بعد يومين أو ثلاثة يرجح أن تتوقف الضربات الجوية الرئيسية التي شرعت القوات الأميركية والبريطانية في تسديدها إلى أهداف في أفغانستان الأحد الماضي، تمهيداً لبدء المرحلة الثانية من "الحرب" ضد تنظيم "القاعدة" بزعامة أسامة بن لادن وضد قوات نظام "طالبان". وقد أخذت معالم الاستراتيجية العسكرية التي ستتبع في المرحلة الثانية تتضح، ويجري الحديث عن احتمالات نجاحها بثقة عالية بقدرات القوات الخاصة والمعدات العالية التقنية التي ستستخدم فيها، لكن معظم العمليات العسكرية والحروب ينطوي على مخاطر غير متوقعة. في المرحلة الأولى التي تعد الأسهل، استخدمت القوات الأميركية والبريطانية صواريخ "توماهوك" وقذائف موجهة اطلقتها القاذفات المختلفة الأنواع لتدمر حتى أول من أمس الثلثاء 85 في المئة من الأهداف المحددة لها، حسب قول وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد. واستهدفت الضربات قواعد جوية وطائرات قديمة ل"طالبان" ومقار قيادة وعُقد اتصالات ودفاعات جوية، بما فيها صواريخ ورادارات من أجل ضمان "التفوق الجوي" الذي تحدث عنه الثلثاء رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال ريتشارد مايرز، الذي أضاف انه بات بوسع الطائرات الأميركية والبريطانية الآن "العمل على مدار الساعة بأقل قدر من الخطر" عليها. في هذه المرحلة الثانية التي أخذت معالمها تتضح ستنصب الجهود على رصد مكان أو أماكن وجود قادة تنظيم "القاعدة" وأفرادها من خلال عمليات تصوير وتنصت تضطلع بها طائرات مخصصة لهذه الغاية تعمل بالتنسيق مع "وحدات خاصة" من قوات "دلتا" الأميركية المتخصصة في مكافحة "الإرهاب" وقوات "الخدمات الجوية الخاصة" البريطانية SAS. ويعني ارسال ألف عسكري أميركي اضافيين إلى أوزبكستان للالتحاق بألف آخرين موجودين هناك فعلاً، ان هؤلاء سيشكلون "رأس جسر" لتعزيزات عسكرية برية سترسل في الأيام والأسابيع المقبلة. ولهذه الغاية سينقل بعض القوات الأميركية الذي يقوم بواجبات حفظ السلاح في البوسنة 3600 عسكري وكوسوفو 3500، إضافة إلى عناصر من الفرقة 101 المحمولة جواً وكتيبة العمليات الخاصة 160 من ولاية كنتاكي إلى أوزبكستان. أما البريطانيون فإن لديهم في مناورات "عملية السيف السريع" في سلطنة عُمان 24 ألف عسكري يرجح أن ينقل قسم كبير منهم أيضاً إلى أوزبكستان. ومعروف أن عناصر من الوحدات الخاصة الأميركية والبريطانية تعمل في أراضي أفغانستان منذ أسابيع. كيف سيتم تعقب عناصر تنظيم "القاعدة" وقادتها؟ ولكن، قبل ذلك، لماذا لم نسمع شيئاً عن تدمير دبابات "طالبان" ومدافعها؟ يرى محللون أن الولاياتالمتحدة وبريطانيا لا تحبذان انهياراً تاماً سريعاً لنظام "طالبان" لئلا تعم الفوضى أفغانستان إذا ما اندفع التحالف الشمالي المعارض وسيطر على كابول قبل الأوان المناسب، والمقصود بذلك أن تحالف الشمال يمثل خصوصاً الأقليتين الأوزبكية والطاجيكية، فإذا ما حقق السيطرة، فإن هذا سيؤلب الغالبية العرقية في البلاد المؤلفة من البشتون، الأمر الذي سيغرق أفغانستان في فوضى عارمة قد تزعزع الاستقرار الاقليمي وتعيق تحقيق الأهداف الأميركية وتفرط "التحالف الدولي" الهش أصلاً. ولكن ريثما يجري العمل على بلورة شكل النظام الجديد في أفغانستان، فإن عملية تعقب "شبكة القاعدة" ضمن أفغانستان ستستمر على النحو التالي، حسب المعلومات المتوافرة: الآن وقد صارت أجواء أفغانستان آمنة، ستحفل هذه الأجواء بأسطول من طائرات الاستطلاع والتنصت. من هذه الطائرات البريطانية "كانبيرا بي. آر - 9" المزودة بكاميرا تستطيع أن تصوّر من على ارتفاع 48 ألف قدم، وعن بعد 100 ميل العنوان الرئيسي لصحيفة على الأرض! وهذه الكاميرا مماثلة لتلك التي تستخدمها طائرة التجسس الأميركية المعروفة "يو - 2"، وهي بالتالي قادرة على استكشاف مخابئ في الجبال والأودية بسهولة، وإذا كانت هذه الطائرة ومثيلاتها هي "عين" القوات الأميركية والبريطانية، فإن "اذنها" ستكون طائرات تنصت مثل "نمرود - آر 1. س" البريطانية وطائرات أميركية تستطيع اعتراض اشارات الرادار وكل أنواع الاتصالات، بما في ذلك المكالمات عبر التليفونات الخليوية. والمتوقع هو أن تقوم الوحدات الخاصة الأميركية والبريطانية وربما الفرنسية والألمانية والكندية والاسترالية لاحقاً، بعمليات تفتيش من وادٍ إلى آخر بالتنسيق مع الاستطلاع الجوي ووفقاً له. وستحمي عمليات التفتيش هذه طائرات مقاتلة. ومع أن هذه الوحدات الخاصة قد تنطلق من دول مجاورة لأفغانستان، فإن من المحتمل أن تعمل بعدئذ من مخابئ للطائرات المروحية داخل أفغانستان. ومن المرجح أن تستعين القوات الخاصة الغربية بأدلاء من التحالف الشمالي، ومن الممكن أن تقرر انزال وحدات للسيطرة على قاعدة باغرام الجوية التي تصلح للاستخدام في كل أنواع الطقس ولا تبعد عن كابول سوى 20 ميلاً، وهي تحت سيطرة التحالف الشمالي. وتفيد المصادر الغربية أن السوفيات انشأوا خلال وجودهم في أفغانستان لعقد من الزمن نحو 200 مهبط للطائرات، وان الروس قدموا خرائط إلى الأميركيين تبين مواقعها. ولن تندفع القوات البرية الغربية بأعداد كبيرة إلى داخل أفغانستان إلا بعد تحديد مواقع قادة "القاعدة" وعناصرها بدقة. وبعدما تكون طرق الهرب من هذه المواقع قد قطعت وطوقت.