كما كانت تزين بها المنازل من الداخل. وعن الملابس يقول فوزي: "الملابس مستمد تصميمها من المفردات الشعبية الموجودة على أطباق من الخوص والبيوت النوبية القديمة من زخارف وأشكال مثل المثلثات والهلال والألوان الزاهية، فالملابس تأخد الطابع النوبي في شكل فني جميل يريح نظر المتفرج". ويضيف: "ليس للفرقة مؤلف للأغاني أو ملحن، لأن الألحان والأغاني شعبية قديمة متوارثة أخذناها من البيئة، وحفظها مطربو الفرقة، ويرددها معهم الكورس والراقصون، فالأغاني واللحن هما الفلكلور الشعبي المتوارث". يذكر أن الفرقة قدمت عروضها في معظم محافظات مصر، وشاركت في مهرجانات دولية في بلاد عدة منها: فرنسا واسبانيا والهند والصين، ولاقت نجاحاً كبيراً، وأعجب بها الجمهور لتقديمها فناً غريباً عليهم يجمع بين القديم والحديث، القديم في تكوين الرقصات والايقاعات، والحديث في تصميمات الملابس وجمالها، ونافست فرقاً من البلدان الأخرى تستخدم الآلات الحديثة وسرقت الاضواء بآلاتها البسيطة، كما فازت في أحد مهرجانات فرنسا بالمركز الأول، قبل نحو سبع سنوات، وكذلك في بولندا العام 1996، وفازت عام 1988 بالمركز الأول أيضاً على مستوى فرق هيئة قصور الثقافة المصرية. كما كان للفرقة دور أساسي في افتتاح المتحف النوبي، حيث قدمت برنامجها أمام الرئيس المصري حسني مبارك، وتم نقل العرض عن طريق المحطات الفضائية.