} تشكل زيارة الزعيم الكردي العراقي جلال طالباني تركيا، ولقاؤه قبل ذلك زعيم الجناح الكردي الآخر مسعود بارزاني، بالتفاهم مع أنقرة، تحولاً في مسيرة طالباني الذي مهد لذلك بمعارك عدة ضد حزب العمال الكردستاني، عدو تركيا الأول، وبإرساله وفداً الى بغداد في مسعى جديد منه للمصالحة مع النظام العراقي، تحسباً لمرحلة ما بعد العقوبات. تشكل زيارة جلال طالباني لتركيا ولقاءاته المكثفة مع كبار المسؤولين نقطة انعطاف في مسيرة الاكراد، فهي تؤشر الى تعميق العلاقات بينه وانقرة، ورغبته في اقناع تركيا للعب دور أنشط في مجريات الاحداث، من منطلق المصلحة المشتركة في تصفية حزب العمال الكردستاني بعدما تحوّل الى ورقة خاسرة بين طالباني. ويسعى طالباني، كما يشير بعض مساعديه الى دفع تركيا للضغط على ايران من أجل وقف دعمها الميداني للبقية الباقية من قوات حزب العمال. وكان طالباني بدأ القتال ضد الحزب قبل بضعة اشهر، قبل ان تتراجع قواته لمصلحة قوات الحزب الذي احتل مواقع جديدة. وتسعى تركيا الى اكمال مهمتها بتصفية قوات حزب العمال، التي لم يبق لها سوى خط الدفاع الأخير في متاهات ووديان جبل قنديل العصية. وتشير المعلومات الميدانية الى تحول حاسم على جبهة العلاقات بين حزب العمال وايران، التي تحاول اقناع قيادات حزب العمال في المنطقة جمال باييك، وعثمان اوجلان بالانسحاب، ولكن احداً لم يجب على السؤال المنطقي اللاحق: الانسحاب الى أين؟ على أي حال لم تتوقف ايران عند نطاق الدعوات والمناشدات لحزب العمال، بل أنها، في خضم عزمها على ممارسة سيادتها، استخدمت قبل حوالى اسبوعين الطائرات لقصف مواقع الحزب في منطقة "دولة كوكة" ومشارف جبل قنديل المطلة على الحدود الايرانية. وأوقعت غارات الطيران الايراني 9 قتلى على الأقل، وفقاً لمصدر كردي رفيع. ويواجه خاتمي معارضة الحزب الثوري والمؤسسات التابعة له في إبقاء ورقة حزب العمال للضغط على تركيا من جهة، وعلى العراق من جهة اخرى. وفي ظل أجواء عدم الحسم، يتطلع طالباني في انقرة الى تسويق مبادرة أوسع تدعو الى اقامة تفاهم تركي - عراقي على بضعة محاور ميدانية منها: التحرك المشترك لمواجهة ايران وتنسيق سياسي - اقتصادي يمهد لمرحلة ما بعد العقوبات. وكانت العلاقات التركية - العراقية شهدت تحسناً ملموساً في الآونة الأخيرة تمثل بزيارة نوري اسماعيل الويس وكيل وزارة الخارجية العراقية، والمسؤول عن الملف التركي، وتوجت الزيارة بإعادة العلاقات وإرسال السفير التركي الى بغداد. ولم يقتصر مسعى طالباني على اقناع القيادات التركية بهذه الافكار، بل انه مهد لها بإرساله وفداً سرياً الى بغداد، قبل اسبوعين. وسعى الوفد، وفقاً لمصدر قيادي كردي، الى اقناع بغداد بالعودة الى حوار سياسي على اساس التفاهم على تبريد الجبهات العسكرية والعمل المشترك لمواجهة أعباء الحظر الدولي والعقوبات. ووفقاً للمصادر نفسها، فقد رأس الوفد فريدوك عبدالقادر، وهو نائب جلال الطالباني للشؤون السياسية، وضم ملا بختيار وارسلان باييز، عضوي المكتب السياسي وقيادة الاتحاد الوطني الكردستاني. ولكن الدعوات الملحة لطالباني لدور تركي نشط يصطدم بأكثر من عقبة، ففضلاً عن ان تركيا تتلهف للاجهاز على حزب العمال وتشتيت بقايا قواته، إلا انها تدرك ان تورطاً عسكرياً تركياً في شمال العراق، لا سيما في المناطق المتاخمة لايران، أمر محفوف بالمخاطر ويفرض ثمناً باهظاً لا يبدو ان انقرة غافلة عنه. كما انه يفتح الباب أمام احتمالات التوسع والانفجار. من هذه الزاوية يرجح المراقبون رداً تركياً مدروساً لا يغلق الباب أمام الشراكة المرحلية مع طالباني، بما في ذلك زيادة دعمها لقواته ميدانياً ومالياً من دون الذهاب الى مغامرة غير مدروسة في جبال كردستان. وتحسب تركيا ايضاً، القدر الذي قد تنعكس فيه علاقاتها بطالباني على علاقتها بالطرف الكردي الآخر بزعامة مسعود البارزاني. ومع ان اللقاء الأخير بين زعيمي الطرفين جرى بتفاهم مع تركيا الا ان الطريق أمام تسوية خلافاتهما لا يزال طويلاً، ويحتاج الى مبادرات ورؤية جديدة لم تظهر ملامحها بعد. ولكن الزيارة بحد ذاتها، ولجوء طالباني الى أقصاء كوسرت رسول عن "رئاسة الحكومة" الاقليمية في السليمانية، بما فيه من دلالات قد يسمح بتنفيس الاحتقان بين الطرفين. يذكر ان طالباني عين الدكتور ابراهيم صالح، مندوبه الى واشنطن رئيساً جديداً للوزراء، ينتظر ان يعلن عنه في 15 الجاري، وقد حضر الدكتور صالح لقاءات طالباني في تركيا بصفته الجديدة.