ليس جميع الذين شاهدوا "ارين بروكوفيتش" من النساء المتحمسات لسينما المرأة. فيلم جوليا روبرتس، الثالث في اقل من سنة بعد "نوتينغ هيل" و"العروس الهاربة" شاهده الرجال كما النساء بنسبة تكاد تكون متساوية 48 في المئة ذكوراً. وبعد شهر من عروضه، جلب هذا الفيلم الكوميدي الخفيف 110 ملايين دولار، وها هو الاول في ايطاليا والسويد والثاني بفارق ضئيل في بريطانيا، ما يضيف نحو 20 مليون دولار اخرى الى الآن. والاقبال عليه يعود الى بطولة جوليا روبرتس له. هذا لا ريب فيه اذ انها هي التي انقذت شركة "فوكس" للقرن العشرين من الخسارة في حصاد العام الماضي، عندما تبين ان فيلمها "نوتينغ هيل" جاء الاعلى ايراداً بين كل ما انتجته تلك الشركة من افلام. وهي النجمة الاولى بين الممثلات الاميركيات في حسبان الايرادات على النحو المذكور. على رغم ذلك، فإن حقيقة ان "ايرن بروكوفيتش" يتعامل مع قضية لا مع موضوع، تجعل هذا الاقبال مثيراً للاهتمام. روبرتس هي في الفيلم امرأة ذات جمال وفتنة ترتدي ما يفيد ذلك تسعى الى اعالة نفسها وطفلها متنقلة من طلب وظيفة الى اخرى. ترفض بعضها وتُرفض في بعضها الآخر، قبل ان تجد الوظيفة التي تعجبها: معاونة لمحامٍ كان على اهبة الاعتزال ألبرت فيناي اذ تفرض نفسها عليه وسريعاً ما تأخذ على عاتقها عبء مهمة الدفاع عن متضررين بسبب حال تلوث بيئي. "ارين بروكوفيتش" اخراج ستيفن سودربيرغ على لمعانه ووهجه، فيلم قضية بمقدار ما فيلم "قضية مدنية" الذي عرض مطلع العام الماضي لكنه فشل تجارياً هو فيلم قضية ايضاً، بل ويتحدث عن تصدي محام دفاعاً عن متضررين لوثت بيئتهم احدى الشركات الكيماوية. ما هو فارق اساسي، ان "قضية مدنية" كان من بطولة رجل جون ترافولتا ما يدفع الى السؤال: لماذا اقبل الجمهور على "ارين بروكوفيتش" ولم يقبل على "قضية مدنية" على رغم انهما فيلما قضية، تكاد تكون واحدة؟ الجواب يمكن ان نجده في فيلم ثالث هو "جمال اميركي" الذي جمع في نحو ستة اشهر 122 مليون دولار من اميركا وحدها ويتجاوز الآن ال80 مليون دولار عالمياً. مثل "ارين بروكوفيتش" هو فيلم قضية، ولو انها ليست قضية على المنوال الاجتماعي نفسه. بطله رجل كيفن سبايسي يصطدم في يقظته المفاجئة، بأنه لم يعيش الحياة التي ارادها. ازمة منتصف العمر لديه، على رغم ذلك، مختلفة عن ازمات اخرى. فهي ليست فردية تماماً من حيث اتصالها وتواصلها مع نوعية المجتمع الذي يحتويها. العلاقة هي ان الجمهور الذكوري الذي أم "ارين بروكوفيتش" هو نفسه الذي أم "جمال اميركي"، وهو نفسه الذي امتنع عن "قضية مدنية" واذا افضنا، نجد ان الجامع بين الاولين انهما من نتاج الجيل الليبرالي الذي اوصل كلينتون الى الرئاسة، ولايتين وقد يوصل آل غور الى السلطة اذا بقي تواري الجناح المناوئ. الجيل الذي لا يرى مانعاً يحول دون مشاهدة فيلم من بطولة امرأة تحارب في سبيل قضية، او رجل ليس بالبطل الاميركي التقليدي، يبكي حياته السابقة ويموت في نهاية الفيلم، وفيه سمات مخنثة خفيفة او هو ينتمي الى الفئة التي تعتبر الشذوذ الجنسي حالاً طبيعية. انه الجيل نفسه الذي انصرف عن فيلم بمضمون "قضية مدنية" نفسه، لأن المحارب في ذلك الفيلم الجاد ذي القضية، هو رجل. لماذا تفشل بولوك؟ في هذه المساحة من التباري بين التيارات، نجد الفرصة متاحة الآن للممثلة ساندرا بولوك لتسجيل فوز مشابه لذلك الذي سجلته جوليا روبرتس. فيلم بولوك الجديد "28 يوم" هو من نتاجات السينما النسائية الملونة درامياً: امرأة مدمنة كحول تدخل المصح للمعالجة وتكتشف حياتها من جديد بل تقع في شباك الحب خلال ذلك. وحط الفيلم، بفاصل طفيف في المركز الثاني، وراء "شروط التعامل" وإن كان مستقبله غير مؤكد، خصوصاً ان منافسه ليس ذلك الفيلم العسكري الذي يقوده صامويل ل. جاكسون، بل الفيلم الثالث في آخر تلك اللوائح "الحفاظ على الايمان": قصة مسيحي ادوارد نورتون ويهودي بن ستيلر في حب امرأة واحدة جوليان الفمان، ان هذا الفيلم الثالث هو ايضاً كوميديا خفيفة. لكن ساندرا بولوك ليست جوليا روبرتس، لجهة ان خلفيتها لم تتضمن سيلاً من الافلام الناجحة. بعد "سرعة" الذي شاركت كيانو ريفز بطولته والذي حقق نجاحاً مدوياً، ظهرت في "سرعة 2" الذي فشل فشلاً ذريعاً. وأفلامها منذ ذلك الحين تطفو وتغرق من دون ثبات. آخرها "مسدس خجول" من بطولة ليام نيسون الذي يواجه معضلة مشابهة: ينجح في "ستار وورز: الشر الخفي" بفضل المؤثرات الخاصة ويخفق في ما عداه اذا خلا من تلك المؤثرات، لم يستمر عرضه اكثر من ثلاثة اسابيع قبل ان يتوارى "خجلاً" بعيداً من ساحة الافلام الاولى. اما روبرتس فانطلقت بقوة، قبل 12 سنة في "امرأة جميلة" وحافظت على انطلاقتها على رغم ان عدداً من افلامها خلال هذه السنوات لم يحقق المرجو منه. ما منعها من السقوط انها وظفت العناصر التي جعلتها نجمة من اول فيلم الشعر الطويل المجنون والبسمة العريضة والجمال المتصابي جيداً وأدركت - قبل فوات الاوان - ان قيامها بالتغيير صوب شخصيات ذات وقع اكثر جدية لن يكون مجدياً اذ يأنفه الجمهور. البطل الاول اتباع سينما "البطل" ليس لديهم الآن فيلم مثالي من هذا النوع. بروس ويليس قدم شكلاً جديداً عليه في "الحاسة السادسة"، وحقق به نجاحاً غير مسبوق لفيلم من نوعه 300 مليون دولار اميركياً وقرابتها عالمياً. توم هانكس انتهج سبيل الفيلم - المفكر مجدداً في "الميل الاخضر" ودنزل واشنطن مال الى السيرة الذاتية بنجاح طفيف في "الاعصار". وعندما قدم أرنولد شوارزنيغر فيلمه الأخير "نهاية الايام" لاقى نجاحاً مقبولاً، لكنه بعيد جداً من نجاحاته السابقة. الى ذلك، فإن قلة ظهور كلينت ايستوود اليوم، وتبعثر جهود بيرت رينولودز، والفشل المؤكد للفيف نجوم القوة من سيلفستر ستالون الى جان - كلود فان دام وصولاً الى ستيفن سيغال وتشاك نوريس، تؤكد غياب النجم الرجالي الذي بقوة جوليا الآن وطغيان ذلك الجيل الليبرالي، جنسياً وعاطفياً وسياسياً. وعليه، فإن الفيلم الاول في القمة هو شيء من منتصف الطريق: تشويق عسكري الصنف حول ضابط صامويل ل. جاكسون يأمر فريقه بفتح النار على متظاهرين عرب هددوا سلامة سفير اميركي، فقدم الى المحاكمة لوقوع قتلى وجرحى. فيلم ويليام فريدكن "طارد الارواح"، "الاتصال الفرنسي" هو ايضاً من النوع الجاد الذي يتصدى لبطولته رجال يلخصون الحال النصفية التي في السوق: الصراع بين مبادئ قديمة يدافع عنها جاكسون ومحاميه تومي لي جونز وأخرى حديثة اليسار الليبرالي الذي لا يتحمّل التعنت العسكري القديم. لكن الاغلب ان "شروط التعامل" سينتهي الى ما انتهى اليه فيلم "الحصار" الذي حكى ايضاً قصة للعرب فيها نصيب، وأخرجه اد زويك: اسبوع من النجاح او اثنان، قبل ان يتوارى بعيداً.