بينما تحضر المحطات التلفزيونية العربية برامجها للموسم الجديد الذي يمتد حتى مطلع الصيف المقبل، ثمة سعي لدى أكثر من واحدة منها لاحتواء برنامج سينمائي جديد. وكلمة جديد ذات معانٍ متعددة، ليس بينها معنى متصل بثقافة السينما في العمق، وعلى نحو يميز المادة الجادة التي لا تزال ويا للعجب! تجد طريقها الى الصحف اليومية، بينها ملحق "الحياة" المتخصص هذا. وليس هنا شكوى ما دامت كل المحطات التلفزيونية الأميركية أرضية وفضائية وعددها يفوق المئتين اليوم، تخلو من برنامج متخصص على هذا النحو. ولا أدري ما الحال بالنسبة الى محطات أميركا اللاتينية ومعظم اوروبا وكل آسيا، ولكن في عصر يسمي نفسه بعصر المعلومات، تأخذ الثقافة المقاعد الخلفية اذا ما سمح لها بالجلوس أمام الكاميرا أساساً. والجديد المفترض، كما تصر محطات التلفزيون العربية - او معظمها الكاسح على الأقل - ذاك الذي يعتمد ما توفره السوق الأميركية من أفلام، على أساس أنها السينما الأكثر انتشاراً واتساعاً وشهرة. السينما التي تحفل بالنجوم والمؤثرات الخاصة والمواضيع التي باتت، فجأة، تبدو كأنها تخصنا بمقدار ما تخص إبن نيويورك او مزارع نبراسكا. وفيما المطلوب برنامجان، واحد لكل مستوى من الاهتمام، فالحقيقة الفعلية هي أن الجمهور العربي صار متابعاً وثّاباً للسينما الأميركية. هذا من ناحية أساسية مرده الى انتشار السينما الأميركية في الكثير من الدول العربية، ما يعني أن الفيلم الذي كان الناقد يحار كيف يتحدث عنه ما دام الجمهور العربي لن يراه، بات من المفترض به اليوم أن يتحدث عنه لأن الجمهور العربي سيراه بلا ريب. ومحطات التلفزيون تريد تلبية الذوق العام والسينما الأميركية ذات تنظيم فاعل في مسألة التسويق والترويج، حيث أن المواد المصورة عنها متاحة ومجانية لمن لديه برنامج يعرضها فيه. بلايين صيفية أمر واحد سيفوت البرامج السينمائية على التلفزيونات العربية متابعته، اذ حين تبدأ يكون انتهى، وهو الموسم الصيفي للعام 2000 الذي ينتهي هذه الأيام بعد نحو أربعة أشهر من العروض المتزاحمة. وهو، تقليدياً، الموسم الذي تحشد فيه هوليوود أفضل ما لديها من أفلام تجارية وأسوأها. هو موسم العطل المدرسية، ومعظم الرواد هذه الأيام دون الثلاثين، وموسم الترفيه المطلق البعيد من جو جوائز الأوسكار المقبلة. تلك التي تحتشد أفلامها في الأشهر الأربعة الأخيرة شاحنة أعضاء أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية بأفضل ما يسمى بالأفلام الفنية او النخبوية وأسوأها. الصيف هو موسم افلام الإنفجارات الكبيرة والمؤثرات الأكبر حجماً من الواقع، والفانتازيا المنفلتة من كل عقال. ولا يمكن تخطئة الأرقام. هو الموسم الذهبي الذي تحصد فيها صالات السينما ما يعادل - تقريباً - ايرادات الأشهر الثمانية الأخرى مجتمعة، اي ما معدله بليونان و800 مليون دولار من أصل ما بين خمسة بلايين وستة بلايين دولار في السنة، هي حصيلة ايراد الأفلام من صالات السينما في اميركا وكندا. عام 1996، كانت حصيلة الصيف الأميركي - الكندي بليونين و170 مليون دولار، ارتفعت الى بليونين و220 مليوناً في العام التالي. وعام 1998 حققت ارتفاعاً جديداً، اذ بلغت بليونين و590 مليون دولار، ثم تقدمت أكثر في سنة 1999 اذ وصلت الى أعلى رقم لها في السنوات الخمس الأخيرة وهو بليونان و860 مليون دولار. اما هذا العام، فالمجموع أقل قليلاً من العام الماضي، لكنه لا يزال ثاني أعلى رقم مسجل في السنوات الخمس الأخيرة وهو بليونان و750 مليون دولار. والأفلام لا تتنافس وحدها من دون نجومها. وصيف 2000 شهد تنافساً بين جورج كلوني، عن الفيلم الكوارثي "عاصفة تامة"، وميل غيبسون عن الدراما التاريخية "الوطني"، والكوميديين ايدي مورفي ومارتن لورنس وجيم كاري، وجوليا روبرتس وميشيل بفايفر وساندرا بولوك، وتوم كروز وكل من عداه. والفائز توم كروز عن "المهمة مستحيلة - 2" الذي سجل أميركياً نحو 214 مليون دولار وفوقها قرابة 290 مليوناً من مختلف أنحاء العالم. لكن هذا لا يعزز وضعه وحده كنجم دولي أول فقط، بل يعزز نجم المخرج الصيني جون وو، الذي حقق الى الآن أربعة أفلام اميركية، هذا هو أنجحها على الإطلاق. "المصارع"، مع الاسترالي راسل كراو، يجيء في المركز الثاني مسجلاً نحو 185 مليون دولار في أميركا و242 مليوناً عالمياً. انه "أكشن" تاريخي للمخرج البريطاني ريدلي سكوت، لكنه ليس أفضل أفلامه، وليس مساوياً، في فنه ومعالجته، للملحمة التي كان انطوني مان أخرجها قبل نحو 35 سنة بعنوان "سقوط الإمبراطورية الرومانية"، ويبدو أن هذا الفيلم استوحى أحداثه منها. لكن الجمهور لم يكترث وهو ينصب على عمل يتيح له التعرف الى مكان وزمان رومانيين لم يشاهدهما على الشاشة خلال السنوات الفاصلة بين الفيلمين، على هذا النحو. الضحكات الأكبر "العاصفة العاتية" للألماني وولفغانغ بيترسون و"الوطني" للألماني رولاند إيميريش دخلا معاً في منافسة حادة. الأول من بطولة جورج كلوني، وقد تسلم البطولة من ميل غيبسون الذي غير رأيه في آخر لحظة وأمَّ الفيلم الثاني. واذ نزلا الأسواق معاً تبين ان الناس تهوى سينما الكوارث أكثر مما ترغب في التوقف عند تاريخ الأجداد: "العاصفة" يجيء ثالثاً مسجلاً 282 مليون دولار عالمية، بينها 178 مليوناً أميركية. اما "الوطني" فيقبع في المركز العاشر ب111 مليون دولار أميركية ونحو 66 مليون دولار عالمية. وفي الكوميديا، تبلورت الأرقام متشابهة لدى كل من ايدي مورفي عن "البروفسور المجنون - 2" ومارتن لورنس عن "بيت ماما الكبير" بفارق ضئيل لمصلحة الفيلم الثاني اميركياً... والأول عالمياً. لكن الكوميدي الذي طار من الحسابات هذا الصيف، هو جيم كاري عن دوره في "أنا، نفسي وإيرين": أحد أسوأ أفلام العام بلا تردد وأسوأ ما ظهر فيه كاري من أفلام في حياته الفنية منذ أول بطولة له في "آيس فنتورا: تحري حيوانات" قبل ستة أعوام. والمنافسة النسائية بدأت باستمرار نجاح الكوميديا الخفيفة "ايرين بروكوفيتش" من بطولة جوليا روبرتس الذي بوشر عرضه قبيل موسم الصيف واستمر أسابيع متعددة خلاله، مسجلاً نحو 300 مليون دولار عالمياً. في الوقت نفسه عرفت ساندرا بولوك معنى الهزيمة التامة عندما تبعت جوليا روبرتس بعد أسبوعين بفيلم لم يحظ بأي إقبال هو "28 يوماً" وكيم بايسنجر لم تكن بعيدة من الإخفاق بدورها - ومرتين في عام واحد - اذ سقط لها "أحلم بأفريقيا" مطلع الصيف و"بارك الطفل" في نهايته. لكن النجاح المفاجئ كان من نصيب ميشيل بفايفر في فيلم "ما يكمن في الخفاء" اذ جلب الى الآن 138 مليون دولار أميركية وايراداته العالمية لا تزال في مطلعها، والمفاجئ فيه أن أفلام الرعب الأخيرة التي قام ببطولتها نجوم معروفون مثل كيم بايسنجر في "بارك الطفل"، وليام نيسون في "البيت المسكون" أخفقت في السنوات الأخيرة بينما نجحت أفلام رعب من بطولة شبيبة "صراخ"، "أعلم ما فعلتم في الصيف الماضي" الخ.... واذ حط "ما يكمن في الخفاء" سادساً، فإن فيلمين من بطولة مجهولين - عملياً - اعتليا المركزين الرابع والخامس هما "رجال ×"، وهو خيالي - علمي مع باتريك ستيوارت وكينيث ماكيلين و"فيلم مفزع" مع شون وايانز بين آخرين غير معروفين. هذه الأفلام العشرة سجلت أميركياً بليوناً و314 مليون دولار، بينما سجلت كل الأفلام الأخرى باقي الحصيلة الإجمالية البالغة بليونين و750 مليون دولار.