} ليست هيا آل خليفة المرأة البحرينية الأولى التي تتولى مسؤولية رسمية أو غير رسمية في بلادها، ولا هي الأخيرة ايضاً في بلد توافرت فيه فرص العلم للإناث منذ مطلع القرن العشرين، كما توافرت لهن أيضاً فرص العمل والإسهام في نهضته على مختلف المستويات. لكن المؤكد هو أن هيا آل خليفة المحامية الناجحة التي تزاول هذه المهنة العصية على بعض الرجال منذ عقدين من الزمن، هي أول بحرينية تحمل مسؤولية تمثيل بلادها في دولة كبرى ومهمة هي الدولة الفرنسية بعدما تم اختيارها لهذه المهمة التي تحتاج الى مواصفات، في طليعتها الثقافة وشمول المعرفة وعلو العلم، فضلاً عن اللباقة واللياقة والخبرة في فن التعامل والتخاطب والاقناع الذي يسمونه في القاموس الحديث فن العلاقات العامة. وهيا آل خليفة تجمع هذه المواصفات جميعها، يضاف اليها رغبة وطنية لتطوير علاقات بلدها الصغير مع دولة مهمة كفرنسا، لا تزال العلاقات بينها وبين البحرين حديثة قياساً الى علاقات هذه الدولة الخليجية مع دول كبرى مثل بريطانيا، أو حتى الولاياتالمتحدة الاميركية، الدولة العظمى الوحيدة في عالمنا المعاصر. ولكن كيف تم اختيار هيا آل خليفة من دون غيرها لهذه المهمة الحساسة، لا سيما وانها مختصة بكل ما له بالقانون والمرافعات في القضايا التجارية والمدنية والمصرفية، فضلاً عن التحكيم وحل المنازعات ذات الصفة الدولية وليس لديها خبرة ديبلوماسية سابقة؟ تقول السفيرة المحامية العضو في اتحاد المحامين الدولي ونائب رئيس لجنة حل المنازعات والتحكيم التابعة له: - لم أفكر منذ نيلي اجازة الحقوق وغيرها من الدرجات العلمية في حقل المحاماة أن أصبح ديبلوماسية، أو أن أنتمي الى هذا السلك الحساس. واختياري لأكون سفيرة للبحرين في دولة مهمة كفرنسا هو نقلة نوعية كبيرة وغير عادية. لكنه ليس جديداً أن يعيّن محامون سفراء لبلدانهم ذلك أن معشر المحامين يملكون القدرة على تقويم الأمور ووزنها بطريقة جيدة، لذلك يعتبر المحامي صالحاً لتولي مهمة الديبلوماسي بسبب تمكنه من تنظيم الأمور وترتيبها والنظر اليها من زوايا مختلفة وحل المشكلات بطرق متعددة. صحيح ان الديبلوماسية تفترض كثيراً من المجاملة والعلاقات العامة، لكن الصحيح أيضاً هو أن المحامي لديه الاساسات لكي يصبح ديبلوماسياً ناجحاً، لكن الديبلوماسي يصعب عليه أن يتحول الى محام ناجح. فرنسا دولة كبرى ومهمة وأنت جديدة على العمل الديبلوماسي وعلى تمثيل بلادك لديها. كيف يمكنك أن تنجحي في هذه المسؤولية الجديدة؟ - أولاً أحب أن أوضح أمراً وهو إنني أعرف فرنسا ولغتها، وقد مكثت فيها سنتين عندما ذهبت لأتلقى دروساً في اللغة وفي القانون الدولي العام. وقد تعرفت على كثير من المحامين الفرنسيين عبر اشتراكي في المؤتمرات القانونية. ولا تنسي أنني اخترت نائباً لرئيس لجنة التحكيم COMMITTEED التابعة لاتحاد المحامين الدولي، وأول من يحتل هذا المنصب من خارج الدول الأوروبية والأميركية. اضافة الى أنني أحضر نفسي عبر الاطلاع على ملفات سفارتنا في باريس والقضايا التي تحتويها، كما انني منكبة على الاطلاع على كل جوانب الحياة الفرنسية. هل نفهم أنك عبر دراستك في فرنسا وعضويتك في اتحاد المحامين الدولي ولجنة التحكيم فيه قد تعرفت الى فرنسيين كثيرين وأصبح لديك علاقات ومعارف هناك؟ - طبعاً، هذا جانب مهم. وهناك جانب آخر أتاح لي التعرف وإرساء علاقات قوية وكثيرة مع الفرنسيين، وهو كوني محامية معتمدة للسفارة الفرنسية في البحرين. وأعتقد بأن اختياري لأكون سفيرة لبلادي منحني صفة رسمية، يوفر لي قوة وحرية وراحة أكبر في التعامل مع الفرنسيين من موقعي الجديد هذا. وفي رأيي هناك مجالات كبيرة لتطوير العلاقات بين البحرينوفرنسا، ولا سيما في المجال الثقافي المهم جداً بالنسبة إليّ. هل يمكنك أن تشرحي لنا كيف يمكن تطوير العلاقات في هذا المجال، ولماذا؟ - اللغة الفرنسية بحد ذاتها ثقافة كاملة، وفرنسا من الناحية الثقافية وفي الجانب القانوني هي بلد النور، وللفرنسيين مناهجهم الخاصة في الرسم والنحت والأدب والموسيقى، وفي كل أمر، حتى في المطبخ وفي نظرتهم الى الحياة بكل جوانبها. وأعتقد بأن الثقافة الفرنسية مختلفة عن الثقافة الانكليزية، لكنها طبعاً غير منتشرة بشكل واسع كانتشار الثقافة الانكليزية. وفي رأيي ان الفرنسيين يجب أن يعرفوا الآخرين بثقافتهم. كيف يمكنهم ذلك؟ - طبعاً عن طريق الذين تعرفوا الى الثقافة وتعلموا اللغة الفرنسية، وبالنسبة الينا نحن القانونيين بشكل خاص فإن للثقافة الفرنسية أهمية قصوى ذلك أن أساسات القوانين التي درسناها فرنسية. طبعاً، نحن لا نقلل من أهمية الثقافة واللغة الانكليزية، فهذه بالنسبة الينا هي وسيلة الاتصال مع الشركات الكبرى والزبائن، ووسيلة تفاهم معهم. في هذا المجال هي لغة ضرورية جداً بالنسبة الينا. لكن من ناحية القوانين علينا أن نتعرف اليها من مصادرها. نحن تعلمنا القانون وأخذناه من المصريين ومن دول عربية أخرى، لكننا عندما نواجه مشكلة ما في التفسير، لا بد أن نعود الى المصدر الفرنسي الأصلي لا الى الفرع. والمحامون البحرينيون يبحثون غالباً عن حلول للمشكلات القانونية، ومعرفة اللغة الفرنسية تتيح لهم العودة الى المراجع والمصادر الفرنسية الأصلية حيث يجد المحامي أو القاضي تفسيرات متعددة لنصوص القانون وتبعاً لحالات وأشكال مختلفة. هذا على الجانب الثقافي، فماذا يمكن فعله في الجانب التجاري من العلاقات البحرينية - الفرنسية؟ - علاقاتنا التجارية مع فرنسا جديدة وليست قوية كعلاقاتنا التجارية مع دول اخرى من وزنها. وهنا يمكن بذل جهد متبادل، فالفرنسيون يمكنهم أن يعرفوا ما عندهم ونحن بدورنا يمكن أن نعرف الشركات الفرنسية على التسهيلات والامكانات الموجودة لدينا في البحرين. وبلدنا يعتبر منطقة حرة كبيرة وهذا أمر مغر للشركات الفرنسية لكي تأتي الى بلادنا وتعمل وتكتشف اننا بلد يسهل معه التعامل التجاري من دون تعقيدات. ومن الممكن أن يكون لدى الشركات الفرنسية أنواع أكبر من الأنواع التي نعرفها في البحرين وتتوسع الخيارات ونتعرف على منتجات جديدة غير المتوافرة حلياً. هذه الأمور سآخذها بعين الاعتبار وأنا أضع استراتيجية عملي كسفيرة لبلادي لدى فرنسا. ننتقل الى الجانب السياسي، هل ترين أن هناك آفاقاً لتطوير العلاقات السياسية بين البحرينوفرنسا؟ - بالتأكيد، ذلك أن فرنسا دولة كبرى ومهمة جداً. هي عضو فاعل في الاتحاد الأوروبي وواحدة من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. ومن يتطلع الى مواقفها الحالية بالنسبة الينا كخليجيين خصوصاً وكعرب عموماً، يجد أنها تسعى لأن تكون "كفة الميزان الثانية"، بمعنى أنه اذا تمادت الدول الحليفة الأخرى لفرنسا في مواقفها، أو تطرفت، يحاول الفرنسيون بمواقفهم التخفيف من هذا التمادي، أو من آثاره. طبعاً نحن لن نقيم علاقات مع دولة معينة على حساب دولة أخرى لأن مصالحنا أن نكون على علاقات طيبة مع الجميع. والمهم بنظري أن تصبح علاقاتنا مع فرنسا جيدة لأننا كدول صغيرة محتاجون الى هذه العلاقات. ولكن كامرأة هل تشعرين بأي مشكلة في أن تكوني سفيرة، ولا سيما في بلد مهم كفرنسا؟ - أبداً، ليس لدي شعور من هذا النوع. على كل حال هناك من سبقني من بنات جنسي، فلسطينية عملت سفيرة في هولندا، والكويت لديها سفيرة لدى الأممالمتحدة. ولكنك أول سفيرة خليجية في بلد ذي أهمية كبرى كفرنسا؟ - وأعتقد بأنني أول سفيرة على المستوى العربي أيضاً فليس هناك سفيرة عربية في بلد من وزن فرنسا، التي نعتبرها في البحرين مهمة جداً بالنسبة الينا كبلد صغير ويحتل موقعاً جغرافياً واستراتيجياً. الحديث عن المرأة السفيرة يجرّنا الى الحديث عن وضع المرأة البحرينية، كيف تقومين هذا الوضع؟ - الواقع ان الأنثى في البحرين كانت رائدة في المنطقة بالنسبة الى فرص التعليم التي فتحت أمامها منذ العشرينات في القرن العشرين. لكن المرأة في البحرين ليست متعلمة فقط، بل لديها عمق حضاري خاص، لذلك تجدين النساء المسنات غير المتعلمات لا يمانعن في تعليم بناتهن وهن منفتحات على الدنيا وغير منغلقات. يمكن أن يكون ذلك عائداً الى أن البحرين ميناء وبلد تجاري منذ القدم، تعرف على شعوب مختلفة، الهنود، الايرانيون، الاوروبيون وليس لديه خوف من الغريب، والتعامل والانفتاح على الغير أمر طبيعي جداً لدى مواطنيه وليس فيه أي تكلف أو تصنع. وماذا عن علاقة البحرينية بزوجها، بأخيها، بوالدها، وهل تشعر بأنها تتمتع بالحرية وبنوع من الاستقلالية تجاههم؟ - اعترف بأنني لم أكن متأكدة من هذا الأمر، وكنت دائماً أتساءل: هل لدينا نحن البحرينيات حرية أم لا؟ الى أن زرت بلداً عربياً خليجياً وتعرفت فيه الى عائلات من الطبقات الوسطى، وما فاجأني انهم كانوا دائماً يسألون: "كيف انتن البحرينيات تسافرن بمفردكن وتعشن في الفنادق. نحن لا نسمح لبناتنا أن يفعلن مثلكن". واذا كان هذا واحداً من معايير الحرية، فأنا أوكد لك أن 70 في المئة من البحرينيات، نساء وفتيات، يسافرن الى الخارج بمفردهن للدراسة، للسياحة، للتجارة، الى أوروبا وأميركا وبلدان الشرق الأقصى، ولا يشعرن بأي عقدة أو خوف، طبعاً لدينا تيار محافظ لكنه لا يفرض رأيه على غيره، بينما اكتشفت في الكويت مثلاً - والكويت فيها نسبة كبرى من المتعلمين نساء ورجالاً - ان التيار المحافظ قوي جداً وله نفوذ طاغ. وسمعت في الندوات والاعلام كيف ان هذا التيار كان يهاجم بعنف ويعارض بشدة مبدأ هل يحق للمرأة أن تتبوأ المناصب القيادية، وكلنا يعرف كيف سقط اقتراح اعطاء المرأة الكويتية حق الاقتراع في مجلس الأمة، وكيف أن نساء أصدرن بيانات تؤيد النواب الذين صوتوا ضد هذا القرار. وقد صدمني هذا الأمر كثيراً.