أخيراً حزم الرئىس الديموقراطي بيل كلينتون حقائبه وأخلى موقعه في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض لخلفه الجمهوري جورج بوش الابن. وبذلك طويت صفحة وفتحت صفحة يترقب الكثيرون ما فيها. ولعلها مصادفة تاريخية ان الرئىس الجديد ابن لرئىس سابق ما زالت منطقتنا العربية تعيش في ظل تداعيات مبادرته السياسية المعروفة بمؤتمر مدريد وما تمخض عنه من مسارات تفاوضية، وما احدثه في المنطقة من انقلابات في القيم والمعايير. وما يعطي لعهد الرئىس بوش الابن نكهة مميزة انه يرث عن سلفه الديموقراطي التركة الفلسطينية - الاسرائىلية وهي تعيش احدى اكثر لحظاتها حرجاً، حين فشل كلينتون في اخراج الموضوع الفلسطيني - الاسرائىلي من مأزقه. ومن الطبيعي، والحال هكذا، ان يدور جدل حول مواقف الادارة الاميركية الجديدة من ملف الشرق الاوسط والقضية الفلسطينية، وان تتعدد التقديرات. فهناك من يفترض ان الادارة الجمهورية ستولي ملف اوروبا وتوسيع عضوية الحلف الاطلسي، والعلاقة مع الصين وروسيا الاهمية في سياستها الخارجية على حساب الانشغال في الصراع العربي - الاسرئىلي. وحجة هؤلاء ان الجمهوريين ينتقدون سلفهم كلينتون بأنه اعطى للملف العربي - الفلسطيني - الاسرائىلي اهتماماً زائداً حتى انه انشغل به عن قضايا دولية لا تقل عنه اهمية. وهناك من يفترض ان الادارة الجمهورية لن تهمل قضية الشرق الاوسط، لكنها ستحتاج الى وقت ليس بالقصير لاعادة الملف وتشكيل الفريق المعني بمتابعته. وهناك من يستطرد فيضيف ان اهتمام الادارة الجديدة بملف الشرق الاوسط لا يفترض ان تكون القضية الفلسطينية هي محور هذا الاهتمام. بل من المحتمل ان يكون المسار السوري المعطل هو مدار اهتمام الادارة الجمهورية، انطلاقاً من الفكرة التي طرحت سابقاً وملخصها ان سلام اسرائىل مع سورية سيفتح امامها ابواب المنطقة، خصوصاً وان القضايا العالقة بين تل أبيب ودمشق ليست في مستوى تعقيدات عناصر الملف الفلسطيني، وهو امر قد يشجع على طرق المسار السوري - الاسرائىلي على امل تحقيق انجاز ما، يمكن استثماره ايجابياً عند تناول الملف الفلسطيني - الاسرائىلي. في المقابل، هناك من يعتقد ان تواصل الانتفاضة يبقي القضية الفلسطينية في مقدمة اهتمامات السياسة الخارجية للادارة الجديدة. ويفترض اصحاب هذا الرأي انه بمقدار ما تستطيع الانتفاضة الفلسطينية ان تفرض نفسها بمقدار ما تستطيع ان تشد اهتمام واشنطن وغيرها من عواصم القرار. ملخص القول اننا نعيش مع الادارة الجديدة اجواء الاسئلة التي عشناها مطلع العام 1993 مع الادارة الديموقراطية، لكننا لا نعيش الظروف والأوضاع ذاتها التي كنا عليها آنذاك، فهناك فوارق واختلافات. اختبر العرب والفلسطينيون جيداً الادارتين الديموقراطية والجمهورية، ومن المفيد التذكير بأن الطاقم الاميركي الذي امسك بملف الشرق الاوسط في زمن كلينتون هو نفسه الذي كان يمسك بالملف في زمن بوش الأب. واختبر العرب والفلسطينيون جيداً الحزبين الاسرائىليين الرئىسيين، العمل والليكود. واستطاعوا ان يراكموا خبرة تفاوضية ليست بالبسيطة، بعد مرور عشر سنوات على العملية. فالعرب تخلصوا من حال الضعف والتفكك التي عانوها منذ عقد، وخطوا على طريق استعادة التضامن خطوات ليست بالقليلة، من علاماتها القمة غير العادية التي عُقدت حديثاً في القاهرة. وبدورهم انتقل الفلسطينيون الى مرتبة جديدة في ظل الانتفاضة التي انفجرت يوم 28/9/2000. وهي حال اجمع الكثيرون على انها تعبير عن تراكم قناعة باستحالة الوصول الى حل مقبول للقضية الفلسطينية في ظل المفاوضات الراهنة وتحت الرعاية الاميركية. لذلك يجمع هؤلاء على ان هامش المناورة امام المفاوض الفلسطيني يضيق يوماً بعد يوم، وبالتالي فإن احتمالات القبول بالمقترحات الاميركية والاسرائىلية ضعيفة جداً. والسؤال: اذا كان الفلسطينيون يجمعون على ضرورة تواصل الانتفاضة والمقاومة حتى نيل الاستقلال والحرية وقيام الدولة ذات السيادة وعاصمتها القدس، فما هي الخطوات العملية والملموسة لتحقيق هذا الهدف؟ هل يعني هذا، من ضمن ما يعنيه، ابقاء الوضع الفلسطيني في حال انتظار الى ان تنعقد الانتخابات الاسرائىلية وتتشكل الحكومة الجديدة، والى ان يعاود الطرف الاميركي استئناف المفاوضات. والا يعني هذا من ضمن ما يعنيه، رهن القرار الفلسطيني بالحالين الاميركية والاسرائيلية. * كاتب سياسي فلسطيني.