عادت قضية الصحراء الغربية إلى الواجهة بعدما قررت محكمة العدل الأوروبية، في 11 كانون الأول (ديسمبر) الماضي إلغاء اتفاق تجاري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، نتيجة دعوى أقامتها أمام المحكمة جبهة «البوليساريو» التي تطالب باستقلال «الصحراء»، في شأن الاتفاق الذي قد يشمل منتجات زراعية من أراضيها، وذلك بسبب الوضع «غير القانوني» لهذه المنطقة المتنازع عليها. و»جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب» المعروفة باختصارها الإسباني «بوليساريو»، تسعى إلى استقلال الصحراء الغربية منذ جلاء الاستعمار الإسباني منها في 26 شباط (فبراير) 1976 بعدما سيطر المغرب على معظم مناطق الصحراء بعد «المسيرة الخضراء» في تشرين الثاني (نوفمبر) 1975، وهي حشد شعبي سلمي ضم نحو 350 ألف نسمة، دعا إليه الملك المغربي الراحل الحسن الثاني للضغط على إسبانيا لمغادرة «الصحراء». لكن الصحراويين المطالبين بالاستقلال رفضوا هذه «المسيرة» واعتبروا أنها تهدف إلى «تكريس احتلال» المغرب للصحراء. وكان كل من المغرب وموريتانيا يطالب بالصحراء الغربية في ظل الاستعمار الإسباني، وأحال المغرب القضية على محكمة العدل الدولية التي أقرت بوجود روابط تاريخية وقانونية تشهد بولاء عدد من القبائل الصحراوية لسلطان المغرب، لكنها أقرت في المقابل بأن هذه الروابط لا تدل على السيادة بين «الصحراء» وبين المغرب أو موريتانيا وقت الاستعمار الإسباني، ولا تكفي لمطالبة المغرب أو موريتانيا بضم «الصحراء». وقد نجح المغرب عبر «المسيرة الخضراء» في دفع إسبانيا إلى الانسحاب، ودخلت السلطات المغربية مع عشرات الآلاف من السكان المغاربة من مختلف الأقاليم، لتكريس واقع «مغربية» الصحراء. يقول الباحث القانوني المغربي بوهاج صاحب ل «الحياة» إن «المغرب لم يسيطر على أراضي الصحراء بل كانت هناك اتفاقية مدريد في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 1975، وهي اتفاقية ثلاثية بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا، والمسيرة الخضراء جاءت بعد الرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في لاهاي إذ أقرت بوجود روابط البيعة بين السلاطين العلويين المغاربة والصحراويين في الجنوب». ومنذ أربعة عقود تخوض جبهة «البوليساريو»، بدعم من الجزائر، صراعاً للاستقلال عن المغرب الذي يعتبر الصحراء جزءاً كبيراً من أراضيه يرفض التخلي عن السيادة عليه، إذ تبلغ مساحة «الصحراء الغربية» 266 ألف كيلومتر مربع. وأدى هذا النزاع بين المغرب وجبهة «البوليساريو» إلى حرب استمرت حتى عام 1991 حين تم الاتفاق على وقف لإطلاق النار ونشرت الأممالمتحدة قوة لمراقبة احترام الهدنة. يقول أحد شيوخ القبائل الصحراوية في مدينة العيون، عاصمة «الصحراء الغربية»، إن ثمة علاقة بيعة تاريخية بين المغرب والصحراويين تعود إلى قرون، فيما يقول شيخ قبلي آخر إن الجد الأول للصحراويين هو المولى إدريس، جد الأسرة العلوية المتولية حكم المغرب منذ خمسة قرون. وكانت الأممالمتحدة قد اقترحت عام 2001 إجراء استفتاء للصحراويين على الاستقلال أم البقاء كإقليم مغربي، ولكن حصل خلاف بين المغرب والبوليساريو في شأن تحديد «الصحراويين» الذين يحق لهم التصويت، ذلك أن كل طرف يشكك بالسكان المقيمين في مناطق الطرف الآخر، فيتهم المغرب «البوليساريو» بجلب بعض القبائل الصحراوية من الجزائر ومالي وإسكانها في مخيمات تندوف للاجئين الصحراويين في الجزائر. في المقابل، تشكك البوليساريو في هوية بعض سكان المناطق الصحراوية الخاضعة لحكم المغرب وتقول إن آلاف المغاربة أُدخلوا إلى القبائل بزعم انتمائهم إليها. يقول بوهاج صاحب إن «البوليساريو كانت ترفض الصحراويين الذي يقطنون في الأقاليم والمحافظات الشمالية داخل المغرب»، متهماً البوليساريو والجزائر بفرض حصار عسكري على مخيمات تندوف إذ يُمنع اللاجئون من العودة إلى إقليم «الصحراء» في المغرب الذي يدعوهم للعودة ويعتبرهم «محتجزين» لدى البوليساريو. ويتهم المغرب قادة البوليساريو بالفساد والاستفادة من مشكلة اللاجئين عبر الحصول على المساعدات الدولية والاتجار بها بدل إيصالها إلى مستحقيها من اللاجئين. في المقابل، يعزو الصحراويون المطالبون بالاستقلال تمسك المغرب بالسيادة على «الصحراء الغربية» إلى وجود ثروات كبيرة في أراضيها وبخاصة الفوسفات والثروة البحرية الهائلة، فضلاً عن كون «الصحراء» ثلث مساحة المغرب. وفي العام 2003، اقترح وزير الخارجية الأميركي السابق جيمس بيكر الذي كان مبعوثاً أممياً للصحراء منذ العام 1997 وحتى استقالته عام 2004، حلاً للنزاع يقوم على منح الصحراء الغربية حكماً ذاتياً واسعاً تحت الإدارة المغربية، لمدة أربع سنوات، وفي السنة الخامسة يكون هناك استفتاء حول الانضمام إلى المغرب أو الاستقلال. ورفضت الرباط هذا المقترح بينما قبلته البوليساريو، رافضة أن يكون الحكم الذاتي نهائياً. فيما طرح الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان خيار التقسيم عام 2002 على أن يكون للمغرب الثلثان وللبوليساريو الثلث، فرفضه المغرب. وفي التاسع من كانون الأول 2015، قدم المبعوث الشخصي للأمين العام في نزاع الصحراء كريستوفر روس تقريره إلى مجلس الأمن، فأقر بفشله في تقريب وجهات النظر خلال الجولات الثلاث التي قام بها مع أطراف النزاع، مشيراً إلى رفض المغرب استئناف المفاوضات المباشرة، واكتفائه بمعالجة تفاصيل الحكم الذاتي الموسع، بينما تصر البوليساريو على الاستفتاء لتقرير المصير وتلوّح بالعودة إلى الحرب. ويرى بعض الخبراء أن النزاع هو امتداد لحرب الرمال الحدودية بين المغرب والجزائر في تشرين الأول (أكتوبر) 1963 بسبب مشاكل حدودية، بعد نحو عام من استقلال الجزائر. وتبدو قضية «الصحراء الغربية» مستعصية على الحل بسبب رفض الطرفين تسوية. لكن حصول تقارب حقيقي بين الجزائر والمغرب قد يساهم في إيجاد حل سريع لهذه القضية، وقد بدأت أصوات جزائرية تطالب بإنهاء هذا الملف الذي يشكل عبئاً على الجزائر وتحسين علاقتها بجارتها المغرب، خصوصاً بعدما هدد المغرب بدعم الدعوات الانفصالية لقبائل البربر أو الأمازيغ في الجزائر. * مدير «مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط»