"إنت فين يا رامبو... أمريكا بتنضرب" بهذه الكلمات بدأ المغني أداءه، قد تبدو للوهلة الأولى أنها كلمات لأغنية شعبية مصرية قد يكون مغنيها شعبان عبدالرحيم مثلاً أو أغنية تنطلق من مسجل سيارة اجرة "تاكس" رديء الصنع في احد شوارع القاهرة المزدحمة ولكن المدهش انها غير ذلك تماماً. فالمكان هو احد ملاهي القاهرة الليلية المعروف برواده من هواة سماع الموسيقى المبتكرة والعدد غير القليل من الرعايا الأجانب اميركيين وأوروبيين. المغني، وهو ايضاً أحد العازفين على آلة مشهورة بأغاني الجاز والكانتري، يبدو لك انه اجنبي بشعر فاتح طويل ويتحدث الإنكليزية بلكنة اميركية. اما الوقت فمنتصف الأسبوع بعد منتصف ليل القاهرة. بدأ المغني بمقدمة للأغنية بأن سأل بالإنكليزية: "هل يوجد اميركيون هنا. هذه الأغنية ستؤذي مشاعركم وستعتبرونها مهينة وفظة". وبدأت الأغنية على ايقاع طبلة شعبية مصرية "واحدة ونص" وجاءت الكلمات: "انت فين يا رامبو... امريكا بتنضرب إلحق يا سلفستر... الورلد تريد سنتر ضربوا البنتاغون... كدا مش حلو اللون ضربوا البنتاغون... عقبالك يا شارون". اندمج الحاضرون وخصوصاً المصريين منهم بالتصفيق والرقص على الإيقاع. الملهى كان مكتظاً اكثر من العادة في ذلك الوقت من منتصف الأسبوع وكان هناك عدد كبير من الأجانب. واللافت ان البعض منهم انزعج فعلاً من الأغنية وقرر الاحتجاج بالانسحاب من المكان ومغادرته ما أغضب احد مالكي الملهى الذي ذهب بدوره وعنّف المغني على تلك الأغنية، ولم يجد الأخير سبيلاً سوى ان يعتذر قائلاً بالإنكليزية: "نحن لا نقبل قتل المدنيين، يبدو ان البعض انزعج من هذه الأغنية ولا أعرف إذا كنا سنغني في هذا المكان بعد الليلة، ولكنني أريد ان اقول اننا لا نتغاضى عن قتل المدنيين ولكننا بكل صدق مندهشون لرؤية أبراج تتهدم واقتصاد ينهار، نحن لا نؤمن بدولة البوليس الفيديرالي أو أي دولة بوليس". ووسط التصفيق الحاد للجمهور المتبقي علا صوت المغني مرة اخرى معيداً نفس الأغنية ولكنه هذه المرة توقف بعد اول جملة قائلاً "يبدو اننا سنذهب الى السجن". تعليقات جمهور الحاضرين ورد فعلهم لما حدث كان ايضاً مثيراً للاهتمام فقد تراوح رد الفعل بين من استمروا في الرقص على انغام موسيقى استكمل اصحاب الملهى تشغيلها بعد انتهاء الفاصل السياسي للمغني، بينما دارت مناقشات وتعليقات اخرى أكثر جدية متناولة ما حدث. ولعل أطرفها ما حدث لكاتبة هذه الكلمات حيث كنت أسجل كلمات الأغنية في دفتري الخاص فرمقني احد الموجودين وهو يعرف انني صحافية قائلاً: "هل سيظهر ذلك في الجرائد،... خائنة". وعلقت احدى الحاضرات بأنها كانت تتابع رد فعل الأجانب الموجودين في الملهى قائلة: "لقد اعتبرت الأغنية غير لائقة Politically incorrect". وعلّق آخر اكبر سناً قائلاً: "من الواضح انه انسان "مترف" فهو مصري ولكن لا شيء في مظهره يدل على ذلك، شعر أشقر طويل، يتصرف ويفكر كأجنبي". وقال أحد الحاضرين وهو مصري امضى معظم حياته خارج مصر: "إن ذلك المغني إما جريء جداً أو غبي جداً، ولكن يدهشني ان احداً لم يتذمر بالفعل وإن بدت التعليقات متفاوتة". وعلى رغم غرابة المكان والزمان وحتى جمهور الحاضرين عن المعتاد في مصر إلا انه يعبر بشكل واضح عما يشعر به المصريون تجاه عملية نيويورك وواشنطن يوم 11 ايلول سبتمبر. فلا احد يفرح بموت المدنيين الأبرياء ولكن غضبهم من السياسة الخارجية للإدارة الأميركية ومساندتها المطلقة لإسرائيل جعلهم يشعرون ان اميركا على الأقل ذاقت قليلاً من العذاب الذي عانته ولا تزال تعانيه شعوب عربية بدعم وتأييد من اميركا.