في تطور يدل على فشل سياسة أوباما في التعامل مع الملف الأمني لأفغانستان، تتجه أنظار حركة طالبان نحو العاصمة الأفغانية كابول، حيث مباني الحكومة وقواعد القوات الأميركية والأطلسية في البلاد، وذلك استعدادا لما سمّته بالهجوم الربيعي. وكانت الحركة أعلنت في 18 أبريل الجاري، بدء هجماتها الفصلية في أفغانستان، مشيرة إلى أن قواتها حققت مكاسب عسكرية في جبهتي قندهار وهلمند المجاورتين للحدود الباكستانية الممتدة على مسافة نحو 1000 كيلومتر. وتفيد تقارير عسكرية بأن مقاتلي طالبان أحكموا سيطرتهم على قندوز، المشهورة بكونها مركز تجارة المخدرات، لا سيما بعد أن هرب المدافعون عنها، مضيفة أن تميز موقعها الإستراتيجي جعل طالبان وتنظيم داعش في خراسان يسعيان للسيطرة عليها، بعد أن جفت مواردهما المالية، بسبب الحظر الدولي والإقليمي المفروض على نقل الأموال والتبرعات للتنظيمين.
إيساف تقاتل أشارت مصادر في حلف شمال الأطلسي "ناتو" إلى أن القوات الدولية للمساعدة في إرساء الأمن بأفغانستان المعروفة اختصارا باسم "إيساف"، دخلت المعركة مجبرة، لمنع طالبان من التقدم نحو كابول. وأضافت أن "إيساف" أرغمت طالبان ومحاربي تنظيم داعش في خراسان على التقهقر، وأن مقاتليها ما زالوا يسيطرون على المدينة التي سبق أن اجتاحتها قوات الحركة لمدة أسبوعين في هجوم من محاور عدة، أواخر العام الماضي، رغم أن قوات أفغانية قوامها 350 ألف جندي كانت تحاصر المدينة. تشير مصادر إلى أن طالبان سيطرت على مقاطعات عدة من المدينة وأن السكان المحليين بدؤوا بالفرار منها نتيجة عمليات القصف المكثف من قبل قوات إيساف، واحتمال نشوب معارك دامية بين محاربي طالبان وقوات الجيش الأفغانية مدعومة بغطاء وقصف جوي من قوات إيساف. وتدور المعارك حاليا في 10 أقاليم من مجموع 34 إقليما في الأقسام الشمالية والجنوبية من أفغانستان، لا سيما مدن قندوز، وبدخشان، وبغلان، وخان باغ.
مفاوضات سرية تُجري المخابرات العسكرية الخارجية "آي. إس. آي" حوارا غير معلن مع قيادات طالبان في إطار لجنة التنسيق الرباعي المكونة من باكستان، وأفغانستان، والصين، وأميركا، لإقناع الحركة بوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات سلمية مع حكومة أشرف غني، مقابل إشراكها في السلطة، وإدخال تعديلات على الدستور الأفغاني لأسلمة قوانينه. وتشير مصادر محلية إلى أن المباحثات تعثرت، نظرا لإصرار طالبان، على انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان دون شروط، وتحويل قواعد إيساف العسكرية للجيش الوطني الأفغاني، وإنهاء عمليات الطائرات بدون طيار "درون".
بنود التفاوض تضمنت المحادثات التي أجراها جهاز المخابرات العسكرية الخارجية الباكستاني مع قيادات حركة طالبان ومختلف الفصائل المتحاربة، عدة بنود، أبرزها ما يلي: - إعلان الفصائل الأفغانية فورا إيقاف إطلاق النار، بما في ذلك الحملة الربيعية ضد الجيش الأفغاني والقوات الأميركية والأطلسية. - تقوم الحكومة الأفغانية مقابل ذلك، بإعلان وقف العمليات القتالية التي يقودها الجيش الأفغاني بالتعاون مع قوات التحالف، ضد طالبان. - تلتزم الحكومة الأميركية بوقف استخدام طائرات الدرون ضد طالبان ومخابئهم في مختلف المناطق المدنية خلال فترة الهدنة. - بحث مطالب طالبان بسحب القوات الأميركية من خلال لجنة التنسيق الرباعية. - تحذر باكستان مقاتلي طالبان من أنهم سيدفعون ثمنا غاليا إذا استمروا في هجومهم الربيعي، لأن باكستان ستتعاون مع القوى الإقليمية والدولية.
تعاون استخباراتي كانت حكومة إسلام أباد، وقعت في 19 مايو العام الماضي، اتفاقية تعاون استخباراتي مع نظيرتها الأفغانية، تحت ضغوط من رئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال راحيل شريف. وجاء توقيع الاتفاقية عقب زيارة رئيس الوزراء نواز شريف لأفغانستان في 12 مايو من العام الماضي، على رأس وفد ضم رئيس المخابرات العسكرية الخارجية الجنرال رضوان أختر، ورئيس الأركان راحيل شريف. وقدمت باكستان خلال الزيارة، تنازلات غير مسبوقة لأفغانستان، بما في ذلك إدانة الهجوم الربيعي الذي تقوم به حاليا حركة طالبان الأفغانية، واعتبرت إسلام أباد حينئذ أي هجوم على الجيش والأجهزة الأمنية الأفغانية، نوعا من الإرهاب.
تطور العلاقات ازداد التقارب بين إسلام أبادوكابول، بعد مجزرة بيشاور، إثر الهجوم الذي استهدف في 16 ديسمبر 2014 مدرسة الجيش العامة بالمدينة. وقام الجنرال راحيل شريف بزيارة خاصة لأفغانستان بصحبة رئيس المخابرات العسكرية الجنرال رضوان أختر وألح على التنسيق المشترك بين البلدين، لضبط مخططي المجزرة من حركة طالبان الباكستانية ورئيسها الملا فضل الله الذي يختفي في إقليم كنار بأفغانستان. وكان من أهم التطورات اللاحقة، قرار الحكومة الأفغانية تدريب طلبتها العسكريين في الأكاديميات الباكستانية المتخصصة بدلا من الهندية في مطلع العام الحالي. وتبع ذلك دعوة إسلام أباد، رئيس القوات الأفغانية الجنرال شير محمد كريمي، بصفته ضيف شرف، إلى حضور تخرج دفعة جديدة من الضباط في الأكاديمية العسكرية الباكستانية، مما يعني أن التعاون العسكري بين الجانبين وصل مرحلة متقدمة. في المقابل، ينظر عموم الأفغان إلى باكستان على أنها التي أوجدت حركة طالبان، وأنه توجد بعض القوى الخفية أو ما يسمى "العناصر التي لا تنتمي للدولة"، معللين ذلك بأن إسلام أباد لم تتخذ خطوات حقيقية لمنع حركة طالبان الأفغانية من هجماتها ضد حكومة كابل، وأيضا لم تمارس الضغوط اللازمة على قيادة حركة طالبان الأفغانية لتشارك في عملية المصالحة الوطنية.
بنود الاتفاقية نصت الاتفاقية الموقعة بين إسلام أبادوكابول النقاط الآتية: • أن يتشارك البلدان في المعلومات التي يحصل عليها كل منهما حول نشاطات المنظمات الإرهابية وتحركاتها. • يشترك الجهازان في الحرب ضد الإرهاب وينسقان عملياتهما في ذلك المجال. • يتعهد جهاز المخابرات العسكرية الباكستاني بتزويد نظيره الأفغاني بالأجهزة والمعدات الضرورية في رصد الإرهابيين، إضافة إلى تدريب عناصره على استخدام تلك الأجهزة. وتعكس الاتفاقية تزايد الثقة المتبادلة بين البلدين منذ تسلم أشرف غني زمام السلطة في أفغانستان. وكان الرئيس الأفغاني السابق حامد قرضاي، يتهم المخابرات الباكستانية بدعم حركة طالبان الأفغانية ضد حكومة كابول، بينما كانت باكستان تتهم جارتها بالتعاون مع المخابرات الهندية في تدريب الحركات الانفصالية الباكستانية، لا سيما حركة التمرد في بلوشستان وحركة طالبان الباكستانية التي تستهدف الجيش والأجهزة الأمنية. وبدأ الجانب الأفغاني بمبادرة التقرب من باكستان عندما زار غني، بعد تسلمه السلطة مباشرة، القيادة العامة للجيش الباكستاني وعقد حوارا مع رئيسه الجنرال راحيل شريف، وهي خطوة لاقت ترحيبا من المؤسسة العسكرية والحكومة الباكستانية.
عمليات راجنبور في باكستان، بدأ الجيش حملة تطهير ضد مقاتلي طالبان في راجنبور، بعد أن تسلم العملية الأمنية المخصصة لهذا الغرض، من شرطة إقليم البنجاب، إثر تعرضها لكمائن ونيران مكثفة أدت إلى سقوط العشرات من عناصرها الخاصة المدربة على مكافحة الإرهاب. وتشير تقارير حديثة إلى أن الجيش طهّر 50% من مدينة راجنبور، وأن العملية ما تزال مستمرة، وسط تحقيقات لمعرفة الفئات الداخلية في إقليم البنجاب التي تدعم المتطرفين بالمال والسلاح. وتفيد مصادر المخابرات المدنية بأن الأجهزة الأمنية قامت بحملة اعتقالات واسعة النطاق ضد اللاجئين الأفغان في مختلف أنحاء باكستان، وذلك بعد ظهور معلومات استخباراتية تفيد بتورطهم في شتى أعمال الاختطاف من أجل الحصول على الفدية والمتاجرة بالأسلحة والمخدرات والبشر.
التدخل الإيراني يرى مراقبون أن الملف الأفغاني تحول من باكستانلإيران، التي تقوم بتمويل أباطرة الحرب في أفغانستانوباكستان، في محاولة لترسيخ نفوذها في مناطق مهمة، مثل كابول، ومزار شريف، وهيرات، ومنطقة هزاره، بينما يدعي نظام الملالي بأنه يزود طالبان بالمال والسلاح والتدريب لمحاربة تنظيم الدولة في خراسان وحركة طالبان الباكستانية الموالية للتنظيم. ويضيف المراقبون أن الحركة لم تعد تثق بالحكومتين الأميركية والأفغانية، بدعوى أنهما ترفعان علنا شعار الحوار وتتعاونان في الوقت نفسه سرا مع أجهزة المخابرات الهندية في محاصرة وقتل كبار قيادات طالبان. وغيّر ظهور حركة طالبان القوي، المعادلة، لا سيما بعد الإنجازات العسكرية التي حققتها الحركة المتطرفة من خلال السيطرة على 10 أقاليم من مجموع 34 إقليما خلال يوم واحد من عمليات القتال وعلى عدة محاور في الأقسام الشمالية والجنوبية والجنوبية الشرقية. كما تسيطر الحركة حاليا على مدن مهمة منها قندوز، وهيرات، وهلمند، وهزارة، وقندهار، وتتحرك حاليا نحو كابول، مما يعني، حسب بعض المحللين، أن المبادرة الباكستانية جاءت متأخرة؛ وأن الحركة تعتبر نفسها سيدة الموقف بعد فشل سياسة الولاياتالمتحدة في أفغانستان، وهزيمة دواعش خراسان. ويبدو أن روسيا بدورها، أسهمت إلى جانب إيران، في انتصارات طالبان على تنظيم داعش في خراسان لإفشال الورقة الأميركية - الهندية، الرامية لترسيخ نفوذ البلدين في أفغانستان.
معارك طويلة يرى محللون أن التقارب بين البلدين سيؤدي إلى تقارب مماثل بين طالبان أفغانستانوباكستان، وسط توقعات بأن الحرب ضد الإرهاب ستكون دموية وطويلة. ومن المتوقع أيضا بحسب المحللين، أن تؤدي تلك الخطوة إلى حصول تقارب بين قوى طالبان وتنظيم داعش، ضد الحكومتين الباكستانية والأفغانية، لا سيما أن التنظيم بدأ باختراق صفوف طالبان، واستقطب قيادات مهمة منها، إضافة إلى تزايد نفوذه بين المنظمات المتشددة الباكستانية في مختلف أقاليم البلاد. من جهتها، تخشى المخابرات الأفغانية من توسع داعش في أفغانستان، مما يجبرها على التقارب مع المؤسسة العسكرية الباكستانية. يأتي ذلك، في وقت تشكو كابول بصورة علنية من عدم اكتراث أجهزة المخابرات الأميركية والغربية في مشاركتها بالمعلومات المسبقة حول أنشطة القوى الإرهابية، بعد انسحاب الغالبية العظمى من الجيش الأميركي والقوات الأطلسية من أفغانستان.
الانسحاب الأميركي مع انسحاب نحو 150 ألفا من القوات الأميركية والأطلسية، غادرت مختلف الأجهزة والمعدات الاستخباراتية التي كانت موجودة في مختلف أنحاء أفغانستان وتساعد الأجهزة المحلية في رصد وإفشال العمليات الانتحارية لفلول طالبان والقاعدة لا سيما في إقليم هلمند. وأكدت مصادر مطلعة أن القوات الأميركية سحبت معها 65 مركزا للتنصت وأغلقت القواعد العسكرية في هلمند، مما أتاح لطالبان التحرك فيها والقيام بعمليات انتحارية ضد القوات العسكرية والأمنية الأفغانية. وكان من أبرز نتائج الانسحاب أن العام الحالي اعتبر الأسوأ منذ 2003، حيث بلغ عدد القتلى من قوات الجيش والأجهزة الأمنية الأفغانية أكثر من أربعة آلاف خلال أقل من خمسة أشهر.
شبكة حقاني طلب المتحدث باسم البيت الأبيض، اليزابيث ترودوا، من باكستان أن "تترجم الأقوال إلى أفعال"، داعيا إياها إلى استهداف شبكة سراج الدين حقاني في الحرب التي يقودها الجيش ضد الإرهاب. وفتح تردوا ملفا قديما عندما أكد مسؤولية الشبكة عن الهجوم الانتحاري على كابول، الذي أدى لمقتل 64 شخصا وإصابة 347 آخرين بجروح بليغة وصفت ما بين خطيرة وحرجة. في الأثناء، انضم الرئيس الأفغاني أشرف غني للحملة الإعلامية ضد باكستان، إذ صرح المتحدث باسمه، دعوة خان، بأن شبكة سراج الدين حقاني قد خططت للعملية الانتحارية بالتعاون مع دوائر أجنبية في باكستان، متهما إسلام أباد بأنها لم تحقق قط وعودها بمنع الإرهابيين عن استخدام الأراضي الباكستانية للقيام بأعمال إرهابية داخل أفغانستان. وذهب خان إلى أبعد من ذلك، عندما صرح بأن لدى مخابرات بلاده قائمة بأسماء الدوائر الأجنبية المتورطة بتصدير الإرهاب إلى أفغانستان دون أن يسميها، معلنا أن شبكة حقاني هي المسؤولة عن العملية الانتحارية في كابل التي حدثت في 23 أبريل الماضي، مؤكدا أنها جزء من "حملة الربيع" الأفغانية.