قبل نهاية العام 2000 بأسبوع، تتسلل خمسة أفلام روائية جديدة الى صالات العرض في أميركا الشمالية ما يرفع عدد الأفلام الأميركية الروائية التي عرضت تجارياً في دور السينما في العام المنتهي الى 179 فيلماً، إضافة الى 37 فيلماً تسجيلياً ونحوها تقريباً من الأفلام الروائية التي صورت سينمائياً لحساب محطات تلفزيونية وبعضها عرض في دور السينما خارج الولاياتالمتحدة. هذا يجعل المعدل العام لعدد الأفلام المنتجة هذه السنة، هو نفسه تقريباً للعام الفائت، لكن المختلف أن الإيرادات سترتفع قليلاً عن معدلها السنوي 5- 6 بلايين دولار بفضل بضعة أفلام ناجحة في مقدمها "المهمة: مستحيلة 2" و"كيف سرق غرينتش عيد الميلاد" و"ملائكة تشارلي" و"العاصفة العاتية". عالمياً، بقيت سطوة الفيلم الأميركي وتحجيمها قدرات السينما المحلية في أكثر من منطقة بينها المنطقة العربية على ما هي. رتشارد اتنبورو، صاحب "غاندي" بين أفلام كبيرة أخرى، كان عليه أن ينتظر أكثر من عام ليجد من يوزع له فيلمه الأخير "البومة الرمادية" في بلد المنشأ بريطانيا، تبعاً لحقيقة أن كل شركات التوزيع وشركات دور العرض تفضل أفلاماً أميركية أو مصنوعة على الطريقة الأميركية بما في ذلك استعانتها بعنصر أو أكثر من الممثلين الأميركيين. وهذا ليس سوى أحد الأمثلة عن التأثير المباشر لهيمنة السينما الأميركية. وهناك أوجه تأثير مختلفة، بينها محاولة عدد متزايد من المخرجين الأوروبيين والآسيويين تحقيق أفلامهم المقبلة بالإنكليزية، وبينها أيضاً غياب الفيلم غير الأميركي خصوصاً الإيطالي والفرنسي عن أسواق كانت تفتح له بترحاب شديد في ما مضى. كل ذلك يؤدي الى تحجيم دور المخرج كصاحب كلمة أخيرة في المشروع الذي ينفذه ويجعله مجبراً على الخضوع لمعايير تفرضها شركات التوزيع حتى بالنسبة الى ما تنتجه داخل بلادها. لا يحدث ذلك مع كل مخرج، لكنه يحدث بما يكفي، وتقل الفرص المتاحة للعمل أمام من بقي من عباقرة العمل السينمائي من جيل أو أكثر مضى. علاقة بالذاكرة البشرية الأفلام الخمسة التي هي آخر الجديد المعروض أميركياً والتي ستفتتح في باقي العواصم خلال الأسابيع القليلة الأولى من العام 2001، تختزل تقليداً تسير عليه السينما الأميركية منذ مدة، ولا يختلف منواله هذه السنة مطلقاً: إبقاء الأفلام ذات القيمة الفنية للأسابيع الأخيرة من كل عام، على أمل أن يعزز ذلك من احتمالات فوزها بإحدى أهم جائزتين سنويتين في أميركا هما "الغولدن غلوب" التي تمنحها جمعية مراسلي هوليوود الأجانب، و"الأوسكار" التي توزعها أكاديمية العلوم والفنون السينمائية. فالاعتقاد السائد أن لدى الأفلام التي تعرض تجارياً في الأشهر الثلاثة الأخيرة من السنة فرصة أعلى للفوز بإحدى هاتين الجائزتين أو بكليهما معاً عن تلك التي تعرض في مطلع هذا العام، شيء له علاقة بالذاكرة البشرية، على رغم أن الجهد والمال لا يضن بهما لتذكير أعضاء المؤسستين بتلك الأفلام الأولى أيضاً. هذه الأفلام الخمسة هي "كل الجياد الجميلة": All Pretty Horses وسترن تقع أحداثه في الأربعينات، عن مات دامون الذي يخوض مغامرة البحث عما تبقى من الغرب الأميركي القديم، ويقوده البحث الى علاقة حب بمكسيكية تؤدي به الى تجارب غير متوقعة. الفيلم من إخراج بيلي بوب ثورنتون، الذي هو كاتب وممثل بدوره، ولو أن قصة الفيلم مستوحاة من رواية مشهورة لكورماك ماكارثي. "ظل مصاص الدماء" Shadow of the Vampire لالياس مرهج. وممكن اعتباره أفضل هذه الأفلام صنعاً، بل بين أفضل ما عرض من مطلع العام. غزل على نسيج حكاية عن صنع فيلم "نوسفيراتو" سنة 1922. جون مالكوفيتش في دور المخرج الألماني ف.و.مورنو والرائع ويليم دافو في دور الممثل ذي الأطوار الغريبة ماكس شْرْك. أيضاً، "قطعة أبدية" An Everlasting Piece، دراما ذاتية أخرى من المخرج باري ليفنسون لا يبدو أنها ستبرح مكانها المحدود فنياً أو تجارياً: كوميديا عن بائع منتوجات لتصفيف الشعر. وهناك "الطلب" The Claim للمخرج الإنكليزي مايكل وينتربوتوم "ووندرلاند" الذي صاغ حكاية وسترن أخرى تشبه، فيلمي روبرت التمان "ماكاب ومسز ميلش" ومايكل ريمينو "أبواب الجنة" كلاهما من أعمال السبعينات الرائعة... ولكن لا تصل الى جودتهما. والفيلم الخامس "تجارة"، وهو جديد المخرج ستيفن سودربيرغ: دراما ذات عناصر جيدة متعددة لكنها لا تترك التأثير الإجمالي الممكن بسبب اعتماده خمس قصص تجاور، وقلما تلتقي، عن تجارة المخدرات ومحاربتها أو السقوط تحت وطأتها. هذا يؤدي الى عمل ذي سمة لا تخلو من الفوضى سيخيب آمال تلك الفئة التي ستدخل الفيلم على أساس ان اثنين من أبطاله، مايكل دوغلاس وكاترين زيتا جونز، من أشهر الزيجات السينمائية الحديثة، والفرصة مناسبة لمشاهدتهما في فيلم واحد. المفاجأة بالطبع هي أنهما لا يمثلان في أي مشهد مشترك. نجوم سقطت هذا الفيلم الأخير من أعمال المخرج ستيفن سودربيرغ الذي حقق واحداً من أكثر الأفلام رواجاً هذا العام هو "ارين بروكوفيتش". ليس لأنه حقق نحو 240 مليون دولار عالمياً، بل لأنه أكد انتماء بطلته، جوليا روبرتس، الى نادي الممثلين الذين يتقاضون 20 مليون دولار عن الفيلم الواحد، سواء استحق بعضهم ذلك المبلغ أم لم يستحق. من هؤلاء توم هانكس وتوم كروز ومل غيبسون وبروس ويليس وأرنولد شوارزنيغر ونيكولاس كيج وجون ترافولتا وبالطبع جيم كاري، كونه جلب الى جيوب "يونيفرسال" قبيل نهاية السنة أعلى إيراد لها هذا العام، ممثلاً بفيلم داكن النكهة، ولو أنه موجه الى الصغار عنوانه "كيف سرق غرينتش عيد الميلاد". بذلك يؤكد كاري قيمته التجارية بعد سقوط فيلميه السابقين "رجل على القمر" و"أنا، نفسي وارين". لكن هناك من لم تتح له بعد العودة الى نجاحاته السابقة، وفي المقدم أرنولد شوارزنيغر الذي أطلق قبل أسابيع فيلمه الجديد "اليوم السادس"، الذي هو أفضل من أي فيلم آخر حققه في السنوات السبع الأخيرة - أي منذ "آخر بطل أميركي" 1993. لكن هذه الجودة لم تنفع ولم يستطع الفيلم استعادة الجمهور المتقلص للفيلم الرجالي. الحال أسوأ بالنسبة الى جون ترافولتا، إذ بعد سلسلة نجاحات سريعة في مطلع التسعينات، انكفأ في معظم ما بقي منها، وآخر فيلمين له سقطا بضراوة، وهما "ميدان المعركة: الأرض" و"أرقام الحظ" وكلاهما من اعمال العام 2000. كذلك يجد سلفستر ستالون حظاً عاثراً كل مرة يطل على الشاشة، من أيام "كليفهانغر" قبل خمس سنوات أو نحوها. هذا العام سقط له "أحضر كارتر". وكان ليوناردو دي كابريو سبقه في السقوط إذ فشل له "الشاطئ" الذي أدى فيه دور سائح أميركي يكتشف جزيرة بوهيمية صغيرة لا يمكن الوصول إليها إلا سباحةً، وخلال استعراض قوته على الغوص يقتل سمكة قرش فتاكة! فشل الفيلم هو أيضاً نهاية فصل حاول فيه المخرج البريطاني داني بويل الانتقال من الشاطئ الإنكليزي الى الساحل الكاليفورني. مادونا حاولت مرة أخرى إبراز مواهبها غير الصوتية في "ثاني أفضل الأشياء" مع روبرت ايفيريت لكن الجمهور لم تكترث إليها. ديفيد دوشوفني لا يزال في "عودي إلي" يحاول البرهان بدوره أن هناك حياة بعد تركه حلقات "ملفات إكس" التلفزيونية. لكن هذا الفيلم لم يكن بالتذكرة المناسبة. كذلك سقط لساندرا بولوك فيلم "28 يوم" عن امرأة تحاول الإقلاع عن الشرب. وفشل لكيم بايسنجر "حلمت بأفريقيا" عن امرأة تبحث عن أحلامها في الغابة السوداء، ولرتشارد غير "خريف في نيويورك"، ولآدام ساندلر "نيكي الصغير". المتفرج المخنث النجاحات كانت متعددة، لكن أهم ظواهرها أن نجاح "ارين بروكوفيتش" أكد وجود جمهور رجالي يريد أن يرى وجهاً قوي الحضور للأنثى. لا ننسى أن موضوعه الذي يدور على امرأة تعمل في مكتب محاماة وتدفع مكتبها الى رفع دعوى على مؤسسة كيماوية لوثت مياه شرب وأراض لتعوض المتضررين، كان موضوع فيلم "قضية مدنية" الإخراج الأول لستيفن زيليان كاتب "لائحة شيندلر" مطلع العام الماضي. لكن الفيلم لم يحقق أي نجاح، كذلك لم يحقق قبله "المستمطر" ذو الموضوع المشابه لفرنسيس فورد كوبولا وهو أفضل الثلاثة أي مقدار من النجاح كذلك. مع مطلع الخريف، ورد فيلم يدعم نظرية تحبيذ الجمهور، في بيئة ليبرالية رمادية يمر بها الغرب، للقوة الأنثوية على الذكورية. ففي مقابل سقوط "اليوم السادس" تماماً، انطلقت ايرادات "ملائكة تشارلي" مع درو باريمور وكاميرون داياز ولوسي ليو تشق طريقها لتخترق سقف المئة مليون دولار في أقل من 20 يوماً. الفيلم يضع الممثلات المذكورات في قالب من الأكشن العنيف، والجمهور كان هناك كي يستقبله بالترحاب. في ظلال ذلك، عملية صوغ بطل رجالي جديد لا يخلو من التخنث لكنه ليس بالضرورة شاذاً يعبر عنه ميل غيبسون جيداً في فيلمه الجديد "ماذا تريد النساء؟" منتقلاً، داخل قصة مفتعلة الأحداث، من رجل الرجال الى رجل النساء، ماراً خلال ذلك بتغيير فحوى موقفه حيال المرأة، امر كان الراحل رشدي أباظة قام به في "عدو المرأة" اخراج محمود ذو الفقار - 1966. انحياز الإعلام السينمائي ينم ما سبق عن أمرين: أن النجومية ليست ضماناً لنجاح فيلم ما، لكنها بالتأكيد عنصر مطلوب، وثانياً أن كل النجومية التي في متناول المشاهدين حول العالم باتت هوليوودية. صحيح أن هذه الظاهرة ليست وليدة العام 2000، بل هي وليدة السنوات العشرين السابقة، لكن الصحيح أيضاً أنها تفاقمت حديثاً حتى بات من المسلّمات غياب الحديث عن ممثلين غير أميركيين من باب متابعة الأخبار والنشاطات إلا في الصحف المحلية. ذلك في مقابل ما كان عليه الوضع حتى السبعينات، إذ كان نبأ عن ألان ديلون أو جيانكارلو جيانيني أو ميلينا مركوري، له قراؤه ومريدوه. اليوم، لا أحد يعرف شيئاً عن أي وجوه فتية أو نصف جديدة، وليس هناك من يكترث ليعرف هل جان بول بلماندو بدأ بتصوير فيلم جديد أم لا، أو ما هو الفيلم الجديد لإيزابيل اوبير. ما أكده العام 2000 أن ما ترك للجمهور العالمي متابعته من ظواهر وتيارات، هو ما تنم عنه السينمات الجادة وحدها التي تعرض في المهرجانات ويتقلب الرأي حولها لفيف النقاد. لكننا في الصحافة العربية عموماً لدينا، في هذا الإطار، حرية أكبر بكثير مما لدى الناقد الغربي. فهو بات مطلوباً منه تأمين المادة الأكثر قراءة، وهي المادة الأميركية. لذا - وفي شكل عام لا يخلو من استثناءات ولو قليلة - ينصرف الى الحديث عن الأفلام الأميركية بمساحات أكبر من تلك المخصصة للحديث عن الأفلام غير الأميركية. وتجد ذلك واضحاً في سياق إجراء المقابلات، إذ يحظى السينمائيون الأميركيون بالنسبة الأعلى لطلبات المقابلات حتى عن السينمائيين المحليين. والكثير جداً من الأفلام العالمية التي يتناولها النقاد العرب في كتاباتهتم لا تحظى، في الصحف الغربية، بالمساحة نفسها التي تتمتع بها عربياً، ولو أن هناك علامات أن ذلك قد يتغير في أي لحظة تواصل وسائل الإعلام العربية مجاراة تلك الغربية. بل إن سياسة معظم البرامج السينمائية التلفزيونية في المحطات الفضائية اليوم، تتضمن بث المشاهد واللقطات للأفلام الأميركية وحدها من دون السعي الى تكبير إطار الثقافة السينمائية لتشمل سينمات أخرى. السينما الإيرانية هذا كله لم يمنع السينما الإيرانية من مواصلة نجاحاتها في المهرجانات الدولية. هذا العام حصلت على جوائز مهمة في مهرجان "كان" والجائزة الأولى في مهرجان "فانيسيا"، بين جوائز في مهرجانات أخرى. في "كان" خرج فيلم "الألواح السود" لسميرة مخملباف بجائزة لجنة التحكيم مناصفة مع الفيلم السويدي "أغانٍ من الطابق الثاني" لروي اندرسون. ونال فيلم "جمعة" لحسان يكتبانه و"زمن الجياد المترنحة" لبهمان غبادي جائزة الكاميرا الذهب الممنوحة للعمل الأول. أما في مهرجان البندقية فانيسيا فتجاوز فيلم "الدائرة" لجعفر باناهي كل منافسيه، وحصل على الجائزة الأولى. بعد سنوات من تناول مواضيع أبطالها، في شكل كاسح، أطفال يبحثون عما افتقدوه، شهدنا هذا العام مواضيع تتوسع قليلاً في طروحاتها. هناك موضوع الأكراد في "الألواح السود" و"زمن الجياد المترنحة"، وموضوع المرأة المهضوم حقها في "الدائرة" و"اليوم الذي أصبحت فيه امرأة" لمرزية مشكيني. كذلك فإن "زمن الجياد المترنحة"، وإن كان يدور على الموضوع الكردي على الحدود الإيرانية - العراقية، لا يزال أيضاً يتعامل مع الأطفال كضحايا لأوضاع غير عادلة أو مستتبة، كتلك التي تعانيها نساء "الدائرة" المؤلف من قصص عدة ينتقل الفيلم بينها بمهارة. أما "جمعة" فهو وحيد الأفلام التي شاهدناها هذا العام، ويتعامل مع المهاجرين غير الإيرانيين الى إيران. فجمعة أفغاني لاجئ واقع في حب ابنة صاحب المتجر الإيرانية، لكن القوانين غير المكتوبة التي ترقى الى مصاف التقاليد المتوارثة، تمنعه من طلب يدها لمجرد أنه غريب في تلك البلاد في أحد المشاهد نراه يقول لمن طلب منه مساعدته في طلب اليد "... لكنني مسلم" وعلى ذلك يرد الآخر حتى هذا لا يعني شيئاً يذكر. "جمعة" أكثر ما شاهده هذا الناقد من الأفلام الإيرانية اكتمالاً من حيث عناصر الصنعة الحرفية واللغة السردية. وهو الوحيد المركب من قصة مؤلفة تماماً، فيما باقي الأفلام انتقلت الى مواقع قصة تدور في رحى كل يوم. الكاميرا المحمولة لكن الجامع بين كل هذه الأفلام الإيرانية هو طريقة التشكيل الفني والتعبيري التي لا تزال قائمة على الكاميرا المحمولة، وما تؤمنه من معايشة. ولعلها الطريقة الأنسب في الأماكن الجبلية الصعبة التي يتم التصوير فيها ولو أن أفلام التركي الراحل يلماز غونيه التي صورت في بيئات مشابهة تماماً لم تكن تعتمد الكاميرا المحمولة إلا في حدود ضيقة. ثم أن أحداث "الدائرة" تقع في المدينة الكبيرة نفسها، لكن الكاميرا لا تزال محمولة تبعاً لتقاليد انطلقت بها السينما الإيرانية الجديدة منذ مطلع التسعينات، سابقة بذلك تيار "الدوغما" الذي تأسس في منتصف التسعينات في الدنمارك. في العام 2000، وجدنا انتشاراً أكبر من المعتاد للكاميرا المحمولة، ونقصد بها المحمولة على الكتف عوض تأسيسها على قوائم طوال الوقت، وليس بغاية نقل مشهد واحد أو بضعة مشاهد من الفيلم. انها في الفيلم الصيني "الشيطان على الأبواب" لجيانغ ون، وفي الفيلم البريطاني "خبز وزهور" لكن لوتش وفي الفيلم البرازيلي "اهتزاز" لروي غويرا، والفيلم الروسي "العرس" لبافل لونجين، وفي الفيلم الدانماركي "راقص في الظلام" للارس فون تراير، كذلك في الفيلم الاسرائيلي "كابور" لأموس غيتاي، وتشكل عماداً تعبيرياً رئيسياً في "لحن جنائزي للحلم" لدارين أرونوفسكي و"ايها الأخ، أين أنت" لجوويل كووين، وكلاهما اميركي، وذلك كله بين عشرات عدة من انتاجات هذه السنة. أما الكثير من هذه الاستخدامات فيقوم على مبررات يمكن القبول بها وتتوصل الى نتائج تجيزها، الا أن أكثرها محاولات جارية لاعتماد الكاميرا المحمولة لمجرد التحديث الشكلي لا أكثر. في هذا السياق، وعلى رغم فوز فيلم "راقص في الظلام" بجائزة مهرجان "كان" الأولى، ثم فوزه قبل أيام بجائزة أفضل فيلم في "جوائز الفيلم الأوروبي"، يصعب القبول بمبدأ استخدامها لمجرد انها قرار ناجم عن المخرج او عن جماعة. كذلك فإن مستقبل "الدوغما" وهو القانون الذي وضعه لنفسه عدد من السينمائيين الدنماركيين ويقضي بنبذ اي تصنيع لحرفة تصوير الفيلم لا يزال مهزوزاً هذا العام، كما كان في العام السابق وقبله. ومعظم النقد الذي ورد في اتجاه "راقص في الظلام" دار على مبررات استخدام الدوغما وفنيته في معالجة فيلم موسيقي ذي تقاليد عريقة، وبعضها غير خاضع للتغيير، من دون اجتثاث جذور النوع، ثم التباهي من ناحية أخرى بأن الدوغما في سياستها حيال لغة السينما قائمة على معاداة النظام الأميركي والأوروبي التقليدي السائد في تناول القصة والتعبير عنها شكلياً. شكسبيريات فيلم واحد من مدرسة الدوغما أمّ الأسلوب من دون افتعال في الحركة والشكل هو "الملك حي" لكريستين لفريغ أحد مؤسسي حركة الدوغما - 95، والمأخوذ بتصرف عن مسرحية ويليام شكسبير "الملك لير". أحداث هذا الفيلم الآسر تقع في الصحراء العربية التي يضيع فيها عدد من السياح الأجانب تنقلهم حافلة لم تعد قادرة على مواصلة الطريق. ملهاتهم الوحيدة المتبقية الى أن تصل معونة ما، هي اجراء تمارين "الملك لير" لكن هذه الجماعة تعيش أحداثاً كثيرة التلاقي مع أحداث المسرحية الشهيرة في تلك البيئة المقفرة التي وجدت نفسها فيها. مثل "راقص في الظلام" يعمد لفريغ الى تحقيق فيلم ناطق بالانكليزية تشديداً على الرغبة في الوصول الى جمهور واسع تيمناً بما سبق قوله من توجه متزايد لمخرجين اوروبيين لتحقيق أفلامهم بالانكليزية لكن ذلك لم يحدث. ما يعزز السؤال عن جدوى الخروج من الذات - او نصفها - عبر تولي سرد حكاية أبطالها يتكلمون الإنكليزية، عوض الباسها حِلية محلية أكثر ملاءمة للهوية الذاتية والوطنية لصانعي الفيلم. انه احد أربعة أفلام شكسبيرية شاهدناها هذا العام، وقد بدأ بعرض "تايتوس" للمخرجة جولي تايمور، الثري جداً في تفاصيله وفي مخيلته وهو أفضل هذه الأفلام قاطبة. ثم بفيلم "هاملت" لمايكل ألمرديا، واكتملت بفيلمي "الملك حي" و"خاب سعي العشاق" والأخير للبريطاني كينيث براناه. كل هذه الأفلام انتاجات اميركية او اميركية - بريطانية كما هي الحال في "خاب سعي العشاق" كذلك كلها تنقل المسرحيات التي اقتبستها الى عالم عصري، ولو أن "تايتوس" ينتقل بين الأزمنة بحرية مثيرة للإعجاب من القرن السادس عشر، الى مطلع القرن العشرين، وذلك ذهاباً وإياباً متمتعاً بمقدار عال من جمال التصاميم الفنية. أفضل الأفلام "نغمات وركمايستر" المجر: تحفة ستبقى مجهولة، اذ لم تعرض الا في مهرجان واحد تورنتو من المخرج بيلا تار الذي يجمع بين أسلوبي أندريه تاركوفسكي وثيو أنجيلوبولوس. "هرب الدجاج" بريطانيا: دمى متحركة مصنوعة على الطريقة اليدوية المنهكة بنتائج تفوق المعتاد بين كل ما أنتج هذا العام من الأفلام الكرتونية. "بلا إخلاص" السويد / النروج: دراما أخاذة مشبعة عن موضوع الخيانة الزوجية الذي طاف على السطح هذا العام أكثر من مرة من المخرجة ليف أولمن عن سيناريو للأستاذ انغمار برغمن. "جمعة" ايران: لا بد من إضافة اسم حسان يكتبانه على قائمة أفضل مخرجي السينما الايرانية. اختيار هذا الفيلم عنوة عن "الدائرة" و"زمن الجياد المترنحة" و"الألواح السود" لم يكن سهلاً. "يوريكا" اليابان: فيلم ساحر من التأملات في الحياة والبشر والمسافات بينهما من الياباني الجديد أوياما شينجي. "تشونغيانغ" كوريا الجنوبية: اسطورة مغناة مسرحياً وممثلة بمفردات سينمائية بارعة عن قصة حب أمير لفتاة شابة من طبقة أدنى وعودته لانقاذها من الموت. من اخراج إيم كوون تاك. "ظل مصاص الدماء" اميركا: مخرج جديد بإسم الياس الياس مرهج يعبر عن نوع السينما التي يحب، بالرجوع الى فن السينما التعبيرية الصامتة ممثلة بظروف صنع فيلم "نوسفيراتو". "بيت المرح" اميركا: أفضل نقلة لمخرج انكليزي هذا العام، ممثلة بفيلم ترنس دايفيز الرائع. غيليان أرمسترونغ الممتازة، في صدارة هذا الاقتباس الأدبي الرصين والجيد، عن رواية أديث وورتون. تايتوس" اميركا: المخرجة جولي تايمور تنقل أعنف مسرحية كتبها شكسبير ناقلة معانيها الى مختلف عصورنا. تصاميم المشاهد أخاذة، وتمثيل انطوني هوبكنز لا يُنسى.