انخفاض أسعار النفط 4%    حجم سوقي الصلب والبلاستيك 44.9 مليارا في 2029    غوتيريش يؤكد إعاقة إسرائيل وصول المساعدات إلى قطاع غزة    الفوتوغرافي السعودي محمد محتسب يُتوَّج بلقب ZEUS    "الفطرية": ولادة خمس غزلان ريم في" الواحة العالمية"    في إنجاز عالمي جديد يضاف لسجل تفوقها.. السعودية تتصدر مؤشر تمكين المرأة في مجال الذكاء الاصطناعي    "الموارد": "الفرع الافتراضي" خفض الزيارات الحضورية 93 %    السعودية رائدة في مجال المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية    الديوان الملكي: وفاة الأمير عبدالله بن مساعد آل عبدالرحمن    شدد على منع امتلاك النووي.. ترامب: محادثات مباشرة بين أمريكا وإيران    السعودية بوصلة الاستقرار العالمي (2-3)    وزير الخارجية يصل إلى واشنطن في زيارة رسمية    في ذهاب نصف نهائي أبطال آسيا 2.. التعاون يهزم الشارقة الإماراتي ويضع قدماً في النهائي    في ذهاب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا.. برشلونة يواجه دورتموند.. وباريس يخشى مفاجآت أستون فيلا    ضبط مقيم في الشرقية لترويجه "الأمفيتامين"    «القمر الدموي».. خسوف كلي يُشاهد من معظم القارات    إطلاق الاختبارات الوطنية "نافس" في جميع مدارس المملكة    وزير الدفاع ونظيره العراقي يبحثان تعزيز التعاون العسكري    15 ألف قرار بحق مخالفين    أمير جازان يرأس اجتماع لجنة الدفاع المدني الرئيسية بالمنطقة    جازان تودّع شيخ قبيلة النجامية بحزن عميق    الشؤون الإسلامية في جازان تشارك في يومي الصحة والتوحد العالمي    الشؤون الإسلامية في جازان تقيم عدة مناشط دعوية في الدوائر الحكومية خلال الشهرين الماضيين    صحيفة الرأي توقّع عقد شراكة مع نادي الثقافة والفنون    إنجاز طبي سعودي.. استئصال ورم في الجمجمة بالمنظار    تقلب المزاج.. الوراثة سبب والاتزان النفسي علاج    السعودية وإعادة رسم خريطة التجارة العالمية    NASA تعجز عن إرسال رحلة للمريخ    ديربي حائل بشعار الصعود.. العين يلتقي أحد.. الجندل يواجه العدالة    تمير من سدير يا جمهور الهلال!    رحلة آمنة    6 أندية ترافق الخليج والهدى إلى ربع نهائي كأس اتحاد اليد    بجوائز تتجاوز 24 مليون يورو.. انطلاق "جولة الرياض" ضمن جولات الجياد العربية    رودريغيز يستهدف جيسوس للتغطية على كوارثه!    ثغرة خطيرة في WhatsApp    ثقافات الفن وتأويلاته المبتكرة «على مشارف الأفق»    باقي من الماضي والآثار تذكار    الدرع قصدك فيه فرحة والاوناس لاشك عند اللي يجي له ثميني    سلوكيات بريئة تشكك بالخيانة    مسبار يستقر في الفضاء بنجاح    ملتقى ومعرض المنصات المالية الذكية iPExpo2025    التصوير بالرنين المغناطيسي يضر الجسم    عودة الذئب الرهيب بعد 10000 عام    الشعور بالجوع يعيد تشكيل الخلايا المناعية    زهرة اللبن (الأقحوانة البيضاء) حورية الرومان وملهمة الشعراء    فهد بن سلطان يستقبل وكلاء ومنتسبي إمارة تبوك بمناسبة العيد    سعود بن بندر: الاستثمار في البنية التحتية الذكية والابتكار يؤتي ثماره في تحسين جودة الحياة    روسيا: مستقبل الحد من الأسلحة النووية.. يعتمد على الثقة    تصاعد الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر ومالي    أمير المدينة يلتقي قائد أمن المنشآت    الأهلي المصري يكرر فوزه على الهلال السوداني ويتأهل إلى نصف نهائي «أبطال أفريقيا»    النقل الإسعافي يستقبل 5 آلاف بلاغ بالمدينة المنورة    أمير منطقة تبوك يستقبل وكلاء ومنسوبي الامارة بمناسبة عيد الفطر    مباحثات لتعزيز التعاون الدفاعي بين السعودية والعراق    رئاسة الافتاء تصدر كتابا علمياً عن خطر جريمة الرشوة على الفرد ومقدرات الوطن    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظِّم لقاء معايدة    العلاقة بين وسائل التواصل والتربية السليمة    "البصيلي": يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لبنى الأمين وهلا الخليفة : تجربتان من المحترف التشكيلي البحريني
نشر في الحياة يوم 12 - 01 - 2001

يغص المحترف التشكيلي في البحرين بالتجارب الفنية، التي ينزع بعضها الى تلمس طريقه في اتجاه نوع من الفرادة الأسلوبية، في حين لا يزال البعض الآخر ملتبساً بالمؤثرات الأسلوبية العربية والعالمية. وفي الحالين فإن الفن التشكيلي البحريني يمتلك نبرته العالية والواضحة. وهو أمر يرتكز على غنى التجربة الفنية وقدمها قياساً الى مثيلاتها في دول الخليج الأخرى. وللمرأة حضور لافت في المنجز التشكيلي هناك. هذا الحضور لا يمثله اهتمام تزييني، يتم في جزء منه لأسباب مظهرية تلخص نوعاً من التنافس الاجتماعي، كأن تتسابق النساء على اقتناء الأعمال الفنية، وهي على العموم ظاهرة طيبة، بل يجسده وقوف المرأة تنافسياً الى جانب الرجل، مشاركة في المعارض الجماعية، من جهة، ومن جهة أخرى، مندفعة في اتجاه تحديث العمل الفني وتعميق الوعي بحداثته. ورسوم الفنانة بلقيس فخرو ليست استثناء في هذا المجال. فهناك الكثيرات من الرسامات اللواتي تمثل تجاربهن التشكيلية لحظات جمالية تتصف بفرادتها، أو على الأقل بسعيها الى التجريب الفردي.
أثارت اهتمامي في غير مناسبة تجربتان لفنانتين من البحرين تكاد تفصل وتفرق بينهما سبل كثيرة. وهذا الاختلاف هو سبب مضاف من أسباب الاغراء بالاقتراب منهما وقراءتهما، كل تجربة على حدة. أقصد: هلا الخليفة ولبنى الأمين. هاتان الرسامتان استطاعتا في وقت قياسي أن تنضما بامتياز موهبتهما الصريحة الى المشهد التشكيلي في البحرين. ولا أتحدث هنا عن واقع افتراضي يستدعيه التوقع المحض، بل عن مشاركة فعلية لافتة، ان عبر المعارض الفردية أو من خلال العروض الجماعية. ورسومهما اليوم تمثل عالمين منفصلين عن التجربة الجمالية المكرسة في بلدهما وفي الوقت نفسه ملتصقين بالنسيج العضوي لتلك التجربة.
وفي شكل عام فإن الاثنتين لا تبديان كثير اهتمام للالتصاق بالمعنى المكرس لمفهوم المحلية إلا بنسب متباينة وغير أساسية وخصوصاً على مستوى المواد المستعملة لدى الأمين التي وجدت في الأبواب القديمة عنصر الهام لها وكذلك مساحة يتمدد عليها فضاؤها المتخيل لونياً. وليس في هذا السلوك ما يثير أية حفيظة استفهامية بصدد التأويل النظري للفكرة. إذ يمكننا القول بيسر ان هذه الرسامة استبدلت قماشة اللوحة بخشب الأبواب القديمة لما تنطوي عليه هذه المادة من حساسية ملمس جاهزة. وهي حساسية استدرجتها الرسامة في اتجاه فكرة العتق الماثل باسترخاء في أعماق انسانيتنا. انها تعيدنا الى الأماكن التي غادرناها، حيث تركنا جزءاً منا لا يزال حياً. الأبواب لدى هذه الرسامة شواهد وليست علامات. وهي فاصلة بين زمنين وليست مجرد حجاب يخفي وفي الوقت نفسه يؤذن بالانتقال من مكان الى آخر. أبواب هذه الرسامة هي سطوح وليست خلفيات. لذلك فإنها كأي عنصر آخر من عناصر بناء اللوحة لا تتوقف عن اقتراح جمالياتها، أثناء الرسم وأثناء المشاهدة على حد سواء.
ولا بأس ان عثرت لبنى الأمين على شقوق أو ندب أو حروق على الخشب، بل ان هذا الاكتشاف لا بد ان يكون مصدر سرور لها. ذلك لأنه يكون أشبه بالجدار القديم الذي نصح دافنشي بتأمله واستخراج الأشكال من الآثار التي تركها الزمن عليه. الأمر يتعلق بالإلهام أيضاً. ولن تفوّت الرسامة فرصة الهام جاهزة مثل هذه، إذ عملت على تحريك هذه المفردات عن طريق اللون الملقى باستفهام مسبق وجعلت من السطح فضاء مملوءاً تشتغل فيه العلامات. لقد استخرجت الأمين من السطوح الخشبية عالمها الجمالي الذي يظل عالماً افتراضياً ما دام الخشب ماثلاً للعيان. وما دامت الرسامة لا تعني بإخفائه رغبة منها في الاستمرار في التماهي مع تجلياته.
لكل واحدة من الرسامتين عالمها الشكلي الذي يكشف عن نزعتها الرؤيوية الغامضة. وإذا كانت لبنى الأمين وهي التي تحاشت الخوض في الرسم مدرسياً، استعارت من العالم الخارجي سطوح لوحاتها، فإن هلا الخليفة تستأنف الرسم من لحظة فرار من المحيط.
الأولى تقيم عالمها الشكلي في انسجام تذوقي مع التزامات جاهزة يهيئها المحيط الخارجي، أما الثانية فإنها لا تخفي شعورها المحبط بما يحيط بها من اكتمال. لذلك فإنها تستلهم قدرتها على التجريد من هذه الصلة الناقصة. وهي صلة يفرضها شعور عميق بالغياب. ومن هنا يتخذ الرسم طابعه المتحرر من أي التزام بصري مسبق. هلا الخليفة تنشئ عالمها من مادة متخيلة، وهمية، ومنتقاة بعناية من تجارب الرسم ذاتها في كل ما تجلبه هذه التجارب من خبرة. وهي لذلك لا تغفل أي بارقة جمال تمن بها الصدفة. وهو ما يدفعها الى الإبقاء على عناصر الرسم في حالة حركة مطلقة، وكأن فعل الرسم يعني بملاحقة الهذيان الى أقصى نقاط ذروته. هذه الرسامة لا ترى الشكل في لحظة اكتماله، بل هي لا تعترف بهذه اللحظة إلا كونها علامة موت. ولهذا فهي لا تريد لأشكالها أن تصل، رغبة منها في أن لا تضل طريقها الى الجمال المطلق. انها تبتكر أشكالاً غير مقيدة بالمعاني بعد أن تكون جردتها من هيئاتها المؤكدة. وهي أشكال تتذرع بالشك من غير ان تذهب بخيلاء طموح الى اليقين. هذه الأشكال لدى كثير من الرسامين تعبر عن وعي مزدوج بالحيرة واللذة. حيرة من لا يجد في الشكل ملاذاً آمناً ولذة من يبصر العالم يتشكل وفق مشيئته البصرية. وهي مشيئة تسعى الى الاستغراق في عصيانها. ذلك لأنها لا تفسر فعل النظر حيادياً وهي غير معنية بذلك على الإطلاق. انها ترى العالم من جهة تشكله الجمالي غير المسبوق. فهو تشكل يحدث في اللوحة ولا صلة له بالخزين البصري. هلا الخليفة تصنع عالمها في لحظة انبهار ودهشة، هي ليست مقتبسة من صلة بالمحيط، بل ذا جزء من عالم عرفاني يهيئة الاستغراق في الرسم، فعل ابداع خالص.
هذه الرسامة ترى في الرسم محاولة لاستحضار علاقات شكلية، وليس لتقليد هذه العلاقات أو ابتكارها. ذلك لأن هذه العلاقات قائمة ولكن وراء حجاب لا يمكن اختراقه الا عن طريق الاستغراق الإشراقي. وهو فعل لا يمكن الوصول اليه إلا بالاستجابة العفوية لنشاط المواد المستعملة في الرسم. وهو ما أجادت الرسامة الخليفة القيام به.
الرسامتان لبنى الأمين وهلا الخليفة هما جزء من المشهد التشكيلي الباهر الذي يعيش في البحرين تحولاته المستمرة. وهي تحولات تليق ببلد يمضي الى ترفه الخيالي بشظف عيش مثالي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.