سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أحد أوائل "الضباط الأحرار" وأول قائد للحرس الجمهوري والأمين العام "للاتحاد الاشتراكي"، ثم سجين السادات ... يروي وقائع حياته العسكرية والعامة . تبادل الضباط بين الجيشين وإقالة الضباط الحزبيين غذيا النعرة على المصريين وعلى الوحدة 6 من 12
* تنشر "الحياة" مذكرات عبدالمحسن أبو النور أيام الثلثاء والأربعاء والسبت والأحد من كل أسبوع في 12 مارس آذار 1958 أصدر الرئيس عبدالناصر قراراً جمهورياً بحل الأحزاب السياسية بالإقليم الشمالي، أي الإقليم السوري. وبعد ذلك اجتمعت قيادات الجيش، برئاسة عبدالحكيم عامر للنظر في إعادة تشكيل قيادات الجيش السوري، خصوصاً بعد خروج بعض القيادات منه وتعيينهم وزراء. وقد طلب اللواء عفيف البزري، باسم المجتمعين من ضباط الجيش السوري، البدء في توحيد الجيش المصري والسوري، وتطعيم الجيش السوري بضباط مصريين وتطعيم الجيش المصري بضباط سوريين. وطلبوا تعيين معاون لقائد الجيش الأول السوري، بدلاً من أمين النافوري، الذي عين وزيراً. الخلاف الأول... على الضباط وافق الرئيس عبدالناصر والفريق عبدالحكيم عامر على ذلك، وصدر القرار بتعييني معاوناً لقائد الجيش الأول، مع ترقيتي الى رتبة عميد، وعين العقيد أحمد زكي، من مصر، رئيساً للشعبة الأولى، والمقدم محمد الاسلامبولي، من سورية، رئيساً للشعبة الثانية للمخابرات بدلاً من المقدم مصطفى حمدون والمقدم عبدالحميد السراج اللذين عيّنا وزيرين ... وكان الاتفاق مع الفريق عفيف البزري ألاّ يمكن ضباط أي كتلة من كتل الضباط في الجيش السوري من السيطرة على وحدة من وحدات الجيش الأول، تنفيذاً للمبدأ المتفق عليه قبل قيام الوحدة، والقاضي بإبعاد الجيش عن السياسة. ولكني فوجئت بأن الفريق البزري أصدر قراراً بتعيين بعض الضباط الموالين، وبعض اليساريين منهم في قيادة وحدات حساسة في الجيش السوري. ولما اعترضت على ذلك، وطالبته بتصحيح هذا الوضع، رفض وأصر على رأيه. وإزاء هذا التصرف اجتمعت مع رئيس الشعبة الأولى، المسؤول عن تنفيذ التنقيلات والتعيينات، وطلبت منه أن يتريث في إصدار القرارات حتى أخطره بنفسي. ثم اتصلت بالمشير عبدالحكيم عامر موضحاً له خطورة هذا الموضوع. وفي اليوم نفسه أرسل المشير عامر برقية الى الفريق عفيف البزري للحضور لمقابلته بالقاهرة، وأنا معه لأمر عاجل. وفعلاً استقلينا طائرة خاصة الى القاهرة، حيث قابلنا المشير عامر، وشرحت له، أمام الفريق البزري، تفاصيل حركة التعيينات وخطورتها ومخالفتها للاتفاق المتفق عليه بيننا. وعلى رغم أن الفريق البزري كان صديقاً حميماً لي، وهو الذي طلب تعييني معاوناً له، فوجئت به يرفع صوته صائحاً أنه قائد الجيش الأول ولا يقبل اعتراضاً على قراراته، بل لا يمكنه التعاون معي. وهذا يستفاد منه طلب إبعادي عن الجيش الأول. فحاول المشير عامر التوفيق بيننا. لكن الفريق البزري رفض، وظل متمسكاً برأيه. وتأجل الاجتماع الى المساء، ببادرة من المشير وعلى أمل أن يكون التأجيل فرصة يغتنمها الفريق للهدوء ومراجعة نفسه. ولكنه في المساء أصر على رأيه، بل زاد على ذلك وقدم استقالته. وكان أحضرها معه. وعرض المشير الأمر على الرئيس عبدالناصر. فطلب مقابلتنا. وفعلاً توجهنا، المشير عامر والفريق البزري وأنا الى منزل الرئيس عبدالناصر، وعرضنا عليه أسباب الخلاف وخطورته على مستقبل القوات المسلحة السورية ومخالفته الاتفاق الخاص والقاضي بإبعاد الجيش عن السياسة، حماية للوحدة. وبعد مناقشات طويلة استمرت حتى منتصف الليل أصر الفريق البزري على استقالته. فقبلها الرئيس عبدالناصر، وقرر تعيين الفريق المستقيل مستشاراً لرئيس الجمهورية، وقرر تعيين اللواء جمال فيصل قائداً للجيش الأول السوري، على أن يذاع الخبران في نشرة الأخبار الصباحية. وخرج الفريق عفيف البزري من منزل الرئيس، وبقيت أنا والمشير عامر في منزل الرئيس. فقال عبدالناصر: "أدي أول مشاكل الوحدة اللي انت جبتهالنا". وأردف: ما هو الحل الآن؟ فطلبت منه أن يأمر بتجهيز طائرة لي كي أستقلها فوراً الى دمشق، حيث لا بد أن أكون هناك قبل إذاعة هذا الخبر حتى يمكنني اتخاذ الترتيبات اللازمة لمقابلة أي رد فعل لهذا الإجراء. فأصدر تعليماته لتجهيز طائرة خاصة لي بقيادة العميد طيار سعد الدين الشريف، وكان قائد طائرته الخاصة، وهو من أكفأ الضباط الطيارين. وخرجت من منزل الرئيس الى القيادة العامة حتى يتم تجهيز الطائرة. ففوجئت بالعميد طيار سعد الدين الشريف يتصل بي، ويخطرني بأن الجو سيئ جداً، وأنه محظور النزول في مطار دمشق لسوء الأحوال الجوية. ولكنني أصررت على ضرورة السفر مهما كانت النتيجة، لأن الوضع خطير ويستلزم وجودي في دمشق قبل الفجر. وخوفاً من تأخر وصولي، لسوء الأحوال الجوية، اتصلت تلفونياً من القيادة العامة بالعقيد أحمد زكي، وشرحت له ملابسات الموضوع وطلبت منه القيام بالاتصال فوراً بجميع قادة الوحدات الذين لا يسيطر عليهم الفريق عفيف البزري، وخصوصاً في دمشق وحولها، وأن يقوم بإخطارهم بما حدث، ويطلب منهم التوجه، على وجه الضرورة، فوراً الى وحداتهم، والوصول إليها قبل الساعة السادسة صباحاً، وشرح ما حدث للضباط ليكونوا على استعداد لأي رد فعل مضاد. ثم سافرت بالطائرة حوالى الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وكنت الراكب الوحيد بها. وعندما وصلت الطائرة الى مرتفعات الجبال التي تفصل بين سورية ولبنان، كانت الطائرة كالريشة في مهب الرياح، وكانت تترنح يميناً وشمالاً وتسقط في مطبات هوائية. ولا يمكن وصف ما كنت عليه حتى وصلنا قريباً من مطار دمشق، فطلب منا المسؤولون عن المراقبة الجوية بالمطار عدم الهبوط، لأن الهبوط خطر محقق، ولن يسمحوا به. وعندما قال لي سعد الدين الشريف ذلك، وكان ظاهراً عليه القلق من خطورة الوضع، أكمل بقوله: لا مفر من العودة للقاهرة. ولكني أصررت على ضرورة وصولي الى دمشق مهما كان الثمن، وأفهمته خطورة الوضع، واقترحت عليه محاولة النزول في مطار حربي جديد كان يجري انشاؤه، ولم يستكمل بعد، في منطقة الضُّمَيْر، شمال دمشق. ومن حسن حظنا أن الأحوال الجوية كانت أفضل مما كانت عليه في دمشق، وضوء النهار بدأ يطلع ليضيء لنا طريق الهبوط. وبعون الله أمكننا الهبوط في المطار، بعد جهد جهيد، وبمهارة الطيار سعد الدين الشريف. وعندما أذيع الخبر في نشرة الأخبار الصباحية، كانت جميع القيادات تفهمت الوضع وأسبابه، وأمكننا السيطرة الكاملة على الوحدات. ولم يحدث أي رد فعل على الإجراء إلا من الوزيرين أمين النافوري وأحمد عبدالكريم اللذين حضرا لمقابلتي محتجين. فشرحت لهما ملابسات الأمر، وطلبت منهما بطريقة أخوية القيام بما تعهدا به من ترك التدخل في شؤون الجيش. حديث المصري والسوري ... وحيث انني عشت في سورية مدة طويلة، واختلطت بقياداتها العسكرية والسياسية، ولمست عن قرب ما يحدث فيها بسب الاختلافات السياسية والشخصية، سواء في الجيش أو الحياة المدنية، طلبت من رئيس الشعبة الثانية في الجيش السوري، العقيد محمد الإسلامبولي، مراقبة تصرفات الضباط المصريين وعلاقاتهم مع إخوانهم وإخطاري شخصياً بأي تصرف غير سليم يصدر عن أي منهم. وفعلاً وصلني أول خلاف حدث بين جندي سوري وضابط مصري، برتبة ملازم، عندما لم ينفذ الجندي السوري تعليمات الضابط المصري، فنهره الضابط المصري نهراً شديداً، فتطاول عليه الجندي السوري، فقام الضابط المصري بصفعه على وجهه. وحال وصول هذه المعلومات إليه، وتقديراً مني لما يمكن أن يحدث بسبب ذلك من إثارة نعرات في صفوف السوريين، وخصوصاً الذين يتصيدون أخطاء الوحدة أمرت فوراً بإيقاف الضابط المصري عن العمل، وأمرت بإجراء تحقيق في اليوم نفسه. وعند عرض النتيجة عليّ اتضح لي خطأ الجندي السوري وخطأ الضابط المصري. فكتبت رأيي على أوراق مجلس التحقيق وأشرت بإحالة الضابط المصري الى مجلس عسكري لمحاكمته على ضربه الجندي السوري. وأرسلت أوراق التحقيق الى اللواء جمال فيصل، قائد الجيش، رجاء التصديق على رأيي. ولكنه أرسل في طلبي قائلا: "إيه اللي انت كاتبه ده، هل تريد ضياع مستقبل ضابط في أول خدمته لمثل هذا الخطأ؟". وما كان منه إلا أن كتب: "لا أوافق على رأي معاون قائد الجيش ويكتفى بحجزه في المعسكر لمدة سبعة أيام". وبعد انتهاء مدة العقوبة أمرت بنقله فوراً الى القاهرة. وكان لهذا الإجراء القاسي مني وقع طيب لدى الجنود والضباط السوريين الذين كانوا يظنون أنني سأجامل المصري على حساب السوري. وقتل هذا التصرف النعرة في وقتها. وكنت حريصاً دائماً على خنق اشاعة المصري والسوري في مهدها، في كل وقت تظهر فيه، فمثلاً قام بعض تجار السيارات في سوريا بتقديم تسهيلات شراء سيارات للضباط المصريين، وخصوصاً أن قيمة رسوم الجمارك في سورية أقل بكثير منها في مصر. وأقبل الضباط المصريون، أمام هذا الإغراء، على شراء سيارات بالتقسيط. ثم أصبح كل ضابط منهم يذهب الى وحدته، في الصباح، راكباً سيارته بعد أن كان يركب مع زملائه من السوريين الأوتوبيسات. فبلغني أنه بدأت تظهر وسط الضباط السوريين أحاديث عن حضور الضباط المصريين الى المعسكر، كل منهم في سيارة، "ونحن نحضر بالباصات". فأمرت فوراً باجتماع الضباط المصريين الموجودين في سورية، وأمرتهم بنقل إخوانهم الضباط السوريين معهم في سياراتهم. وأتذكر حادثة أخرى. فقد جاءني أحد الضباط السوريين شاكياً من أن هناك ضابطاً مصرياً يحاول معاكسة ابنة شقيقته. فأمرت بإحضار هذا الضابط فوراً الى مكتبي، وطلبت منه مصارحتي بالحقيقة. فقال إنه يعرف الفتاة فعلاً، ولكن مع أسرتها، وهو كان يود خطبتها، وحدث بينه وبينها سوء تفاهم أبعده عنها. فأمرت فوراً بنقله من هذه المدينة الى وحدة أخرى بمدينة بعيدة عنها .... وبما أن طبيعة الجيش هي إصدار الأوامر من الرتبة الأعلى للرتبة الأدنى ومحاسبة الأعلى رتبة للأدنى منها عند مخالفة الأوامر أو التقصير، حرصت على أن ألفت نظر الضباط المصريين والسوريين الى ذلك. وسارت الأمور في الجيش الأول السوري على ما يرام. ولكن حدث ما أثر في العلاقة بين المصريين والسوريين في الجيش الأول، بسبب خروج الوزراء البعثيين من الحكم، والاضطرار الى الحد من تولي الضباط البعثيين المواقع الكبيرة في الجيش. فنقلت قيادة الجيش بعض الضباط البعثيين المعروف عنهم اشتراكهم في العمل السياسي، الى وظائف مدنية منها وزارة الخارجية. ونقل بعضهم الآخر للعمل في الجيش المصري، أو توزيعهم على الوحدات السورية، لإقامة توازن بين اتجاهات ضباط الجيش الأول. ولكن ذلك أدى الى زيادة عدد الضباط المصريين في الجيش الأول، والى زيادة الخلافات وبعث نعرة التسلط المصري. "غلط" طلب الوحدة أما الشعب السوري، فبعد أن تحققت الوحدة التي جاهد في سبيلها، بدأ يتعجل رؤية نتيجة الوحدة، وكأن عبدالناصر يملك عصا سحرية تغير الأمور كلها في سورية، في شهور معدودة. فتخرج المصانع والسدود والعمارات، وجميع عناصر الإنتاج والخدمات، وتغير وجه سورية .... وصدم الشعب السوري بقرار الوزير خليل الكلاس بعثي، وزير الاقتصاد والتجارة السوري، زيادة الجمارك. والجزء الغالب من سكان المدن السورية من التجار. وكان الوزير بعثياً. فعمت الشكوى من البعثيين، وهيمنتهم على الحكم. واضطرني هذا الوضع الى مقابلة شخصية بيني وبين السيد أكرم الحوراني، نائب رئيس الجمهورية ورئيس حزب البعث السابق، وعرضت عليه الشكوى التي عمت سورية من إصدار هذا القرار. ... لم ينس نائبا الرئيس عبدالناصر، أكرم الحوراني وصبري العسلي، ما كان بين حزبيهما من خلاف. فبدأت خلافاتهما تتناولها الألسن في سورية. وكان أكرم الحوراني يعتبر أن حزب البعث هو حامل راية الوحدة، وهو حامي حماها. فبدأ يتدخل في كل الأمور تاركاً صبري العسلي فارغ اليدين. فأثار ذلك صبري العسلي، وبدأ يهاجم أكرم الحوراني والبعثيين عموماً، ويأخذ عليهم الانفراد بالحكم. فما كان منه إلا أن رد عليَّ: "يا سيدي، إحنا أدرى بالأمور في سورية، وأنتم أدرى بالأمور في مصر، فاتركوا لنا أمور سورية نصرفها حسب ما نعرفه". وفوجئت بهذا الرد، واعترضت عليه قائلاً: "إن مصر وسورية اصبحتا بلداً واحداً، رئيسه واحد ومجلسه النيابي واحد، فهل يحاول البعثيون الآن، رغم تقديري لهم، الانفراد بالحكم، وتنفيذ ما لم يستطيعوا تنفيذه قبل الوحدة؟ وهل وافقتم على الوحدة لكي تنفردوا بحكم سورية؟ إن الوحدة تمت بموافقة جميع الأحزاب، وباستفتاء شعبي، ووافق عليها جميع السوريين...". ولم أصل معه الى نتيجة. فأرسلت بذلك للرئيس عبدالناصر الذي أرسل في طلبي، وناقش الأمر معي. ثم أصدر قراراً بإلغاء قرار الوزير خليل الكلاس. فكان للإلغاء أثر سلبي في نفوس البعثيين. وفرح الشعب السوري .... وكان بعض الوزراء المصريين، من أعضاء اللجان المشتركة لتوحيد النظم والقوانين يصرح بأنه في سورية لتوحيد النظم بحسب المعمول به في مصر. فكتب الصحافيون في سورية هذه التصريحات في صحفهم، ويمكن تأويلها على عكس ما يقصده الذي صرح بها. ويفهم منه أن النظم والقوانين المصرية أفضل من النظم والقوانين السورية .... وعندما وجد البعثيون أنهم لم يحصلوا من الوحدة على ما كانوا يأملونه، بدأوا في إطلاق الشائعات. وبدأت صحيفتهم "الرأي العام"، في خلق الافتراءات واصطياد الأخطاء .... فقام الرئيس عبدالناصر، في 7 تشرين الأول اكتوبر، أي بعد 6 أشهر من تشكيل الوزارة الأولى بتشكيل وزارة جديدة، وعين ثلاثة نواب لرئيس الجمهورية وهم عبداللطيف البغدادي وعبدالحكيم عامر وأكرم الحوراني. وأراد عبدالناصر القضاء على التهم بأن هناك تفرقة بين المصري والسوري. ودأب على هذا القول الوزير أحمد عبدالكريم وزميله أمين النافوري، منذ قيام الوحدة. ويذكرني هذا الوضع بما قاله عبدالسلام عارف عندما حضر على رأس الوفد العراقي الذي جاء لمقابلة الرئيس عبدالناصر، بعد قيام الثورة العراقية، وقال له: إن الوزير أمين النافوري الذي أرسلتموه إلينا بعد قيام الثورة في العراق، ليعرف متطلباتنا قال لي: "أوعو تغلطوا وتطلبوا الوحدة مع مصر زي ما احنا غلطنا في سورية"، ولم يكن قد مضى على قيام الوحدة بين مصر وسورية أكثر من شهر واحد...