مجلس الوزراء يشيد بالمشاركة الدولية في الاجتماعات الوزارية بشأن سوريا    في إنجاز طبي سعودي.. ابتكار تقنية طبية متطورة لعلاج أمراض فقرات الرقبة بعد 7 سنوات من التطوير    ضبابية سياسات ترمب تعزز الذهب وسط تراجع الدولار    «الصفقة» على بعد خطوة.. خطة أمريكية لتنظيم غزة بعد الحرب    مقتل 120 في الخرطوم.. البرهان: مستعدون لسلام يحفظ أمن السودان    وزير الخارجية يجري اتصالًا هاتفيًا بوزير الخارجية الجزائري    نائب أمير تبوك يتسلم التقرير السنوي لإنجازات وأعمال فرع وزارة التجارة    المجموعة الاستشارية للأشخاص ذوي الإعاقة تعقد اجتماعها الثاني للدورة الثانية    الجلسة العُلمائية لمبادرة تعليم الفتيات في المجتمعات المسلمة تُشدِّدُ على الإجماع الإسلامي "قديماً" و"حديثاً" على الحق المشروع للمرأة في التعليم    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام فرع المركز الوطني للرقابة على الإلتزام البيئي    مركز الأمراض الوراثية والاستقلابية يحصل على الاعتماد كمركز متخصص من الفئة (أ)    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. انطلاق أعمال النسخة الرابعة لمؤتمر التعدين الدولي    نائب أمير مكة يدشن (أجرة مكة)    «التعليم»: الفحص الطبي.. شرط لتسجيل المستجدين في «رياض الأطفال» و«الابتدائية»    إشادة برلمانية بالمبادرات السعودية السبَّاقة في التعامل مع الأزمات في المنطقة    برئاسة السعودية.. إبراز الهوية على طاولة «إذاعات العرب» في تونس    "تلال العقارية" تشارك كراعٍ بلاتيني في منتدى العمران الرابع    الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية لمواجهة جدري القردة في سيراليون    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن أربعة مشروعات طبية تطوعية في الكاميرون    استشهاد 12 فلسطينيًا في قصف إسرائيلي على منزلين جنوب قطاع غزة    17 نصيحة من «المساحة الجيولوجية» لمواجهة مخاطر الزلازل    محترف الهلال: اللعب في السعودية تجربة ممتعة.. وانتقالي ليس من أجل المال    استمرار الرياح النشطة مع توقع أمطار خفيفة وضباب على بعض المناطق    إنجاز علمي جديد.. «محمية الملك عبدالعزيز الملكية» تنضم للقائمة الخضراء الدولية    مدير تعليم جدة: نتعامل بدقة مع البلاغات الطارئة    وزارة الداخلية في مؤتمر ومعرض الحج .. الأمن في خدمة ضيوف الرحمن    مرحلة التصويت تغلق.. وإعلان الفائزين في حفل ل"Joy Awards 2025" السبت المقبل    " الضوضاء الإعلامية وحارس الفيحاء"    "عدنان حمد" يقود أول حصة تدريبية للعروبة .. والسومة يشارك في التدريبات    ترشيد الإنفاق الأسري    محمد بن عبدالرحمن يقدم التعازي للحميدان و بن حشر و بن نوح    أمير الجوف يشيد بدور "حقوق الإنسان"    برعاية الأمير فيصل بن خالد.. إطلاق جائزة الملك خالد لعام 2025    "محمية الملك عبدالعزيز الملكية" تنضم إلى القائمة الخضراء الدولية    تواصل ارتفاع إجمالي الطلب العالمي للشحن الجوي للشهر 16 على التوالي    مقترح للدراسة في رمضان    ميزة لإدارة الرسوم المتحركة بمحادثات «واتساب»    700 ألف إسترليني لتحرير غوريلا مسجونة    الصناعة تطلق 15 ممكناً وحافزاً في برنامج "المشغل الاقتصادي"    قرية "إرث".. تجربة تراثية    تطلق وزارة الثقافة مسابقة "عدسة وحرفة" احتفاءً بعام الحرف اليدوية2025    تشوه المعرفة    بمشاركة عربية واسعة.. «إثراء» يطلق النسخة الرابعة من ماراثون «أقرأ»    لا ناقة لي ولا جمل    مترو الخرج    ولي العهد يتلقى اتصالاً هاتفياً من رئيس جمهورية البرازيل الاتحادية    الهلال يغري نونيز نجم ليفربول براتب ضخم    بعد انقضاء 16 جولة من دوري" يلو".. نيوم في الصدارة.. والعدالة يواصل المطاردة    نزيف ما بعد سن انقطاع الطمث    تناول الحليب يومياً يقي من سرطان القولون    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان أثناء استقبال محافظ الداير له " على عاتقنا مسؤولية الوقوف كدرع منيع لحماية هذا الوطن "    العراق وترمب.. لا منطقة رمادية    انطلاق دوري الفرسان التطويري بمشاركة 36 فريقاً    مشروع نظام رعاية الموهوبين على طاولة الشورى    ختام مؤتمر مبادرة رابطة العالم الإسلامي لتعليم الفتيات في المجتمعات المسلمة    المسجد النبوي يحتضن 5.5 ملايين مصل    هل نجاح المرأة مالياً يزعج الزوج ؟!    «ولي العهد».. الفرقد اللاصف في مراقي المجد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمليات احتيال في نيجيريا ضحاياها :"مبيضون"... ومغفلون جشعون
نشر في الحياة يوم 26 - 09 - 2000

في الولايات المتحدة وكندا، على وجه خاص، يتلقى العديد من الأكاديميين والمهنيين ورجال وسيّدات الأعمال، منذ بعض الوقت، رسائل "نيجيرية" بالبريد الإلكتروني يطلب فيها مرسلوها مساعدتهم على إنقاذ ما تبقّى لهم من أموال لا تعلم الحكومة الحالية بوجودها، أو بالأماكن المخبّأة فيها. وتقتصر مساعدة أولئك "المظلومين" من أقرباء الديكتاتور السابق وأنصاره، أو من مدَّعي القربى والتأييد، على أحد أمرين رئيسيين... في منتهى البساطة، و"مضمونَيْن مئة في المئة": إما إعطاء رقم حساب مصرفي في أميركا الشمالية وأوروبا لتحويل مبلغ ضخم إليه، وإما الذهاب الى نيجيريا لاستلام طَرْد "عادي لا يثير أيَّ شك على الإطلاق". وفي أيٍّ من هاتين الحالتين، يحصل مقدِّمو هذه الخدمة "الإنسانية" لمن حرمتهم الحكومة الحالية لقمة العيش على نسبة عشرة في المئة من المبلغ الإجمالي - وبعضهم، من "اليائسين"، يرفعها الى عشرين.
وبالنَّظر الى "انعدام" المجازفة أو المخاطرة، وتأمين كل "التسهيلات والضمانات" لجني ملايين الدولارات من دون أي تعب أو جهد يُذكر، يقع ضحية هذه العمليات الاحتيالية عددٌ من متلقّي الرسائل "الملغومة"" ممّن هم في الأصل غير نظيفي الكف، أو سذَّج... جشعون تعمي الثروة الموعودة بصرَهم وبصيرتهم. ويختلف الثمن الذي يدفعه القلائل المتجاوبون مع هذا الإغراء بحسب نوعيّة الرسائل و"الخدمات" المطلوبة، ومدى الطمع والجشع والتهوُّر لديهم. وثمّة ثلاثة أنواع من الخسائر التي يُمنى بها هؤلاء، على نحو عام:
أ- أبسط هذه الخسائر وأقلّها خطراً هي إضاعة ثمين، قد يدوم في بعض الأحيان أياماً، وفقدان مبالغ تتراوح بين العشرت والآلاف من الدولارات، لإجراء الاتصالات الهاتفية والفاكسيّة والبريدية المطلوبة. ويظن "مايكل ستايتن"، الذي يعمل في شركة اتصالات، أن ثمة "مبالغ ضخمة" تُجنى من وراء زيادة الاتصالات الهاتفية والفاكس بدول معينة. ويضيف، في رسالة إلكترونية تلقيتُها في 17/8/2000، أن من المحتمل جداً أن يحصل موجِّهو مثل هذه الرسائل على عمولة محددة، كلما اتصل شخص بالرقم المطلوب.
ب - تطلب بعض الرسائل، الواردة في معظمها من نيجيريا، الحصول على رقم حسابك في أحد مصارف الولايات المتحدة أو كندا أو اوروبا كي تحوَّل - أو تهرَّب - إليه مبالغ ضخمة، نجح أصحابها "الشرعيون" المساكين في إخفائها حتى الآن عن أعين السلطات النيجيرية. وبعد الاتفاق النهائي "الرسمي"، وإيداع المبلغ، يذهب موفد من جانب المودعين الى المصرف ليتصرف كما يشاء بتلك الأموال، بعد اقتطاع النسبة المئوية المتفق عليها. وإبان المفاوضات والاتصالات، وأحلام الثروة الهابطة من السماء، يكتشف "صاحبنا" اختفاء رصيده بأكمله.
وعلى ذمة الأستاذة في جامعة يورك الكندية، "تيري غولدي"، فإن أحد أكثر الأمور مدعاةً للاستغراب في مثل هذه العمليات من "تحويل الأموال" - أي من "تبييضها" - هو نجاح "بعض الأجانب في كسب مبالغ لا بأس بها". لكن معظم المشتركين الآخرين - وهم أقلية ضئيلة بالنسبة الى عدد الذين يتلقَّوْن "دعوات" كهذه - غالباً ما يدفعون من أموالهم، وأموال غيرهم، ثمناً غالياً: "فقد استعمل محاميان كنديّان على الأقل أموالاً كانا مؤتمَنىْن عليها، ل"استثمارها" في مثل هذه المخططات، وخسراها كلها" رسالة في 18/8/2000 الى مجموعة الأكاديميين الذين يناقشون هذه القضية، وبينهم أصدقاء لي في الولايات المتحدة وكندا، من أصل عربي.
ج - أشد تلك الإغراءات الاحتيالية خطراً هي التي تحث متلقي الرسائل على الذهاب الى نيجيريا، كي يتسلَّموا "بأنفسهم" الأموال المخبأة في أماكن مأمونة، ويحصلوا فوراً على ملايينهم. "وغالباً ما يُختطَف هؤلاء، ويجرَّدون من كل ما يحملونه من أموال وبطاقات ائتمانية وأوراق ثبوتية، ويُتركون تحت رحمة الشارع النيجيري" - كما تقول "سو هيهر"، التي كانت مسؤولة عن شؤون نيجيريا في وزارة خارجية جنوب افريقيا. وتضيف في رسالة الى الصديق الدكتور محمد ديب، أستاذ الأدب المقارن في جامعة ألبرتا الكندية 19/8/2000، أنها كانت ترى بضع رسائل من هذا النوع... كل يوم، وتجد صعوبة في إقناع حامليها من "رجال الأعمال السذّج" بحقيقتها ومراميها. ويتّضح من رسالة "هيهر" أن الموس وصلت الى ذقن بعض العرب" إذ ثمة قضية في الوقت الحاضر لدى إحدى محاكم جمهورية جنوب افريقيا "تتعلق برجل أعمال أردني وقع في الفخ، وسوف يذهب زملائي الى هناك للإدلاء بشهاداتهم".
نموذج "اللاّيدي أباشا"
في 17/8/2000، تلقت الأستاذة في جامعة نيويورك "لايسي تورج"، رسالة خاصة بالبريد الإلكتروني، موقّعة باسم "اللايدي مريم أباشا"، التي تعرّف نفسها في البدء بهذا اللقب، مضيفة أنها "زوجة الجنرال الراحل ساني اباشا، الرئيس العسكري السابق لدولة نيجيريا الذي توفي في 8/6/1998 بسبب مشكلات في القلب". وهذا هو النص الذي تلى ذلك، أنقله كما هو... تعميماً للفائدة وبخاصة لأن أباشا متّهم بتحويل مئات الملايين من الدولارات الى الخارج: "اتصلت بك يا عزيزتي لايسي تورج بسبب حاجتي الى التعامل مع أشخاص لا تربطني وأسرتي بهم علاقات شخصية سابقة.
تتعرّض أسرتي، منذ وفاة زوجي، الى جميع أنواع المضايقة والترهيب، مع كثير من التقارير السلبية التي تطلقها الحكومة والصحافة عن زوجي. وعملت الحكومة الحالية أيضاً على تجميد كل حساباتنا المصرفية، والاستيلاء على كل موجوداتنا. من هذا المنطلق، أسعى الى الحصول على تعاونك ومساعدتك في تحويل خمسين مليون دولار أميركي فقط، هو الأخير فعلياً من الاعتماد المالي لأسرتي، الموجود في حوزتي وتحت سيطرتي. لقد استولت الحكومة الفيديرالية على جميع ممتلكاتنا وجمّدت جميع أرصدتنا، محلياً ودولياً على السواء، بعد وفاة زوجي. لكن أملي الوحيدا لآن هو في هذا المبلغ النقدي، خمسين مليون دولار أميركي، الذي وضّبته بعناية، وأودعته كمواد تصويرية فوتوغرافية لدى شركة أمنية في لاغوس، يتولى فيها شقيق زوجي منصب المدير العام.
إذا كنتِ راغبة في مساعدتنا، عبر استلامك هذا المال نيابةً عنا، فسوف نعطيك عشرة في المئة من المبلغ الإجمالي. لمزيد من المعلومات، أرجو أن تتصلي فوراً بشقيق زوجي، بيلُّو أباشا، على رقم الهاتف... أو رقم الفاكس...، كي يُطلعك بدقة على إجراءات التنفيذ. أرجو أن تكوني على ثقة من أن هذا الاقتراح مأمون مئة في المئة، لكن سرّيته ذات أهمية كبرى.
إننا نعتزم استثمار هذه الأموال في بلادك، ووفقاً لنصائحك إلينا. أرجوك أن تُبقي هذا الاقتراح طي الكتمان لأسباب واضحة، وأن تزوّدينا برقمّيّ الهاتف والفاكس الخاصّين بك لتأمين الاتصال السهل والسرّي. آمل أيضاً أن تتعاملي مع هذه المسألة كنوع من الخدمة الإنسانية، لأننا في حاجة ماسة الى مساعتدك. ننتظر جوابك الفوري بإخلاص، اللايدي مريم أباشا" يأتي بعد الاسم تذكير برقميّ الهاتف والفاكس ل"السيد بيّلو اباشا"، وعنوان البريد الإلكتروني ل"اللايدي مريم".
تعليقات... وتحذيرات
تساءلت "لايسي تورج" عمّا إذا كانت هذه الرسالة، "الغريبة جداً... والرهيبة"، نوعاً من المزاح الثقيل، فعلّقت "مارلين آتليو"، المتتبِّعة مثل هذه القصص عبر موقع "افريكا هوم.كوم" AFRICAHOME.COM، بالقول إنها ليست ممازحة وإنما على الأرجح عملية احتيال. وتضيف: "لعلها شخصية جداً وليست مؤسّساتية، مثلما هي بعض المناشدات الأخرى". وتنصح الأكاديمية الافريقية "أماندي آسونْواني" متلقّي هذه الرسائل بعدم الرد عليها أو محاولة الاتصال بالأرقام الواردة فيها. وتعتقد أن مثل هذه العمليات الاحتيالية تعتمد على القولبة التي يميل الناس الى إلصاقها بالدول النامية: "زُمر عسكرية تنهب البلاد، ومكتبيّون بيروقراطيون فاسدون يستغلّون الفوضى". لكنها تسأل بحسرة، وربما بسذاجة: "لمَ يريد أيُّ إنسان مساعدة محتالين على سلب أموال بلد يشق طريقه بصعوبة؟" ألاَ تعلم أن المغفّلين أكثر بكثير من المحتالين، حتى في عالم اليوم المادي؟ ألا تعلم أن "في كل دقيقة"، كما قال "ب ت بارنوم" قبل عشرات السنين، "يولد مغفّل"؟
تشعر الخبيرة في شؤون نيجيريا، "سو هيهر" وفي هذا الشعور، كما أظن، بعض التعميم والمبالغة، أن أكثر الجوانب مدعاةً للحزن والأسف في مثل هذه العمليات هو "انحراف النزعة الإبداعية الهائلة، والفطنة الإيجابية، وروح المغامرة التجارية لدى النيجيريين الى مثل هذه النشاطات المشبوهة، واللاّمشروعة، والإجرامية بكل ما في الكلمة من معنى. إن الكُثر من النيجيريين الشرفاء يشعرون بغضب عارم لأن بلادهم تُوسم دولياً في الوقت الحاضر كمركز للاحتيال، والمخدّرات والمافيا"! ختاماً، أتمنّى ألاّ يقع أحد من "مبيِّضي" الأموال، أو الجشعين الراغبين في الإثراء السريع اللاّمشروع، أو السذّج المستعدين لمساعدة "المظلومين وجني بضعة دولارات على هامش عملهم "الإنساني"، في قبضة المحتالين وأفراد العصابات. ولا ينبع هذا التمنّي من تعاطفي مع هؤلاء "الضحايا"، أو من أسفي على المصير الذي يلقونه جزاء فسادهم وانعدام ضمائرهم وجشعهم، وإنما من أملي في وقوعهم، عاجلاً أو آجلاً، في قبضة العدالة وتخليص المجتمعات من شرورهم.
* باحث لبناني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.