تعود الحياة الى الملاعب التونسية في نهاية الأسبوع الجاري مع انطلاق الجولة الأولى لدوري 2000-2001 وافتتاح السنة الثانية من الدوري التونسي الممتاز للمحترفين. ولان برزت بعض المؤشرات في أن يمثل هذا الدوري قطيعة مع الموسم الماضي الذي تميز بالتقطع المستمر في وتيرته ونسقه وبتقديم أولوية المسابقات الافريقية على رهان الارتقاء بالأداء المحلي وبهجرة الجماهير الملاعب لفقدان البطولة نكهتها والفرجة متعتها، ولانعدام التوازن وسيطرة الترجي التونسي الذي لم يعرف الهزيمة منذ 3 مواسم، والأهم من ذلك، تفاقم تراجع أداء التحكيم التونسي وافتقاده للشجاعة والعدل، ما هدد مصداقيته وصورة كرة القدم التونسية. فر هذا التفاؤل مشوب بالحذر لبقاء أسباب الأزمة واستمرار المسؤولين عنها في مواقعهم. وشهدت مراكز التدريب في تونس وخارجها معسكرات تحضيرية للأندية ال12 في الدوري الممتاز والتي كانت بإشراف مدربين أجانب ومحليين أكبرهم سناً وأعلاهم راتباً العجوز البولوني طوني بيشزاك وأصغرهم سناً وأقلهم مالاً مدرب النادي البنزرتي المنذر الكبير الذي يقدر راتبه ب2500 دينار في حين يتجاوز راتب بيشزاك مدرب الترجي عتبة ال12 ألف دينار شهرياً. وتميزت حركة الانتقالات المحلية بهدوئها مقارنة بالموسم الماضي ولعل أهم صفقاتها تتمثل في تعاقد النجم الساحلي مع لطفي السلاسي المنتقل من شبيبة القيروان وأنيس الولهازي من النادي البنزرتي بمبلغ إجمالي مقداره 550 ألف دينار. لتستمر بذلك عملية إفراغ الأندية "الصغيرة" من لاعبيها المتميزين لصالح شقيقاتها الكبيرة. أما في ما يتعلق بالتعاقدات من الخارج، فقد تميز الصيف الحالي "بغزو" برازيلي لتونس وتواصل الحضور الافريقي وتراجع اللاعبين العرب في الدوري فقد أعاد النجم الساحلي الكرة مع المدرسة البرازيلية تضم دوماس ريجارو ومواطنه جليمار اوليفيارا بعد تجربة ناجحة مع الهداف الدولي سانتوس سليفا الذي تحول الى سوشو الفرنسي. كما أن الترجي عزز الحضور البرازيلي إضافة الى لاعبه اديلتون برونالدو "الصغير" في حين ضمّ الصفاقسي ويلسون بيريرا من الاتحاد المنتستيري. أما أهم الصفقات الافريقية فقد حاز عليها الصفاقسي كذلك بضمه لاعب دجوليبا المالي تينيما فداي 19 عاماً وأضاف مدربه اليوغوسلافي وصيف الهدافين في الدوري اليوغوسلافي للموسم الماضي رادونوفيتش ولأن الأندية الكبيرة اختارت لقيادتها الاستمرار، حيث أن سليم شيبوب يرأس الترجي منذ 12 عاماً، وعثمان جنيح النجم الساحلي منذ 8 مواسم، فإن الأندية التي هزمتها العواصف وكادت تنحدر الى الدرجة الثانية اختارت التغيير ولكن من دون أن تأتي برجال أعمال يرفعون عنها سقف العوز. أما موازنة الأندية والفوارق بينها فتجعل الدوري يسير بسرعتين مختلفتين. ومع أهمية هذه الجوانب الإجرائية فإن تحديات عدة تواجه الدوري التونسي تتعلق بالاحتراف والعنف والهوية الافريقية. فمع أن الأندية الأربعة الكبار في تونس أصبحت "تقتني" مركبات حديثة من طراز رفيع وتجاوزت موازنتها عتبة خمسة ملايين دينار فإن تجربة السنة الأولى احتراف في الموسم الماضي أبرزت أن النادي الوحيد المحترف في تونس حالياً هو الترجي وبدرجة أقل النجم الساحلي، في حين لا تزال باقي الأندية تراوح مكانها وتسير بآليات مخضرمة بين الهواية والاحتراف. ويعتقد غالبية المراقبين أن الاحتراف في تونس لم يمس بعد سوى رواتب وأجور اللاعبين التي ارتفعت بصورة كبيرة وتجاوزت معدلات التضخم. وصرح أحد المتتبعين الأجانب لكرة القدم بأن تونس أصبحت تشكو من ندرة المواهب واللاعبين المتميزين في مناخ تسيطر عليه الحسابات والنتائج الآنية وإذ غاب شبح العنف عن ملاعب تونس في الدوري الماضي في صورته المأسوية مثل حادثة باجة التي خلفت قتلى وجرحى عام 1999، فإن الجماهير بعثت برسالة قوية تفيد بأنها لن تعود الى الملاعب ما لم يعد التنافس وينهزم الكبير والصغير على غرار ما يحصل في العالم. وربما يكون حدوث ذلك مستبعداً في المستقبل المنظور. وإذ توجت الأندية التونسية بلقب افريقي يتيم في الموسم الماضي رفعه النجم الساحلي وأدى في مقابل ذلك ضريبة مرتفعة في الدوري بصفة مسترسلة فإن الموسم الحالي يحمل ثلاثة رهانات محلية. وهناك أربعة أندية تنافس في المسابقات الافريقية ما يؤشر الى عودة طاحونة الشيء المعتاد.