معاودة الانجذاب إلى التصعيد الاعلامي بين المغرب والجزائر تعني ان فترة التأمل في مسار العلاقات والتي التزمها البلدان في الشهور الأخيرة لم تقد الى استخلاص إمكان تجاوز خلافاتهما. وحين لاح بريق أمل في قضية معاودة فتح الحدود المغلقة منذ نحو ست سنوات طفا على السطح ملف الصحراء الغربية، وربما جاز اعتبار أن التصعيد الاعلامي عشية جولة المفاوضات الثانية حول الصحراء في لندن الأسبوع المقبل يعكس جوهر خلافات البلدين. فمن قضية الصحراء بدأ الصراع وإليها يعود كل التداعيات، على رغم التصريحات المتفائلة حيال دعم خطة التسوية التي ترعاها الأممالمتحدة، وكلما بدا ان في إمكان المجتمع الدولي فعل شيء ما لإنهاء النزاع كلما كانت العودة الى نقطة الصفر. هناك خطة ومفاوضات وآمال معلقة على مساعي الوسيط الدولي جيمس بيكر، بخاصة ان واشنطن تدعم هذا التوجه وبعض العواصم الأوروبية لا يرى بديلاً، لكن الطرفين الأساسيين المغرب و"بوليساريو" لا يلتقيان عند النقطة ذاتها، فالرباط ترى ان الأمر يتعلق بموقف الاجماع الوطني، في حين تنظر "بوليساريو" إلى ما يعرف ب"الحل الثالث" إطاراً لافراغ صيغة "الاستقلال" من مضمونها، ولا يبدو ان الموقف الجزائري يبعد عن التشكيك في جدوى حل من هذا النوع. في المعادلة أن حلاً بين المغرب و"بوليساريو" - على رغم استبعاده الآن - لا يفيد سياسة الجزائر، سواء على مستوى علاقاتها مع المغرب أو على صعيد علاقاتها الافريقية والأوروبية، ليس فقط لأنه قد يفوّت عليها فرصة التحكم بمسار الصراع، بل لأنها قد تصبح الخاسر الرقم واحد في العملية. في المقابل، فإن حلاً بين المغرب والجزائر قد ينهي "بوليساريو" من دون الحصول على أي شيء، لذلك يظل التمسك بصيغة الاستفتاء مخرجاً لجميع الأطراف، أقله ارجاء الحل ما دام كل المعطيات يفيد بارجاء الاستفتاء، وليس النزوع الى التصعيد الاعلامي بين المغرب والجزائر الآن سوى الترجمة الملموسة لتلك الرغبة المحتشمة. ويطرح السؤال هل ان الحل الثالث، أي منح الصحراويين صلاحيات في ادارة الشؤون المحلية في اطار سيادة المغرب، مطلوب لذاته أم انه اختيار مرحلي؟ والجواب ان "بوليساريو" - على رغم رفضها المعلن - تريده لخمس سنوات أو أكثر صيغة للحصول على ما هو أكبر، في حين ان المغرب - في حال قبوله - يريده لتحقيق اندماج في السيادة. ويبقى ان الجزائر ستناهضه بقوة، لأنه يبعدها تدريجاً عن العملية، وحتى وان كانت تصريحاتها الرسمية تفيد بالتزام موقف الحياد، فإن مجرد ابقاء ايوائها المنتسبين الى "بوليساريو" لفترة ربع قرن على أراضيها، يتجاوز اخلاقيات الدعم المبدئي نحو الحصول على ثمن. وإذ يصعب على الجزائر الجهر بذلك يصعب على المغرب أيضاً ان يقايض شفي مسألة مصيرية، بيد أن تحريك الملف مجدداً يعني انه من دون وفاق مغربي - جزائري سيظل الحل مستحيلاً. وإلى أن يلوح توازن اقليمي جديد في شمال افريقيا ستبقى قضية الصحراء معلقة، فلا أحد يعلن انه تعب من المعركة، لكن ضحاياها يزيدون على معادلة غياب الأمن والسلم والاستقرار، وإذ نظر اليه من منطلق إنساني فقط، فإن ذلك قد يعجل وتيرة الحل، لا سيما إذا قرِن بخطوات تفعيل الاتحاد المغاربي المتعثر .