سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أحد أوائل "الضباط الأحرار" وأول قائد للحرس الجمهوري والأمين العام "للاتحاد الاشتراكي"، ثم سجين السادات ... يروي وقائع حياته العسكرية والعامة . استقال الوزراء البعثيون من غير مفاتحة عبدالناصر ولا مناقشته ... فقيدنا حركة ضباطهم 7 من 12
} تنشر "الحياة" مذكرات عبدالمحسن أبو النور أيام الثلثاء والأربعاء والسبت والأحد من كل أسبوع. ... كان لصدور قانون الإصلاح الزراعي صدى فرح كبير لدى الفلاحين الذين كانوا يزرعون الأرض ويتطلعون الى امتلاك جزء منها. وكان موضع نقد كبار الملاك الذين ينطبق عليهم هذا القانون، على رغم أنه ترك لهم مساحة واسعة من الأراضي تدر دخلاً كبيراً، واحتفظ بمساحات كبيرة للملاك وزوجاتهم وأبنائهم، وشجع الشركات والجمعيات التعاونية على استصلاح الأراضي بامتلاكها مساحات غير محدودة منها وبيعها. وسمح القانون للشركات الصناعية التي تعتمد في صناعتها على الإنتاج الزراعي امتلاك المساحات اللازمة لإنتاجها. خطوات على طريق الفراق وصدرت القرارات بتوزيع الأراضي الزراعية التي تملكها الدولة على مزارعيها. فهاجم كبار الملاك القانون، على رغم أنه كان مطلباً من مطالب الإصلاح الاقتصادي في سورية قبل الوحدة. وصدرت شكاوى كثيرة من كبار الملاك سببها تعسف الوزير البعثي، مصطفى حمدون، عند توليه وزارة الإصلاح الزراعي. فهو عند التطبيق كان يحرم المالكين حق اختيار الأرض التي يريدون الاحتفاظ بها على رغم أن القانون نص صراحة على إعطائهم هذا الحق. واجتمعت أكثر من مرة مع الوزير مصطفى حمدون، بحكم صداقتنا القديمة، ورجوته إعطاء الملاك هذا الحق القانوني. ولكنه لم يستجب في جميع الأحوال، ما عاد باللوم على الوحدة. ولما لم أنجح مع الأخ مصطفى حمدون الى تصحيح هذا الوضع أخطرت الرئيس عبدالناصر فتدارس الرئيس الأمر مع الوزير السوري ثم أصدر أمراً بإلغاء إجراءاته المتعسفة، فترك الأمر في نفوس البعثيين استياء. .... وفي أول شهر مارس آذار 1959 أجريت انتخابات الاتحاد القومي، وسمح لكل من يرغب من المواطنين بالانضمام اليه في كل إقليم، بصرف النظر عن الأحزاب التي كانوا ينتمون إليها في السابق، على ما تم الاتفاق عليه عند بحث موضوع الوحدة، وحل الأحزاب، وتشكيل تنظيم سياسي واحد واعترض الشيوعيون وحدهم على هذا الإجراء. وبعد ان انتهت انتخابات الاتحاد القومي على جميع المستويات، هاجمها البعثيون، لأن بعض قياداتهم لم ينجحوا فيها. ولم ينجح من البعثيين في المستويات المختلفة إلا عدد محدود فهاجموا عبدالحميد السراج وزير الداخلية، واتهموه بأنه كان السبب في ذلك. فبدأت العلاقات تسوء بين الحكم وبين البعثيين. وبدأ البعثيون يهاجمون حكومة الوحدة، ووصل الأمر ببعض قيادات حزب البعث الى حد المطالبة بسحب وزراء الحزب من الحكومة. ... وكان عبدالناصر يؤمن أن الوحدة تمت بموافقة وتأييد جميع السوريين من بعثيين أو غير بعثيين. فاعتبر نفسه مسؤولاً ومنحازاً الى كل السوريين وليس الى البعثيين وحدهم، مهما كانوا أقرب إليه في برنامجهم من غيرهم. ... وباشر البعثيون مجدداً الاجتماعات الحزبية على رغم موافقتهم على حل الحزب. ولفت عبدالناصر نظرهم الى أنهم بتصرفهم هذا يدعون باقي الأحزاب للتصرف مثلهم. وهذا يخالف المبدأ الذي وافقت عليه الأحزاب كلها عند الاتفاق على الوحدة. وفي يوم 23/12/1959، ذهب أكرم الحوراني وصلاح البيطار في القطار نفسه مع الرئيس الى بور سعيد، لإحياء ذكرى الجلاء عن المدينة، وتناولوا الغداء معه هناك، وعادا معاً الى القاهرة. ولكنهما في صباح يوم 24/12/1959، وهو اليوم التالي، أرسلوا إليه خطابي استقالتهما من الحكومة وكذلك صنع الوزيران البعثيان مصطفى حمدون وعبدالغني قنوت. ولم يفاتح أحد عبدالناصر بالأمر. وفي يوم 24/12/1959 طلبني المشير عبدالحكيم عامر، وكان في سورية، ومعي اللواء جمال فيصل، قائد الجيش الأول، لمقابلته، وأخطرنا باستقالة البعثيين. وتناقشنا في رد فعل الضباط البعثيين في الجيش على الاستقالة. وبعد النقاش اتفقنا على الآتي: 1- نقل بعض الضباط من القياديين البعثيين الى وظائف مدنية ومنها في وزارة الخارجية. 2- ندب بعضم الآخر الى الجيش المصري بالقاهرة. 3- نقل بعض الضباط البعثيين من وحداتهم الى وحدات أخرى في الجيش السوري، حتى لا تكون لهم السيطرة على أي وحدة عسكرية. مع ميشيل عفلق وطلبنا من المشير عبدالحكيم عامر ومن الرئيس عبدالناصر عدم الإعلان عن قبول الاستقالات إلا بعد يومين، يكون قد تم فيهما إجراء هذه التنقلات والتعيينات. وطلبت من المشير عامر أن ألتقي السيد ميشيل عفلق زعيم حزب البعث، وأبحث معه موضوع الاستقالات، وأسبابها، وتأثيرها على الوحدة. وفعلاً تمت مقابلة الأستاذ ميشيل عفلق في اليوم نفسه، وبحثت معه هذه الاستقالات وتطوراتها وتأثيرها على الوحدة. فأخطرني أنه لا يعرف شيئاً عنها ولا يقرها. وعندئذ طلبت منه بحث الأمر مع المشير عامر، في الليلة نفسها، لأن الأمر عاجل. ووافقني على ذلك. فاتصلت بالمشير عامر، وتحدد موعد المقابلة في الساعة التاسعة مساء في اليوم نفسه. ولكن الأستاذ ميشيل عفلق لم يحضر، وترك سورية كلها الى لبنان فاتضح لنا أن استقالة البعثيين أمر مدبر مع ميشيل عفلق وقيادة حزب البعث. فقمت مع اللواء جمال فيصل بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه للسيطرة على الجيش، وتنفيذ تنقلات الضباط البعثيين. كما قمنا بإخطار باقي الضباط في الجيش السوري من غير البعثيين، بما حدث. وطلبنا منهم عدم تمكين الضباط البعثيين من السيطرة على أي وحدة. فلم يحصل أي رد فعل على استقالة الوزراء البعثيين في الجيش ... أما زعماء الانفصال من البعثيين فخرجوا من سورية، ولم يسمح لهم بالعودة. وكان لهذا أثر كبير في الهجوم على حكم الوحدة، وعلى السيطرة المصرية على سورية. وقد قابل عبدالحميد السراج الحملة بتشديد قبضته الثقيلة على الشارع السياسي. وبحكم ماضي السراج في قيادة الشعبة الثانية، وتعامله مع المؤامرات على سورية، كان لا يميل كثيراً الى تنشيط العمل السياسي، المؤيد للوحدة، رداً على أعداء الوحدة. وكان رده هو توسيع الاعتقالات ومراقبة السياسيين وتصرفاتهم. فاستغل المعارضون الفرصة وقالوا إن الحكم أصبح بوليسياً. وانتشرت الإشاعات الكاذبة عن أعداد المعتقلين. فقمتُ بمقابلة عبدالحميد السراج، وحاولت إقناعه بتنشيط العمل السياسي لمقاومة التيار المعارض بدلاً من الأسلوب البوليسي. لكنه لم يقتنع. وأحب هنا أن أناقش ما ادعاه الوزراء البعثيون من أنهم استقالوا لأنهم لم يكونوا مشاركين في الحكم. وكيف يحدث ذلك في الوقت الذي كانت جموع الشعب السوري تردد أن الحكم تحت نفوذ البعثيين؟ ... الامتحان الإسرائيلي وفي أواخر يناير كانون الثاني 1960 علمت من المشير عامر أن أمين النافوري وأحمد عبدالكريم يصران على الاستقالة، وللسبب نفسه الذي سبق للبعثيين أن تذرعوا به، ...، وبمجرد علمي بذلك اتصلت بأصدقائهما، العقيد جادو عزالدين وأحمد حنيدي والوزير طعمة العودة الله، وهم من الوطنيين الوحدويين، وأخطرتهم بما ينويه النافوري وعبدالكريم من الاستقالة. فاستنكروا منهما هذا التصرف، واتصلوا بهما، وحاولوا منعهما من الاستقالة لأن في ذلك ضرراً كبيراً بالوحدة، ومعناه انضمامهما الى أعدائهما. ولكنهما أصرا على الاستقالة. وفي فبراير شباط سنة 1960، قدم أمين النافوري وأحمد عبدالكريم استقالتهما من الوزارة، وعين مكانهما الوزيران جادو عزالدين وأحمد حنيدي، وهما من أصدقاء الوزيرين المستقيلين. ... وتم الاتفاق على خطة تغري إسرائيل، ليكون هجومها على مواقع نحددها نحن لها. وعرضنا هذه الخطة على قائد الجيش اللواء جمال فيصل، فوافق عليها ... ثم قمت بمقابلة الرئيس عبدالناصر والمشير عامر في دمشق، وأخطرتهما بما تبغيه إسرائيل من توجيه ضربة موجعة للجيش السوري، في أثناء وجود الرئيس بدمشق، والخطة التي أعددناها لمقابلة ذلك. فوافق عليها. واتصل المشير بالقيادة العامة في مصر، واستنفر القوات المصرية على الحدود مع إسرائيل، وأمر تجهيزها للاشتراك في المعركة، بمجرد حدوث اشتباك بين الجيشين، الإسرائيلي والسوري. واستعد الطيران في سورية ومصر للاشتراك في المعركة، إذا حاولت إسرائيل تطوير المعركة الى معركة شاملة. فاحتشد الشعب السوري بأعداد كبيرة أمام قصر الضيافة وحيا عبدالناصر تحيات لم يحيه بها من قبل. وقمت بالمرور، برفقة العقيد جادو، قائد الجبهة، على كل الوحدات في هذه الجبهة مهنئاً بما أظهروه من قوة في ضرب الجيش الإسرائيلي ... أنشئت في قيادة الجيش الأول بعد الوحدة، شعبة سميت شعبة كاتم أسرار، وهي مختصة بالترقيات والتنقلات في الجيش، والتي تقررها لجنة الضباط بعد تصديق القائد العام للقوات المسلحة، المشير عامر، وفي بعض الأحوال بقرار من قائد الجيش، اللواء جمال فيصل أو مني، باعتباري معاون قائد الجيش. وقد عين رئيساً لهذه الشعبة العقيد أحمد علوي، من الجيش المصري وعين فيها اثنان من المساعدين، من الجيش السوري. وكان العقيد أحمد علوي وثيق الصلة بالمشير عامر. ولكنه كان قريب العهد بالعمل في سورية. وسرعان ما صادقه بعض الضباط السوريين، من ذوي الاتجاهات الخاصة مثل المقدم عبدالكريم النحلاوي. واجتمعت لجنة الضباط وقررت إجراء بعض التعيينات والتنقلات في الجيش الأول راعت فيها التوازن بين الكتل المختلفة وضباطها الذين كانوا ما زالوا في الجيش. وتسلم العقيد علوي قرارات لجنة الضباط، وسافر بها الى القاهرة لاعتمادها من المشير عبدالحكيم عامر. ولكنه أرسلها من القاهرة الى قائد الجيش، وفيها تعديلات كثيرة تخل بالمبادئ التي راعيناها. وفوجئت باللواء جمال فيصل يطلبني، ويعرض علي قرارات التنقلات، وهي معدلة بطريقة تخل بالمبادئ التي اتفقنا عليها. واتهمني اللواء فيصل أنني قمت بهذه التعديلات من وراء ظهره، ومن دون موافقة اللجنة. فأنكرت معرفتي بما حدث .... وسافرت الى القاهرة، وقابلت المشير عامر، وأفهمته الوضع. فوافق على قرارات اللجنة الأصلية، وألغى التعديل الذي تسبب فيه كاتم الأسرار. وفي مرة ثانية كان المشير في دمشق وفوجئت بالعقيد علوي يعرض عليَّ قرارات موقعة من المشير عامر بتعيين المقدم عبدالكريم النحلاوي مساعداً لكاتم الأسرار المسؤول عن التنقلات والتعيينات في الجيش. فثرت عليه وأخذت القرارات وذهبت لمقابلة المشير عامر معترضاً على هذا القرار، وأوضحت له أن هذا المقدم من أخطر الضباط، وأنه من زعماء كتلة الشوام، وأنه لا يجوز أن يكون هناك ضابط ينتمي الى أي كتلة ويتولى مركزاً في القيادة العامة. ولكن المشير تمسك بالقرار بناء على ما أخطره به العقيد علوي، وعلى كفاية الضابط وولائه للوحدة وللمشير شخصياً. وعرض المشير خلافي معه، في شأن هذا الضابط، على اللواء جمال فيصل، قائد الجيش. وكنت أعلم أن قائد الجيش يحب المقدم النحلاوي الذي يجيد التزلف إليه. ولكني تمسكت برأيي. واقترحت استشارة قائد الشعبة الثانية شعبة المخابرات في الجيش. فأيد هذا رأيي، وحذر من تولي النحلاوي هذا الموقع، وتم إلغاء هذا النقل. ولكن عملي لم يعد يسير بالسلاسة التي كنت أرجوها. وأصبحت للقيادة آراء كثيرة ومن دون تنسيق في ما بينها، وفي الوقت نفسه كان ذلك كله على صلة قوية بالقيادة العامة في مصر. وفي مرة ثالثة ... تشبثت برأيي في ضرورة ألا ينتدب ضباط مصريون إضافيون الى العمل في الجيش السوري. وعرض الأمر على المشير عامر، فرضخ المشير لإلحاح اللواء جمال فيصل، وأمر بانتداب الأعداد التي طلبها اللواء فيصل. وكان هذا من الذرائع التي استخدمها قادة الانفصال لإثارة الضباط في الجيش السوري ضد الوحدة. وبعد تركي العمل في الجيش الأول السوري وعودتي الى القاهرة نقل المقدم عبدالكريم النحلاوي الى منصب مساعد لكاتم أسرار القيادة السورية، وعين مديراً لمكتب المشير عبدالحكيم عامر بدمشق، ما مكنه هو والضباط الموالين له من السيطرة على الوحدات العسكرية الموجودة بدمشق وحولها، وعلى القيادة، وأتاح له إعلان الانفصال. ... وعندما وجدت نفسي وقد تركز هجوم المعارضين والسراج علي، في سورية، ويضيع رأيي في القاهرة أمام رأي القريبين من القيادة والمسؤولين في الحكومة اتخذت قراراً بأن أطلب نقلي الى القاهرة. وعندما حضر عبدالناصر والمشير عامر الى سورية، في ذكرى قيام الوحدة عام 1960، قابلت المشير ثم الرئيس وطلبت منهما إعفائي من عملي وعودتي الى القاهرة. وبعد مداولات كثيرة استمرت طيلة مدة بقاء الرئيس في سورية، وافق على عودتي، واتفق معي على تعيين اللواء أنور القاضي مكاني على أن أستمر في عملي لمدة شهر، أوضح لخلفي الأمور التي أتركها بين يديه. وعدت الى القاهرة في يونيو حزيران سنة 1960، واخترت أن أعين بمصر محافظاً، برتبة نائب وزير. وكنت تركت مصر حوالى خمس سنوات. وفعلاً عينت أول محافظ لبني سويف، في اكتوبر تشرين الأول سنة 1960. ومن وقتها بعدت عن الأوضاع في سورية، ولم أعد أعرف عنها شيئاً حتى عينت في 15 أغسطس آب 1961 وزيراً للإدارة المحلية في التعديل الوزاري الذي تم فيه تأليف وزارة موحدة من المصريين والسوريين، وأصبح لبعض الوزارات وزيران، أحدهما سوري وهو يختص بالإقليم الشمالي وآخر مصري يختص بالإقليم الجنوبي، الى وزير مركزي مصري أو سوري، يختص بالإقليمين .... الانفصال الوشيك وبدأت عملي في الإدارة المحلية متعاوناً مع الأخ جادو عزالدين، وزير الإدارة المحلية السوري، وبدأ بتعديل قانون الإدارة المحلية لينطبق على الإقليمين، وبتشكيل أجهزة لتتولى القيام بعملها في الوزارتين. لكوننا على علاقة قديمة وكنا متفاهمين تماماً. وسافر الوزير جادو الى سورية مرات، وعاد ليقول لي إن الوضع فيها سيئ. فهناك خلاف شديد بين المشير عامر وعبدالحميد السراج. فشكا السوريون للمشير من تصرفات أعوان السراج، فرأى المشير نقلهم الى مكتب السراج في القاهرة، وفاتح السراج في ذلك، فرفض رفضاً باتاً، فأصدر المشير قراراً ألا يجرى توقيف أي مواطن، إلا بأمر توقيف من السلطة القضائية. وأثار القرار السراج، واعتبره ماساً به، وحجراً على تصرفاته. ولكن أعوان السراج لم يلتزموا قرارات المشير. فأصبح خلاف الرجلين على لسان الشعب في سورية. وعندما علم الرئيس عبدالناصر بذلك، استدعى عبدالحميد السراج، ولكن السراج لم يحضر، وأرسل للرئيس شاكياً تصرفات المشير. فأرسل الرئيس في طلبهما معاً، فحضرا لمقابلته. وانتهت المقابلة بتقديم عبدالحميد السراج استقالته. وعاد السراج الى دمشق مستقيلاً. وعاد المشير ومعه بعض الوزراء من العسكريين السوريين الى القاهرة. وفي حوالى الساعة السابعة صباحاً، يوم 28 سبتمبر 1961، استيقظت على مكالمة من الرئيس جمال عبدالناصر، وفوجئت به يقول لي: هل سمعت أخبار سورية؟ فقلت له: لم أسمع شيئاً، فقال لي: لقد حدث انقلاب في سورية، وأنا لا أعرف شيئاً عن مصير المشير، وأنا موجود بدار الإذاعة، في شارع علوي، وقد وجهت خطاباً للسوريين. وطلب مني الحضور إليه فوراً فتوجهت إليه فأخطرني بما حدث في سورية. وطلب رأيي فيما يمكن عمله. وقلت له: أنا بعيد عن سورية منذ عام ولا أعرف شيئاً عن وضع ضباط وحدات الجيش الأول، وسأذهب الى القيادة العامة، وأطلب كشفاً بضباط الجيش الأول لكي أتمكن من أن أقول رأيي. وفعلاً قابلت كاتم أسرار وزارة الحربية، وطلبت منه كشف أسماء قيادات الجيش الأول. وبعد اطلاعي عليه وجدت أن قيادات الوحدات العسكرية حول دمشق كلها من الضباط الشوام، أي من دمشق. ووجدت عبدالكريم النحلاوي يعمل مساعداً لكاتم أسرار وزارة الحربية السورية وهي الإدارة المسؤولة عن تنقلات الضباط وتعييناتهم. وبعد أن انتهيت من الكشف كان الرئيس وصل الى القيادة العامة بكُبْري القبة، فقابلته وأخطرته برأيي، وقلت له إن الانقلاب تتزعمه كتلة الشوام، وإن هذا كان خطأ كبيراً من المسؤولين بقيادة الجيش الأول. واقترحت الاتصال بقائد البحرية السورية في اللاذقية، العقيد كاظم زيتونة، وهو من الضباط الوحدويين وهناك جهاز تلفوني مباشر بين قيادة البحرية المصرية في الاسكندرية والعقيد زيتونة في اللاذقية. وتم الاتصال بيني وبينه، وبين الرئيس عبدالناصر وبينه، وأخطرنا أن قوات الجيش في حلب واللاذقية تقاوم الانفصال وأن محطة إذاعة حلب تهاجم الانفصاليين، وتدعو الى التمسك بالوحدة، وأن قوات حمص لم يتضح موقفها بعد. واقترح إرسال تعزيزات من القوات المصرية إليهم تشد أزر المقاومين للانفصال في حلب واللاذقية .... ووافق الرئيس على ذلك، وطلب مني مقابلة الفريق محمد ابراهيم، رئيس أركان الجيش، والاتفاق معه على الخطة والطريقة والوحدات التي يمكن إرسالها بسرعة الى اللاذقية. وفعلاً جرى اجتماع بيني وبين الفريق محمد ابراهيم وقيادات الجيش المصري المختصة، واتفق على إرسال قوات من الصاعقة بالطائرات الى المطار القريب من اللاذقية، ثم تقوم مجموعة لواء بالبحر، تصل خلال 24 ساعة الى اللاذقية. وعرضت ذلك على الرئيس عبدالناصر، فطلب مني أن أرافق وحدات المظلات بنفسي وأشرف على تنفيذ الخطة مع الجيش السوري، باعتباري أعرفهم شخصياً. وطلب مني أن أعمل على ألا يحدث اشتباك بين القوات المصرية والقوات السورية الموالية من جهة، وبين الانقلابيين من جهة أخرى، لأنه لا يقبل أن تفرض الوحدة بالقوة. وفعلاً تم تجهيز قوات المظلات بقيادة جلال هريدي، على أن تقوم أول طائرتين تقلان سرية مظلات بقيادة جلال هريدي أولاً، وتسقط في المطار بالمظلات لكي تحتل المطار، وتؤمنه لإنزال باقي جنود المظلات، وتقوم الطائرة التي تقلني، بعد طائرتي جلال هريدي. وفي مطار ألماظة الحربي، وأثناء الاستعداد للإقلاع، فوجئت بوصول طائرة عليها بعض القيادات المصرية التي كانت تعمل في دمشق، وبعض القيادات والوزراء السوريين الموالين للوحدة. وعرفت منهم بعض التفاصيل عما حدث. وطلبت من اثنين منهم وهما العقيد أحمد زكي، وكان يشغل قائد الشعبة الأولى، والعقيد محمد الإسلامبولي، وكان يشغل رئيس المكتب الثاني للمخابرات، العودة معي بالطائرة الى اللاذقية باعتبارهما يعرفان موقع الوحدات وقياداتها في الوقت الحالي. وفعلاً قمنا بالطائرة، بعد أن سبقنا جلال هريدي بقواته بحوالى نصف ساعة، وأثناء الطريق كنا نحاول دائماً الاستماع الى محطة إذاعة حلب لأنها كانت الوسيلة الوحيدة التي تطلعنا على موقف الموالين للوحدة. وعند وصولنا قرب اللاذقية فوجئت أن محطة حلب قد غيرت توجيهاتها، وأعلنت استسلام حامية حلب واللاذقية للانفصاليين. فقررت فوراً إيقاف تنفيذ العملية. وكلفت قائد الطائرة الاتصال بباقي الطائرات التي تقل باقي مجموعات المظليين، وأمرتهم بالعودة الى القاهرة. وأخطرتني طائرتا جلال هريدي بنزول المظليين في مطار اللاذقية، ومحاصرة قوات سورية لهم. فطلبت منهم التسليم لهم فوراً، وعدم الاشتباك مع المحاصرين إطلاقاً. وعدت الى القاهرة واتجهت الى جيث الرئيس عبدالناصر. ووجدت المشير عامر قد وصل، وهو معه. فأخطرته بما حدث، وبما أصدرته من أوامر. فوافقني عليها، وطلب مني الاتصال بالفريق محمد ابراهيم ليقوم بإلغاء تحرك القوات المنقولة بالبحر. وفعلاً تم ذلك.