النصر العظيم الذي حققته المقاومة الاسلامية في لبنان كشف لنا حقيقتين اساسيتين. الاولى هي ان اسرائيل لم تعد القوة الاقليمية التي لا تقهر كما اوهمتنا بذلك القيادات العربية المنهزمة. اما الحقيقة الثانية ... فهي ان اسرائيل وعلى رغم فشلها عسكرياً حققت انتصاراً اعلامياً واضحاً على بعض مثقفينا العرب ترددت اصداؤه في وسائل الاعلام العربية. فالدعاية الاسرائيلية ارادت تحقيق امرين رئيسين على اثر هزيمتها في الجنوب: تخفيف وطأة الهزيمة المؤلمة التي تتكبدها لأول مرّة في تاريخها، والتقليل من شأن الانتصار الذي تحقق على ايدي مقاتلي "حزب الله". صحيح انها لم تستطع سرقة ذلك النصر او إخفاء مظاهر الفرحة التي عمت الشارع العربي، بما في ذلك فلسطينالمحتلة، إلاّ انها حققت بعض الاختراقات للعقل العربي. فقد سمعنا من يردّد "كالببغاوات" ما يذيعه الاعلام الاسرائيلي الرسمي من ان الانسحاب لم يكن هزيمة بل هو تكتيك سياسي لاسقاط الورقة اللبنانية من يد المفاوض السوري.... وكأن اسرائيل "تآمرت" مع "حزب الله" ضد تلك الميليشيا التي كانت حليفاً لها طوال العشرين عاماًَ ونيف الماضية. ... امّا لماذا لم يستوعب بعض المثقفين العرب حقيقة ذلك الانتصار - كما استوعبه اليهود انفسهم في "اسرائيل"، ولماذا سمحوا لعقولهم ان تُخترق من قبل الدعاية الاسرائيلية بحيث صاروا مجرد صدى لتلك الدعاية فإنني ارجع ذلك الى ما سماه الاستاذ فهمي هويدي ب "الهزيمة الحضارية" التي يعانيها اولئك المثقفون. فالشعور بالانهزام الداخلي أدّى بهم الى افتراض الغلبة والانتصار للعدو بشكل دائم لانه يملك التفوق العسكري والعلمي والثقافي. اما الشعوب العربية المتخلفة والمغلوب على امرها فلا يمكنها ان تنتصر على من هو اقوى منها، وان تم ذلك - كما حدث في لبنان - فليس لانهم انتصروا، بل لان "عبقرية العدو" ارادت ذلك. الكويت - احمد الزايد