يسيطر الترجي التونسي على المشهد العام بعد 7 جولات من أول دوري محترف لكرة القدم في تونس. فالترجي، صاحب الكأس والبطولة للموسم الماضي يتصدر قمة الترتيب ب21 نقطة، ولم يعرف طعم الهزيمة منذ 52 مباراة، سجل هجومه 18 هدفاً في 7 لقاءات، في حين لم يقبل حارسه شكرى الواعر 33 سنة سوى هدف يتيم، كما يتصدر لاعبه الشاب علي الزيتوني 18 سنة قائمة أفضل الهدافين برصيد 9 أهداف. واذ يستعد نادي محلة باب سويقة للعب الأدوار النهائية في كأس ابطال الاندية الافريقية، فإن هذا التتويج القاري القادم يخفي تطلع الترجي الى الشهرة والأضواء العالمية. ذلك ان صاحب هذه الكأس سيلعب في بطولة أندية العالم مطلع العام المقبل، والرهان يعتبر مسألة حيوية ضمن استراتيجية قيادته برئاسة سليم شيبوب الذي يعتقد ان الترجي الأكثر تتويجاً محلياً وقارياً مؤهل اليوم لمعانقة أحلام ما وراء البحار في زمن العولمة. وضمن هذا الاطار أقدمت رئاسة الترجي على اجراء اتصالات مع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بقصد المشاركة في الكؤوس والبطولات الخاصة بأندية القارة العجوز، بناءاً على انتماء تونس للفضاء الأوروبي، وعلى قاعدة المعاملة بالمثل حيث سمح الاتحاد الافريقي لنادي سان لويزيان الفرنسي، وهو من مقاطعة لا رينيون، بالمشاركة في كأس أبطال الاندية الافريقية. واللافت ان هذه المسيرة الموفقة لنادي تونس الأول جاءت بعناية طاقم فني محلي بقيادة المدرب يوسف الزواوي وأقدام لاعبين توانسة في الأغلب، حيث لا يوجد في الترجي في هذا الموسم سوى لاعبين أجنبيين هما أغويه وجوليوس 17 سنة. الترجي... ظاهرة ويبدو ان سيطرة الترجي على اجزاء مهمة من الصورة في كرة القدم التونسية تجاوزت مدلولاتها الكروية لتنتقل الى ظاهرة اجتماعية تحمل مضامين اقتصادية - سياسية. فالانتماء اليوم الى الترجي في تونس، يعتبر انتماء الى معسكر الكبار الممسكين بزمام "القوة" في مفاصلها المالية والسياسية ومظاهرها الكروية، وربما دفع ذلك قطاعاً عريضاً من أحباء الأندية الأخرى الى كتمان ما في نفوسهم حفاظاً على مواقعهم الاجتماعية أو رغبة في التعايش مع الأقوى، وخوفاً من التهميش. بل انك تشاهد في بعض الاحيان، لقطات تنم عن ربط بين نقد الترجي ونقد الحاكم! لذلك نشاهد في تونس اليوم اندفاعاً واعياً أو غير واع نحو الالتحاق بنادي الغالبية، ومغادرة اندية "الخاسرين"، وربما شمل ذلك مختلف الشرائح. وللدلالة عن ذلك يمكننا ان نذكّر بأن ادارة النادي أحيت في بداية الموسم حفلاً فنياً غنائياً للفنانة أمينة فافت حضره كبار رجال الاعمال ومسؤولي شركات القطاع العام الذين لا يعرف عنهم انتماؤهم لباب سويقة، وبيعت على هامش العرض لوحات فنية في المزاد العلني، بلغت المنافسة فيها حدود ال700 ألف دينار، وهو رقم لم تعرفه لوحة فنية تونسية منذ الاستقلال. وإذ تبتعد العاصمة التونسية عن محافظة سوسة قرابة 150 كلم، فإن الترجي التونسي تفصله 4 نقاط عن نادي جوهرة الساحل النجم الساحلي، النادي الثاني ضمن فئة الكبار في الدوري التي لم تعد تتسع لأكثر من اثنين هما الترجي والنجم. فبعد موسم صعب، عرفت رئاسة النجم كيف ترتب أوضاعها واستطاعت عبر سلطة المال، وحضورها المعنوي ان "تفتت" مراكز القوى داخل لاعبي النادي الذين مثلوا حجر عثرة أمام نهوض نادي شاطئ بوجعفر، فسمحت لمنير بوقديدة بالاحتراف في هولندا، وفرّطت بفريد شوشان ورياض الجلاصي وفاروق الطرابلسي للنادي الافريقي وعماد بن يونس للنادي الصفاقسي لتتخلص من "المسامير القديمة"، وراهنت على جيل الشباب كأمير المقدسي وعماد المهذبي وقيس الزواعي، بالاضافة لانتدابها نهائياً الهداف البرازيلي سيلفا دوس سانتوس ونجم ليبيا طارق التايب. وحقق النجم الساحلي 5 انتصارات متلاحقة ثم خسر وتعادل في المباراتين الأخيرتين. ويعتقد المدرب لطفي البنزرتي بأنها عثرة عابرة، وان النجم جدد العهد مع الانتصارات بعود ة البوعزيزي المصاب والغيني عمر كابلان مفاجأة هذا الدوري. النصف نصف أما دائرة الوسط، أو النصف نصف، فقد شهدت انحدار النادي الافريقي والنادي الصفاقسي من صنف الكبار ليلتحقا بالنادي البنزرتي وصيف الدوري الماضي والنادي الاولمبي الباجي الذي يسعى الى لعب أدوار أولية في الدوري الحالي. وفي الحقيقة، فان أغلب الأطراف تجمع على وجود أزمة في ناديي الافريقي والصفاقسي، ولكن الاختلاف يكمن في تشخيصها. فهل هي أزمة قيادة، تتمثل عند الصفاقسي في صعوبة التحول من رئاسة مجموعة اقتصادية ناجعة الى تسيير ناد رياضي في شخص الرئيس عبدالناظر، وتتمثل عند الافريقي في رئاسة قوية معنوياً لكن من دون سند مالي دائم وحقيقي وغياب اجماع "كبار الحومة" حولها؟ ويعتقد البعض بأن مراكز القوى لدى لاعبي الناديين هي السبب الرئيسي وراء نتائجهما المتواضعة التي يمثلها في الافريقي كل من الرويسي والامام وفي الصفاقسي الثالوث السويح والطرابلسي والفقي، وبأن الناديين في حاجة الى دماء جديدة تدافع عن رايتيهما... ومهما تعددت الأسباب واختلفت وسائل علاجها، فإن وضع الناديين لا يستفيد منه سوى الترجي التونسي ليعزز موقعه في صدارة الترتيب والتتويج. واذ تدرك بقية الأندية قيمة حجمها وطبيعة مهمتها، فإن أهم اشكالية تطرحها وضعيتها كديكور لدوري لا يعترف الا بالكبار، هي الحال النفسية التي تخلفها لدى جماهيرها واحبائها. فالتوانسة يعشقون بلدهم ومع ذلك يحبون محافظتهم ومدنهم ومحلاتهم في سوسة وجرجيس وصفاقس والمنستير... وسيطرة النادي الواحد مهما كانت مشروعة تدفع الى الشعور بالاحباط والملل وهجرة الملاعب. ويبدو أن ما حدث في محافظة باجة في نهاية الدوري الماضي من أحداث عنف، طويت صفحته بسرعة... فأين ستكون إشارة الجماهير في الموسم 9919-2000