القارئ العربي ليس بالضرورة معنياً بالصراع في الدوائر الثقافية الرسمية في مصر، بل يتخوف من أن يؤذي مثل هذا الصراع مناخ حرية التعبير في بلد كان وسيبقى مركز اشعاع ومختبراً للتأثير المتبادل بين الكاتب وجمهوره. فلم تكد تنتهي مشكلة النشر المصري لرواية السوري حيدر حيدر "وليمة لأعشاب البحر" حتى برزت مشكلة جديدة هي الاعتراض على نشر روايات ثلاث للمصريين توفيق عبدالرحمن ومحمود حامد وياسر شعبان، اعتراض وصل الى عزل رئيس هيئة قصور الثقافة علي أبو شادي واستقالات تضامنية معه، وصدور بيانات حادة متبادلة بين وزير الثقافة فاروق حسني وعدد من المثقفين المصريين البارزين. ليس الأمر شأناً داخلياً، فالأزمات التي تحدث في قطاع الثقافة المصري تطاول المثقفين العرب جميعاً، إذ يبدو هذا القطاع شأناً عاماً للناطقين بالعربية، والتواصل معه سلباً أو ايجاباً هو حق لأي كاتب أو قارئ عربي، لأن العرب قبلوا بدولهم وأنظمتهم المستقلة والمتعاونة أو المتصارعة سياسياً، لكنهم اعتبروا ويعتبرون ثقافتهم "دولة" عابرة للحدود، مظهرها اللغة الواحدة وجوهرها التراكم المعرفي والتعبير الانساني. ما يؤسف هو اقالة علي أبو شادي الذي يكاد يجمع عارفون على حس نقدي ديموقراطي في كتاباته وفي ادارته للرقابة كما في علاقته بمرؤوسيه القائمة على الثقة والتقدير. إذ كيف يمكن له أن يعيد قراءة مخطوطات قرر نشرها محمد البساطي مدير سلسلة "أصوات أدبية" وهو يعرف البساطي روائياً من الصف الأول في مصر والعالم العربي معروفاً بهدوئه القريب من الحكمة فضلاً عن أنه محلّ ثقة في أدائه لما يقتضي منصبه؟ أما المقاطع الإباحية أو شبه الإباحية - والوزير لا ينطق عن عبث أو هوى - فتبقى محلّ مناقشة من الناحية الفنية الأدبية ومن الناحية الأخلاقية أيضاً، وكأن الحملة على الروائيين الثلاثة بهذا الشكل استعادة لدعوى اقيمت قبل سنوات ضد كتاب "ألف ليلة وليلة"... وفي أي حال يمكن لخلافات في وجهات النظر أن تحلّ بطرق قاسية، قد تصل الى ايقاف توزيع الروايات وتنبيه المسؤول عن نشرها، وليس الى اقالات تفجّر الإدارة الثقافية الرسمية في مصر أو تحبطها عن أداء دور في الثقافة الجماهيرية نريد ان تعتمده الدول العربية الكثيفة السكان كلبنان والمغرب. ويبدو طبيعياً ان يدافع المثقف العربي عن حرية قطاع النشر الرسمي في مصر، لأن القطاع الخاص لا يملك البدائل، فقد مضت فترة زمنية مديدة على تأميم دور النشر المصرية الكبرى ذات المدى العربي كداري المعارف والهلال، ولا تستطيع الدور الخاصة الصغيرة القائمة الآن أن تسدّ ثغرات يمكن أن يتسبب بها على الأقل جوّ الاحباط في قطاع النشر الرسمي، خصوصاً في السلاسل ذات الطبعات الشعبية التي تشكل زاداً ثقافياً ضرورياً لمحدودي الدخل والفقراء. فقد نجحت الدولة بمبادرات حيوية في النشر هي من صفات القطاع الخاص عادة، ومبعث النجاح هو التسامح والديموقراطية إذ يصلان الى ضمير الموظف في القطاع العام. بعد أقلّ من أسبوعين تنطلق دورة العام 2001 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، فتكون مناسبة لعرض كبير للصراع بين السلطة والمثقف، أو تكون مناسبة لكيفية تنشيط القطاع العام الثقافي من دون الحدّ من حرية هي شرط لازم لأي فعل ثقافي. فأيّ المناسبتين تختار الدولة المصرية ومثقفوها ومجتمعها؟ وكيف يمكن أن يتعامل أداء حكومي وسلطوي مع شأن يطاول روح المبدع والمتلقي في حدود مسؤوليات السلطة المصرية وفي ما يتعداها الى الدول العربية والناطقين بلغتنا؟ والوزير فاروق حسني الذي أدار بكفاية "معركة" كتاب "وليمة..." يمكنه أن يستخدم كفايته في هذا الخلاف قبل أن يتحول الى معركة في داخل الوسط الثقافي، فتصبح الوزارة بلا اسم ويشيع القلق لدى المثقفين العرب في مصر وخارجها...؟