} لم يُشكل فشل لقاء برلين بين أطراف نزاع الصحراء الغربية أول من أمس، مفاجأة. لكن اللقاء حمل جديداً تمثل في عرض المغرب إجراء مفاوضات مباشرة مع جبهة "بوليساريو" لإقرار تسوية للنزاع المستمر منذ 1975. يرصد المغاربة بحذر وترقب رد فعل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان حيال اقتراحهم اجراء مفاوضات مباشرة مع "بوليساريو" برعاية الوسيط جيمس بيكر في الأسابيع المقبلة للبحث في "حل نهائي ودائم لقضية الصحراء في إطار احترام سيادة المغرب". وقالت مصادر ديبلوماسية انها المرة الأولى تطرح فيها السلطات المغربية هذه الصيغة علناً منذ بدء نزاع الصحراء في 1975، وإن كانت أجرت مفاوضات - سراً وعلناً - مع قياديين في "بوليساريو" في المغرب ودول أجنبية. وقال المسؤولون المغاربة ان تلك المفاوضات كانت ترمي الى حض "بوليساريو" على العودة الى المغرب. وسبق للعاهل المغربي الملك محمد السادس ان شارك في جانب من تلك الاجتماعات حين كان ولياً للعهد. وبدا لأكثر من مراقب ان اقتراح اجراء مفاوضات جديدة في اجتماع برلين الذي انتهى الى الفشل أول من أمس، يهدف ربما الى تعبيد الطريق أمام ما يُعرف ب "الحل الثالث" الذي يقوم على أساس منح الصحراويين صلاحيات واسعة في إدارة شؤون الصحراء ضمن احتفاظ المغرب بالسيادة. وشدد بيان لوزارة الخارجية المغربية في اعقاب انتهاء اجتماع برلين اقتصر على اجتماع واحد، على ان الحل النهائي يجب ان يأخذ في الاعتبار "مصالح المغرب وسيادته وخصوصيات الإقليم في نطاق احترام مبادئ الديموقراطية واللامركزية التي يعتزم المغرب تنفيذها بدءاً من إقليم الصحراء"، وهي صيغة تبدو برأي مراقبين أقل من "حكم ذاتي" لكنها أكثر من الإكتفاء بمنح الصحراويين حق إدارة شؤونهم المحلية. وسبق لمصادر في الأممالمتحدة ان تحدثت عن سيناريو حل يُنفّذ على مدى خمس سنوات يتم خلالها تحقيق الإندماج مع المغرب. لكن جبهة "بوليساريو" رفضت ذلك السيناريو من منطلق انها تريد فترة السنوات الخمس وسيلة للإستقلال، بينما يريدها المغرب فترة تُمهّد للإندماج. وقال مراقبون ان الاقتراح المغربي الجديد يستند الى قرار مجلس الأمن الرقم 1309 الذي دعا الى "تسوية المشاكل العالقة أو استكشاف سبل تسوية سياسية عن طريق المفاوضات". وقد أثير الموضوع في اجتماع برلين عقب تباين مواقف الأطراف المعنية حيال سبل تفعيل خطة الاستفتاء، خصوصاً في جوانبها المتعلقة بأهلية المشاركين في الاقتراع وإطلاق الأسرى وعودة اللاجئين والإجراءات الأخرى ذات الصلة ببناء الثقة. وكشفت المصادر ان الوفد المغربي كان يعتزم طرح فكرة السماح لأهالي الطرفين، المغرب و"بوليساريو"، بتبادل الزيارات بين تيندوف مقر "بوليساريو" في الجزائر والمحافظات الصحراوية. وتابعت ان الوسيط بيكر حاول في اجتماع برلين الدفع في اتجاه حصول اتفاق على القضايا العالقة، لكن الطرفين تمسكا بمواقفهما المتباينة. لكن التطور البارز، بحسب المراقبين، تمثّل في أنها المرة الأولى التي تعلن الرباط فشل خطة التسوية الراهنة التي ترعاها الأممالمتحدة، وإن كانت حمّلت "بوليساريو" مسؤولية ذلك. وبررت الرباط هذا الفشل بعدم تنفيذ الخطة بطريقة "سليمة ومنصفة". وجاء في بيان الخارجية المغربية ان الرباط تعبر عن استعدادها للبدء في "حوار صادق وصريح مع الطرف الآخر". لكنها اشارت الى امكان مشاركة الجزائر في المحادثات المقبلة مع "بوليساريو". وفي الجزائر، أفيد أن بيكر قبِل اقتراح الرباط عقد لقاء بين المغرب و"بوليساريو" في الاسابيع المقبلة. ولم ترفض "بوليساريو" العرض، لكنها اشترطت أن يندرج ضمن مسار التسوية الدولية. وحذر مصدر مسؤول في الجبهة من مخاطر تردي الوضع في الصحراء الغربية. ولاحظ أن "لقاء برلين دفن مسار السلام الذي ترعاه الأممالمتحدة، بعد محاولة المغرب تقديم شبه حل يهدف الى تبرير الأمر الواقع" في الصحراء. وقال السيد الصديق ماء العينين، سفير "بوليساريو" في الجزائر، في تصريح الى "الحياة" أمس، أن تعثر لقاء برلين يُقرّب المنطقة أكثر فأكثر إلى منطق الحرب والمواجهة، مشيراً إلى أن حظوظ التسوية السلمية بدأت "تتقلص". وقال ماء العينين ان وفد الجبهة الى لقاء برلين الذي استمر ثلاث ساعات في مقر الخارجية الألمانية، "حضر ومعه اقتراحات وحلول لمشاكل تقنية. غير أن الوفد المغربي تفادى النقاش في هذه المسائل وفضل عرض اقتراحات سياسية من شأنها ضمان تسوية وفق ما يعرف بالحل الثالث". ولم يصدر أي تعليق من الحكومة الجزائرية على فشل لقاء برلين. وحضر وزير الدولة السيد أحمد أويحيى هذا اللقاء، لكن الوفد الموريتاني غاب عنه.