تكشف تطورات قضية الصحراء الغربية، وقد دخلت عامها الرابع والعشرين من دون حل سياسي، عن جوانب اكثر تعقيدا ازاء ما يستطيعه استفتاء تقرير المصير الذي ترعاه الاممالمتحدة منذ عام 1988. ففي الحالات التي يحسمها استفتاء من هذا النوع تكون النتيجة اما لصالح الاندماج او الانفصال، والاطراف المعنية بالنزاع الصحراوي لا تبدو مقتنعة انه الحل الامثل، وان صرحت انها لا تريد عنه بديلا. ومرد ذلك انه لايرتكز سياسيا على حل وفاقي يمكن ان يعطي للطرف المنهزم مكسبا ما، وبالتالي فان ملامسة الاشكالات التي تحيط بالاستفتاء عن قرب تجعل المراقبين اكثر اقتناعا باستحالة اعتبار الذهاب نحوه حلا نهائيا. لهذا ردد الامين العام للامم المتحدة كوفي انان ما قاله سلفه بيريز ديكويار "ان قضية الصحراء تبدو بسيطة في اول نظرة، لكن التعمق فيها يبين انها اكثر تأزما، تشبه في ذلك امتداد الصحراء، وتجعل التائه فيها يضيع في كثبان الرمال مالم تكن معه بوصلة الطريق". وبسبب هذه التعقيدات جرب اربعة امناء للامم المتحدة حظوظ البحث عن الحل من ولاية لأخرى، ولا يبدو باستثناء الاصرار على تمديد ولاية "المينورسو" في الصحراء ان الحل يتحول حقيقة وليس سرابا، كما في مغامرات الصحاري. في عام 1981 عندما طرح العاهل المغربي الملك الحسن الثاني فكرة الاستفتاء امام مؤتمر منظمة الوحدة الافريقية في نيروبي، حدد مواصفاته في اضفاء الشرعية الدولية على استرداد بلاده اجزاء كانت مغتصبة في الجنوب، وقال ما مفاده انه يفعل ذلك نزولا عند رغبة قادة دول عربية واجنبية تمنوا عليه اجراء الاستفتاء، باعتباره صيغة قانونية وسياسية تجنب المغرب مؤاخذات اطراف غير مقتنعة بالطريقة التي استرد بها المغرب تلك المحافظات، علما ان المفاوضات التي اديرت في نهاية العام 1974 مع اسبانيا حول مستقبل الساقية الحمراء ووادي الذهب الصحراء الغربية اسفرت عن ابرام اتفاقات دولية، استندت الى مرجعية حكم صدر من محكمة العدل الدولية في لاهاي العام نفسه، اكد وجود روابط بين سكان الصحراء والسلطة المركزية في المغرب، ماحذا الاخير الى تنظيم المسيرة الخضراء في تشرين الثاني نوفمبر لعام 1975. تعاطي منظمة الوحدة الافريقية مع النزاع قارب طريق الحل، من خلال تشكيل لجنة حكماء افارقة ووضع تصورات قانونية لاجراء الاستفتاء، لولا ان المنظمة نفسها تأثرت بصراعات اقليمية ودولية ادت الى الاعتراف ب "الجمهورية الصحراوية" عضوا في المنظمة القارية نهاية عام 1984، ما دفع المغرب الى الانسحاب من المنظمة، وطرح النزاع مجددا على الاممالمتحدة، لكن التوصيات والقرارات التي التزمتها الاخيرة لم تكن بعيدة عن التأثر بمواقف منظمة الوحدة الافريقية، وبالتالي استغرق النقاش حول اشراف هذه المنظمة الى جانب الاممالمتحدة في ضمان سلامة ونزاهة الاستفتاء فترة طويلة. وكان منطلقه، هل يجوز لمنظمة اتخذت موقفا مسبقا من نتيجة الاستفتاء، باعترافها ب "الجمهورية الصحراوية" ان تشرف على تنظيم هذه الاستشارة الشعبية، بيد ان ما ساعد في حلحلة الموقف هو نزوع دول افريقية تجاوز عددها العشر نحو تعليق الاعتراف ب "الجمهورية الصحراوية"، وسيكون على مؤتمر وزارء خارجية الدول الافريقية المقبل المقرر ان تستضيفه اديس ابابا في الشهر الجاري ان يبحث في حل وفاقي عن هذه القضية، اي شرعية الاعتراف او عدمه. المرجعية التي تستند اليها خطة التسوية الدولية لنزاع الصحراء تعود الى التصورات التي وضعها الامين العام السابق للامم المتحدة ديكويار، ووافق عليها المغرب وجبهة بوليساريو عام 1991، وتركزت آنذاك على التزام وقف اطلاق النار الذي لا يزال مفعوله ساريا، والاعداد لاستفتاء تقرير المصير يشارك فيه السكان المتحدرين من اصول صحراوية فقط، واقرت ضمن الخطة اليات لانجاز التسوية تنفذها بعثة "المينورسو" المقيمة في المنطقة. واعترضت المهمة صعوبات عدة، ارجأت تنفيذ الاستفتاء مرات عدة، وآخرها الامال المعقودة على تنفيذه في نهاية العام الجاري او مطلع العام المقبل. يجمل ديبلوماسي رافق تطورات النزاع تباين المواقف في صيغة محددة هي معاودة تصحيح الاحصاء الذي كانت أجرته الادارة الاسبانية للمحافظات الصحراوية عام 1974، وحدد أعداد السكان آنذاك في حوالى 74 الف نسمة، ولأن الاستفتاء يعني التعبير عن ارادة الرعايا المعنيين، برزت خلافات على معاودة الاحصاء، خلصت الى وضع معايير اقرتها الاممالمتحدة لتحديد الهوية، وبالتالي تأهيل الهيئة الناخبة، واضيف الى هذه الاجراءات اليات اخرى تشمل اعادة اللاجئين، وتخفيض اعداد القوات واطلاق سراح الاسرى والمعتقلين، لضمان ان يكون الاستفتاء حرا ونزيها وشفافا. اللافت في غضون هذه التطورات ان الاممالمتحدة استعانت بخبرات شخصيات سياسية نافذة للتغلب على الصعوبات، وكان اهم انجاز تحقق في هذا الصدد ابرام اتفاقات محددة بين المغرب وبوليساريو رعاها الوسيط الدولي جيمس بيكر قبل حوالى عامين في هيوستن، وجرت في ضوئها اتصالات مباشرة بين المغرب وبوليساريو تحت مظلة الاممالمتحدة، في حين ان الاتصالات السابقة التي تمت في الرباط او في جنيف او في عواصم افريقية كانت ترتدي ابعاد مبادرات خاصة، وقال عنها المسؤولون المغاربة انها هدفت لحض المنتسبين الى جبهة بوليساريو على العودة الى المغرب، ما يعني ان الاتصالات التي رعاها جيمس بيكر ابقت على دور الاممالمتحدة. ويعزو اكثر من مراقب هذه التطورات الى كون المغرب يريد اضفاء طابع الشرعية الدولية على الحل المقترح برسم الاستفتاء، في حين ان جبهة بوليساريو تريد الافادة من ذلك للابقاء على الطابع الثنائي للنزاع. ولعل اهم انجاز حققه بيكر في هذا الصدد هو تحديد دور الجزائروموريتانيا باعتبارهما مراقبين في خطة التسوية الدولية، اي المشاركة في الاجراءات ذات العلاقة بالاستفتاء التي تخص صلاحيات الدولتين اللتين تأويان المنتسبين الى بوليساريو. لكن هذا التطور ان كان يساعد في اعتبار موقفي الطرفين المغرب وبوليساريو اساساً في الاتجاه نحو التسوية، فانه اغفل التداعيات الاقليمية لنزاع الصحراء الغربية، اذ يصعب تصور انجاز حل في الظرف الراهن من دون موافقة الجزائر، وبالمقدار نفسه لا يمكن تجاهل تأثيراته على الوضع في موريتانيا، ما يعني حسب المراقبين ان الجانب المغيّب في خطة التسوية يظل اساسيا، ويستدلون في ذلك على انه كلما حدث انفراج في العلاقة بين المغرب والجزائر يساعد ذلك في تقدم لحل قضية الصحراء، والعكس، ذلك كلما تعرضت علاقات البلدين الى التدهور انعكس ذلك سلبا على دور الاممالمتحدة. الى ذلك، يلاحظ من الناحية العملية ان الاقتراحات التي عرضها كوفي انان في جولته الاخيرة في منطقة الشمال الافريقي تمحورت على الاجراءات التي تخص معاودة استئناف عمليات تحديد الهوية، وارجاء تقديم الطعون في الحالات المختلف عليها الى حين انتهاء تحديد الهوية، وابرام اتفاقات حول انتشار قوات الاممالمتحدة والاعداد لعودة اللاجئين بعد اضفاء الطابع الرسمي على مهمة مفوضية اللاجئين، لكن الموافقة على هذه الاقتراحات في تفاصيلها تطلبت مزيدا من الجهد والوقت وتعديل الاجراءات، ولا يبدو في غضون ذلك ان طريق الاستفتاء اصبحت سالكة. فعن عمليات تحديد الهوية التي شملت في الفترة السابقة 147 الف شخص، يدور جدل حول المواصفات التي ستطبق على المجموعات القبلية الباقية، اذ يصر المغرب على ان يفيدوا من نفس الطريقة السابقة، ولا يجب اعتبارهم ناخبين من فئة ثانية، ويقول المسؤولون المغاربة ان تعريض سكان القبائل لاي تمييز يضر بصدقية الاستفتاء الشعبي. ويستندون في ذلك الى ان الاممالمتحدة ذاتها اقرت مرات عدة، عندما كان النزاع قائما بين المغرب واسبانيا على الصحراء بوجود منفيين ينتسب غالبيتهم الى القبائل التي كان مختلفا عليها، واصدرت لهذه الغاية قرارات عدة، من بينها القرار رقم 2591، والقرار رقم 2711، والقرار رقم 2983، والقرار رقم 3162، تنص كلها على عودة المنفيين الذين نزحوا في اتجاه المناطق الشمالية للصحراء، في حين اعترضت جبهة بوليساريو على تسجيل هؤلاء القبائل بدعوى عدم وجود شيوخ ينتسبون اليها يمثلونها في عمليات تحديد الهوية التي تجري عادة في حضور شيوخ ومراقبين من المغرب وبوليسايرو وبعثة "المينورسو". في مسألة نشر قوائم الاشخاص الذين شملتهم عمليات تحديد الهوية، بهدف بدء عمليات تقديم الطعون، تبرز خلافات جديدة. فالاممالمتحدة ترهن الطعون بانتهاء كل فقرات تحديد الهوية، وبالتالي لا يمكن البدء فيها الا بعد التدقيق في هوية 65 الف صحراوي لم تشملهم عمليات تحديد الهوية السابقة. ونبه شيوخ صحراويون الى المخاطر التي يمكن ان تنشأ جراء عدم احترام اللائحة، وسمع الامين العام للامم المتحدة خلال زيارته المحافظات الصحراوية، ضمن جولته المغاربية، انتقادات شديدة لتصرفات بعض اعضاء "المينورسو" المتهمين بالتحيز. في قضية اعادة اللاجئين تبرز خلافات لها ارتباط بتأهيل الناخبين المشاركين في الاقتراع. فمن جهة تنص الخطة على العودة الطوعية للاجئيين برفقة افراد اسرهم الى المحافظات الصحراوية، ومن جهة ثانية تقتصر العودة على المؤهلين للاقتراع، ما يعني ان من دون حسم الخلافات على الاعداد النهائية للمشاركين في الاستفتاء لن تتم هذه العودة. الى ذلك تركز الخطة على ان يصوتوا في مراكز ازديادهم الاصلية، على اساس احداث مكاتب للاقتراع في كل المحافظات الصحراوية، لكن جبهة بوليساريو تلح على ان يتم تجميعهم في مراكز محددة، وسيكون صعبا في هذه الحال ان تمر الحملات الاستفتائية في اجواء عادية، على رغم ان مدونة السلوك المبرمة ضمن "اتفاقات هيوستن" تحدد مجالات ووسائل تلك الحملات في حضور مراقبين تشترط فيهم النزاهة والكفاءة والحياد. ابعد من ذلك ان وضع اللاجئين الصحراويين يختلف عن حالات لاجئين تعاطت معها الاممالمتحدة، فهؤلاء ينتسبون الى قبائل موزعة، ولهم اهالي واقارب، واكثر ما تخشاه جبهة بوليساريو ان تقترن عودتهم بنهاية وجودها، لوجود اعضاء قياديين في الجبهة غير مؤهلين للمشاركة في الاستفتاء، كونهم يتحدرون من مناطق مغربية او جزائرية غير متنازع عليها. وأحصت مفوضية اللاجئين الى حد الآن أكثر من 30 الفا منهم في مخيمات تيندوف جنوب غرب الجزائر وبضعة آلاف في شمال موريتانيا، بيد ان الموافقة على اضفاء الطابع الرسمي على مهمات مفوضية اللاجئين في المحافظات الصحراوية يساعد حسب اكثر من مراقب في تسريع وثيرة الاعداد للعودة، اقله من الناحية اللوجستية التي تشمل ازالة الالغام ورسم مسالك الطرقات ومراكز التجميع. وبالتالي فان عودة اللاجئين ستنهي عمليا وجود بوليساريو خارج المحافظات الصحراوية، كذلك ستخلص الجزائروموريتانيا من اعباء ايواء المنتسبين اليها في اراضيهما. والسؤال هل ان الحل بات ناضجا لتحقيق هذا الهدف؟ من حيث صلاحيات الاممالمتحدة يبدو ان انجازا بهذا المستوى سيكون على مقدار كبير من الاهمية، لكن هل تسمح الخلفيات السياسية المتحكمة في نزاع الصحراء بالذهاب بعيدا في التعاون مع الاممالمتحدة في هذا النطاق؟ يرجح ان القضية اكبر من تنفيذ اجراءات والتزام مواعيد، فالحل السياسي المطلوب لن يتم بمعزل عن حسابات اقليمية، هي نفسها التي كانت وراء اندلاع نزاع الصحراء قبل 24 سنة خلت.