تتزين لوحات الاعلان المنتشرة على جوانب الطرق في العاصمة الايرانية، طهران، بصور دعائية لأفلام سينمائية جديدة ومتنوعة تحمل في عناوينها من الايحاءات والاشارات الجنسية والمشكلات الاجتماعية والأخلاقية الشيء الكثير، كمثل "فتيات الانتظار" و"تفاحة حواء الحمراء" و"البلوغ" و"شوكران" كأس السم اللذيذ، ومعظمها لمخرجين جدد، من جيل الثورة، وتحظى بنسبة مشاهدين غير عادية، خصوصاً في الوسط الشبابي من الجنسين. وخير دليل ما حققه فيلم "شوكران" من أعلى نسبة في عدد المشاهدين والمبيعات على شباك التذاكر هذه السنة. ويرى مخرج هذا الفيلم النائب الجديد عن مدينة طهران بهروز أفخمي أن ثمة مخرجين أمسكوا بسر اللعب على رغبات الجمهور، انطلاقاً من قاعدة "كل شيء ممنوع مرغوب"، في ما يتعلق بموضوع العشق والحب والعلاقات بين الرجل والمرأة، محاولين اختراق العوائق والموانع التي تواجه هذا النمط من الأفلام والموضوعات، باللجوء الى التلميح والإيحاء والكناية الواضحة والمفهومة والواصلة في حدها الأقصى. وقد يشكل العنوان المقترح للعمل المدخل الى ذلك، للوهلة الأولى، ثم تتولد لدى المشاهد في بعض الأحيان صدمة. إذ لا يجد ما كان يرغب فيه من حديث وأحداث عن العلاقات الثنائية بين المرأة والرجل. ويُعزى لجوء بعض المخرجين الى هذا النمط في انتاج الأفلام، الى ادراكهم الميول والاتجاهات داخل المجتمع ورغبات الشباب، نظراً الى كثرة العوائق والموانع الاجتماعية وأساليب تطبيقها الخاطئة، وعلى خلفية تحديد الدولة، العلاقات المختلطة بين الفتيات والشبان والتضييق عليها تحت عناوين شرعية وعرقية وسياسية قائمة على المراقبة المشددة. وهذا ما يدفع بهؤلاء الى التنفيس سعياً الى تجاوزها وتخطيها، خصوصاً ان الموانع العرقية والسياسية تتجاوز الموانع الشرعية، وتطبيقها في بعض الأحيان يأتي من طريق القوة. وسئل بهروز أفخمي عن فيلمه الأخير "شوكران"، ومدى ما يحمله من هذه الايحاءات، خصوصاً أنه يتحدث عن موضوع "الصيغة أو الزواج الموقت" الاشكالي على مستوى المذاهب الاسلامية وداخل المذهب الشيعي ورفضه اجتماعياً على خلفية الاستفادة السيئة منه، فأجاب أن "الفيلم يطرح هذا الموضوع في صورة غير مباشرة ولا يدور عليه. فالرسائل والمواضيع المهمة التي يحملها متعددة، لجهة الاشارة الى المسائل الاقتصادية، والانفتاح الذي في مرحلة "البناء" أيام رئاسة هاشمي رفسنجاني، وعمق الفوارق الطبقية وتوزيع الثروات، ما دفع المحرومين الى الاحساس أكثر بحرمانهم. ومن ناحية اخرى، فموضوع "الزواج الموقت" يعد من الموضوعات الجاذبة للمشاهد، على اعتبار جوازه من الناحية الشرعية من جهة، ومن جهة اخرى معارضة غالبية النساء هذا الحكم الشرعي ورفضهن اياه، مع عدم امكان التصريح بذلك، فضلاً عن موقف الآباء كذلك". وفي النتيجة، فإن "الزواج الموقت" موضوع حساس وملتهب والتطرق اليه في فيلم "شوكران" كان باعثاً على حدوث رد فعل لدى المشاهد لجاذبيته، وفي الوقت نفسه لتعارضه مع العرف الاجتماعي الخاطئ والخوف منه. هذا اضافة الى ملامسة الآثار غير المتوقعة التي تتولد عنه كمغامرة جنسية، انطلاقاً من الحكم الديني وتحميله رسالة خاصة للرجل الايراني عن عدم الوقوف عند الرغبة الأولى من دون النظر الى ما تتحمله المرأة، الشريك الآخر، من مسؤولية اجتماعية وأخلاقية. كل ذلك من طريق الايحاء والتلميح المبطن والقول بضرورة موت أعراف سائدة. ويرى أفخمي أن المسائل الاشكالية من الناحية الدينية تتعرض للحذف، من مقص الرقيب، ما يؤثر سلباً في العمل السينمائي، ويضعه في أطر ضيقة. والالتفاف عليها مرتبط بمدى قدرة المخرج على التحايل. عن تقويمه تجربة السينما الايرانية قبل الثورة وبعدها، يقول أفخمي "ان هذه السينما قبل الثورة كانت في منافسة مع السينما الاميركية والاوروبية، وخصوصاً الايطالية، أي ما يمكن تسميته اعتماد الاثارة ذات الجانب الجنسي. في حين كانت السينما الجادة تعاني عوائق جمة في التمويل والاستمرار. أما في مرحلة ما بعد الثورة، فالمنافسة لم تعد قائمة، الأمر الذي ولد احساساً بالأمن لدى العاملين في هذا الحقل، وساعد على زيادة الاتجاه الجاد في الانتاج المرتبط بهموم المشاهد. وهذا لا يعني عدم وجود اشخاص بلغت الثقة لديهم حد التساهل في التعاطي مع موضوع السينما انطلاقاً من أبعاد فوقية وايديولوجية وفكرية، الأمر الذي انعكس سلباً وتراجعاً في مستوى أعمالهم ورفض الجمهور لهم. الا أن احساس الأمن هذا قد يكون مطلوباً في مرحلة من المراحل من أجل تركيز التوجه، لكنه قد ينقلب سلبية اذا سيطر وتجاوز الحد، لأنه قد يتحول خمولاً كما هي الحال لدى بعض المخرجين. فالقلق هو الحافز الى تجويد الانتاج، والتحدي الذي بدأ يطل على ساحة السينما مع دخول الفضائيات واتساع دائرة الاستفادة من الفيديو جعل هذا الاحساس يتراجع لمصلحة الاحساس بضرورة صناعة سينمائية جيدة ومتقدمة قادرة على المنافسة. من هنا يمكن الحديث عن المشاركات الايرانية في المهرجانات الدولية والجوائز التي تنالها تلك الأفلام، وهي في الغالب لا تحظى بمشاهدين كثر في الداخل، لأن عامل الجذب فيها بالنسبة الى الاجانب غيره بالنسبة الى الايرانيين. فإيران عند الأوروبي أو الاميركي تشكل سراً أو لغزاً يسعى الى التعرف اليه وفك رموزه، اضافة الى اعتبارات سياسية واجتماعية وتجربة دينية وغرابة موضوعات تطرحها، وقربها من الأشياء اليومية البسيطة والواقعية والمنسية. وعليه فإن الاقبال على السينما الايرانية في الخارج يعود الى البعد الغرائبي exotic في تعاطيه مع الحياة اليومية المنسية في زوايا ايران. ايجابيات الضغط وعن رأيه في تجربة السينما الايرانية بعد إحدى وعشرين سنة على انتصار الثورة، يرى أفخمي ان هذه السينما "أصبحت مجبرة على التدقيق في الموضوع والنص اكثر مما سبق، الأمر الذي انعكس ايجاباً وتقدماً على المستويات الفنية والتقنية من اخراج وصوت وتصوير، وأصبح لدينا نوعان من السينما: سينما المهرجانات وهي ذات خصوصيات فنية معينة، وسينما داخلية، متقدمة كذلك، ترتبط بالمشكلات اليومية للشعب الايراني. وأعتقد أن كثرة الخطوط الحمر التي تواجه الصناعة السينمائية تفترض التضحية بأشياء كثيرة على حساب الجانب الفني، وهذا يعني، اذا ما بقيت هذه الممنوعات، أن تتحول السينما الايرانية الى "سينما الشعار" أي ان تغرق في الروتين، واذا حدث ذلك، فمن الطبيعي أن تصبح بلا ذوق وأثر ومشاهدين. فالممنوعات التي تواجه هذه الصناعة تتجاوز المسائل الشرعية لتصل الى العرقية والسياسية. وهذا ما يعانيه أكثر المخرجين المخضرمين، لذلك لا بد من الحرية، لأنها الضامن الأساس للابداع، على أن يكون التزام حدود الممنوعات والضوابط عملاً تطوعياً نابعاً من الذات. فوجود هذه الخطوط الحمر يدفع الى التفتيش لتعويض النواقص التي تصبح أكثر الحاحاً في حال دخول هذه الصناعة ميدان المنافسة، لأن عدم وجود منافس الآن يجعلها مرغوبة وذات جمهور، أما اذا تبدل الأمر فأعتقد - والكلام لأفخمي - أن هذه السينما تميل نحو الأفول والانتهاء، لأن السينما التي لا تستطيع الاستفادة من المرغبات الجنسية والعنفية atractions تصبح مجبرة على التركيز والمهارة في اختيار الموضوع والقصة. وعن امكان وصول تقسيم المراحل التي مرت بها السينما والصناعة السينمائية الايرانية بعد انتصار الثورة ثلاث مراحل: بداية الثورة، وزارة السيد خاتمي في الارشاد، وزارة مهاجراني، وتحديد خصوصيات كل مرحلة، يقول أفخمي ان "الصناعة السينمائية قبل وصول خاتمي الى وزارة الارشاد بين العامين 1983 و1992 كانت شبه معطلة، ولم يكن المخرجون يعرفون اي أطر يجب اتباعها، لذلك كان المنع أو السماح مزاجياً. ولكن مع وصول خاتمي الى الوزارة بدأت السينما تتحول صناعة فعلية وارتفع سقف الانتاج ليصل الى حدود ما بين 50 و75 فيلماً في السنة". ويضيف: "بعد خروج السيد خاتمي من الوزارة عادت حال عدم الأمن والركود لتسيطر على هذه الصناعة في ظل غياب سياسة ثقافية واضحة، وجهل تام بعالم السينما والفن، وانخفض عدد المشاهدين الى ما يقارب 30 مليوناً في السنة. أما مع تولي خاتمي رئاسة الجمهورية وتولي مهاجراني وزارة الارشاد، فساد الوسط السينمائي، كغيره من الأوساط الثقافية، الحيوية والنشاط. وعاد الرونق الى هذه الصناعة وارتفع الانتاج بجرأة واطمئنان ليقارب 80 فيلماً هذه السنة مع ازدياد كبير في عدد المشاهدين. وهذا الأمر جعل مهاجراني عرضة لكثير من الانتقادات والمطالبة بعزله منذ اليوم الأول لتوليه الوزارة، لكنه استطاع حتى الآن الصمود والدفاع عن حرية النشاط الثقافي والفني بمختلف جوانبه". الفن والسياسة وعن علاقة الفن بالسياسة، وعلى خلفية القبول بأن السياسة فن ويمكن اللعب عليها، يقول أفخمي "إن السياسيين الكبار فنانون، أما أنا فلست سياسياً كبيراً، ولا استعداد لدي لأكون كذلك، وترشيحي وانتخابي عن طهران لمجلس الشورى النيابي حدث بناء على الضرورة، ولا أعتقد أنه سيستمر لأكثر من دورة واحدة. هذا قراري، والسبب فيه عدم حبي للسياسة، فالسياسة فن لا أحبه". إذاً، ماذا تقول للذين أعطوك أصواتهم؟ - قد يكون السبب لدى الذين منحوني أصواتهم انهم انتخبوا انطلاقاً من رمزية ما، إذ فضلوا انتخاب أحد المخرجين السينمائيين من أجل ايصال رسالة ما. ولا أعتقد أن لدى هؤلاء توقعاً بأن أترك العمل السينمائي وأتحول رجلاً سياسياً في المستقبل، هذا مع توقعهم القيام بواجبي النيابي جيداً خلال السنوات الأربع، على أن يسمحوا لي بعدم الترشح مرة ثانية. ما هو موجود في السينما يمكن القول ان السيناريست يتعاطى مع المجتمع في شكل براغماتي، فهل هذا يتقاطع مع العمل السياسي؟ - العمل السياسي مشابه لعمل السيناريست، أي على السياسي أن ينظر الى ما هو موجود ويرى طريقة اصلاحه في صورة واقعية وتدريجية. في السينما، المخرج يحرك الممثلين، وأنت كنائب ومخرج، هل يكون اسلوب تعاطيك داخل المجلس ومع المجتمع مختلفاً عما هو في موقع التصوير؟ - كما يقال عن اختلاف هيتشكوك عن غيره من المخرجين، هو أن الآخرين يعملون على اخراج الأفلام، أما هيتشكوك فإنه يلعب على المشاهد، أي المشاهد هو العمل الذي يخرجه، أثناء مشاهدته العمل. وعندما قلت إن السياسة فن، فبمعنى أن السياسيين الكبار يديرون الجماهير ويوجهونهم في الاتجاه الذي يرونه مناسباً، من دون أن تحس الجماهير بأن في الأمر ملامح دكتاتورية ما، وكما أشرت، لا أعتقد أن لدي هذا الاستعداد في السياسة. دار الحديث أخيراً على ابتعادك عن "جبهة الثاني من خرداد"، في حين كنت مرشحها الى الانتخابات، فهل يعني ذلك اتخاذ حيز بعيد من كتلة هذه الجبهة داخل المجلس؟ - سأتعاون مع الجبهة، ولا حقيقة لابتعادي عنها أو اتخاذ مسافة من حزب المشاركة. وهذا الشعور نابع من أن الأطر التنظيمية لحزب المشاركة ليست أطراً صعبة ومغلقة، ولا توجد فيها اطاعة للأوامر مئة في المئة وهم ليس لديهم توقع بأن أطيع كل الأوامر، مع اصراري على التنسيق التام والكامل معهم في قراراتهم وتوجهاتهم. ولكن اذا حدث أمر يخالف اقتناعاتي الخاصة، أكون مكرهاً على اتخاذ موقف منفصل. هذا يعني وجود تميّز بينكم؟ - إذا أردنا اتباع هذه الحسابات، فإن جميع أعضاء حزب المشاركة يختلفون في سلائقهم، وما يميزه أن أطره التنظيمية ليست مغلقة، ما يعطي حيزاً من الحرية والتحرك. كيف ترى الى المرأة في السينما الايرانية؟ - موقع المرأة والسماح بحضورها ووجودها في الأعمال السينمائية محدود ويخضع لمراقبة شديدة. لذلك فإن السينما الايرانية من هذه الناحية تعاني ضعفاً كبيراً يحتاج، لرفعه، الى نضال وسعي كبيرين، من أجل أن نفسح في المجال أمام حضورها في شكل أكثر اتساعاً وضمن حدود الشرع وموازينه. بهروز أفخمي، مخرج سينمائي وتلفزيوني، يبلغ من العمر 44 عاماً. خريج معهد السينما والتلفزيون التابع لمؤسسة الاذاعة والتلفزيون الايرانية في بدايات الثورة. له من الأعمال السينمائية سبعة أفلام ومسلسل تلفزيوني تاريخي: "يوم الملائكة"، فانتازيا عن عالم ما بعد الموت، ميتافيزيقي. "يوم الشيطان"، فيلم دعائي عن حملة خاتمي للانتخابات الرئاسية. "العروس"، اجتماعي نقدي للحياة المدنية وتعقيداتها. يعمل الآن على اخراج فيلم جديد يحمل عنوان "ابن الصبح" وموضوعه حياة الامام الخميني منذ ولادته حتى سن الخامسة عشرة والأحداث التاريخية التي ترافقت مع تلك الحقبة، وموقع ايران ضمن الحرب العالمية الأولى ما بين العامين 1902 و1917. فيلم "شوكران" الأخير له، أحدث ضجة كبيرة في الأوساط الاجتماعية، خصوصاً في وسط الممرضات، لجرأته وطرحه علاقة "زواج موقت" طرفه احدى الممرضات. انتخب نائباً عن طهران، وكان في المرتبة الواحدة والعشرين في نتائج وزارة الداخلية، والمرتبة السادسة والعشرين في نتائج مجلس صيانة الدستور النهائية.