أجواء من الارتباك وخيبة الأمل، بل الكآبة، على حد تعبير الإذاعة الإسرائيلية، خيمت على معسكر حزب "العمل" مع ظهور نتائج استطلاعات الرأي الأسبوعية التي أكدت تفوق مرشح ليكود واليمين ارييل شارون على رئيس الحكومة مرشح "العمل" ايهود باراك، بفارق كبير يستحيل جسره خلال الأيام العشرة المتبقية على انتخابات رئاسة الحكومة في السادس من شباط فبراير المقبل. في المقابل، حض شارون أنصاره على مواصلة العمل من أجل ضمان الفوز والأخذ بالحسبان إمكان عدول المواطنين العرب الذين يشكلون 12 في المئة من أصحاب حق الاقتراع عن موقفهم مقاطعة الانتخابات والتصويت لباراك. أبدى رئيس كتلة "العمل" البرلمانية أوفير بينيس خيبة أمله من نتائج استطلاعات الرأي التي نشرت أمس، وأظهرت عدم تقليص الفارق بين باراك وشارون "على رغم الأسبوع الصعب الذي واجهه شارون". وكان بينيس وأقطاب حزبه عوّلوا كثيراً على تعثر شارون في معركته الانتخابية بعد تصريحات حليفه العنيد افيغدور ليبرمان وتهديداته الفلسطينيين ومصر ولبنان وإيران، مروراً بالاستقبال الحافل الذي حظي به شارون في عدد من المدارس اليهودية واتهام الطلاب له باقحمام إسرائيل في الحرب على لبنان وانتهاء بلقاء فيينا بين مستشاري شارون وخالد سلام مستشار الرئيس ياسر عرفات أول من أمس والانتقادات لشارون، من داخل حزبه، على اجراء مثل هذا اللقاء. وعلى رغم ذلك، تأرجح فارق النقاط لصالح شارون في الاستطلاعات كافة بين 16 و20 في المئة، وأبرزها استطلاع "غالوب - معاريف" 52 في المئة لشارون مقابل 34 لباراك واستطلاع "داحف - يديعوت أحرونوت" 49-32. وكشفت الاذاعة الإسرائيلية فشل محاولة عدد من أقطاب "العمل" دعوة باراك علناً للتنحي لمصلحة شمعون بيريز الذي يتأخر بنقطة واحدة فقط عن شارون، حسب استطلاع "معاريف". وقالت الإذاعة إن أحداً من وزراء "العمل" لم يجرؤ على توجيه دعوة كهذه، لكنها لم تستبعد أن تخرج المحاولة إلى حيز الوجود في حال لم تتغير النتائج في استطلاعات. ويركز شارون في الأيام المتبقية للانتخابات، جهوده في أوساط المتدينين المتزمتين، ويحاول بكل وسيلة استمالتهم وحضهم على المشاركة بنسبة عالية في الانتخابات. ويستمد شارون تشجيعاً من تصريحات الزعيم الروحي لحركة "شاس" الدينية الشرقية الحاخام عوفاديا يوسف الذي اتهم باراك بأنه "كاره إسرائيل"، وأضاف إليها تفوهات عنصرية ضد العرب ووصفهم مجدداً ب"الأفاعي السامة". ورداً على هذا "الجميل"، وحرصاً منه على عدم تكرار ما حصل قبل ثلاثة أسابيع، رفض شارون مساء أمس الجمعة الظهور في مقابلة تلفزيونية ببث حي لئلا ينتهك قدسية السبت ويثير غضب المتدينين وهو القائل قبل ثلاثة أسابيع إنه لا يقبل املاءات من أحد. ومع ضمان دعم المتدينين الشرقيين، يسعى شارون لتحقيق دعم مماثل من "الاشكناز". وأول من أمس وصل إلى إسرائيل المليونير اليهودي الاسترالي يوسف غوتنيك لدعم حملة شارون الانتخابية. وغوتنيك كان موّل في انتخابات عام 1996 حملة بنيامين نتانياهو تحت شعار "نتانياهو جيد لليهود". وتشهد البلدات العربية داخل إسرائيل نشاطاً انتخابياً متعاظماً في الأيام الأخيرة. وأبدى الوزير متان فلنائي تفاؤلاً مما سماه "تغيراً كبيراً في توجه المواطنين العرب الذين يرفضون شارون قطعاً"، لكن استطلاعاً للرأي أفاد أن 62 في المئة من العرب سيقاطعون الانتخابات. إلى ذلك، توجه عدد من الأحزاب الفاعلة في البلدات العربية بنداء إلى المواطنين العرب أكد فيه أن الخيار الوحيد هو مقاطعة الانتخابات، وان خيار المفاضلة بين باراك وشارون مرفوض من أساسه. ورأى بيان صدر أمس عن "الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة"، وفي مركزها الحزب الشيوعي الإسرائيلي، أن الموقف الصحيح هو الاقتراع بالورقة البيضاء "لأنه في المعطيات الحالية تصويت احتجاجي ضد استمرار الحصار والقمع الاحتلالي والتمييز القومي". وتقدم النائب محمد بركة، عن الجبهة، بدعوى إلى المحكمة العليا من أجل الاعتراف بالورقة البيضاء صوتاً صحيحاً وليس لاغياً. من جهة ثانية، ينظم التجمع الوطني الديموقراطي ظهر اليوم تظاهرة في مدينة الناصرة تحت شعار "كل الدعم لانتفاضة شعبنا الباسلة ولا صوت من هون هنا لباراك وشارون". وقال المنظمون إنهم يسعون، من خلال هذه التظاهرة، لتفعيل دور الحركة الوطنية ورفض مصر الانتخابات بين خياري السيئ والأسوأ. وأصدر "التجمع"، وهو أول من دعا إلى مقاطعة الانتخابات، بياناً أمس حذر فيه من "دعوات أوساط في السلطة الفلسطينية التصويت لباراك". وقالت صحيفة الحزب "فصل المقال" إن هذه الأوساط "تخطئ خطأ فادحاً ان هي توهمت أنها بمثل هذا التدخل ستمد طوقاً لنجاة باراك". ونشرت أسبوعية "كل العرب" مقابلة مع رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية فاروق القدومي تضمنت دعوة واضحة للمواطنين العرب داخل "الخط الأخضر" بمقاطعة الانتخابات، "لأن باراك وشارون وجهان لعملة واحدة، وكل له اسلوبه الخاص... كلاهما مجرم حرب".