لم نتذوق طعم الانتصار منذ بدءء الصراع العربي الإسرائيلي العام 48م.. إلا في حرب أكتوبر العام 73م.. لكن ما هي إلا بضع سنوات حتى اكتشفنا أنه انتصار منقوص كالحمل الكاذب أو هو كهلال الشك بعد أن تجلت الأمور، وانبلجت شمس الصبح عن الحقيقة. منذ ذلك التاريخ الملتبس تشكلت في أذهاننا ثقافة مختلفة للانتصار. الانتصار الذي كاد أن يقترب من الأسطورة التي تروى ولا تُرى. وبتجاوز أم المعارك وما واكبها من ميلودراما عسكرية ما كان لأيّ أهبل أن يقتنع بانتصاراتها الوهمية التي قتلت ومثلت بجثث الأمريكان على أسوار بغداد.. جاءت حرب تموز العام 2006م والتي لم يكن ثمة مكان لصوت العرب، ولا لتركة أحمد سعيد في توجيه بوصلتها في المخيلة العربية الشعرية كيف تشاء.. حيث تصدّت لها كاميرات وعدسات مئات القنوات الفضائية، وعشرات الأقمار الصناعية، وشاهدنا كلنا بعين واحدة كيف توالت فيها المجازر، وكيف تهاوت البيوت والجسور، وتمّ ترحيل ما يزيد على المليون مواطن من بلداتهم وقراهم.. إلا أن ما حدث بعد (33) يوما من المعارك أن احتفلت المقاومة بإعلان النصر التاريخي وهزيمة العدو. صحيح أننا شاهدنا الرعب على وجوه بعض الإسرائيليين من سكان الجليل الأعلى وحتى حيفا.. لكننا لم نستوعب معنى الانتصار الذي تتحدث عنه المقاومة. وبعد عام كامل من هذه الحرب، وبعد صدور تقرير فينوجراد الذي أقر بهزيمة إسرائيل على الصعيد الاستراتيجي.. عادت المقاومة للاحتفال مجددا بانتصارها على قاعدة وشهد شاهد من أهلها.. رغم أننا ندرك بما لا يدع مجالا للشك اختلاف مفهوم الانتصار بيننا وبينهم.. ومع هذا استجبنا لصوت مشاعرنا المتعطش لأي انتصار حتى ولو كان وهميًا وقبلنا بشهادة فينوجراد أننا انتصرنا. وفي منتصف الأسبوع الماضي خرجت إسرائيل من قطاع غزة بعد معركة دامية أطلقت عليها (الشتاء الساخن) مخلفة وراءها 116شهيدا وأكثر من 250جريحا ودمارا هائلا في البنى التحتية والممتلكات، وهنا أعلنت حماس انتصارها المدوي!! مؤكدة أنها أطلقت أحد صواريخ القسام على قرية سديروت والعدو يجرجر أذيال الهزيمة.ما أريد أن أعرفه هو أيّ انتصار هذا الذي نتحدث عنه ؟.. هل تغير معنى النصر ؟ هل تشابه النصر بالصمود، هل زال الاحتلال.. أم أن القدرة على الاختباء عن مصارع أسلحة العدو صارت هي النصر ؟ أم ماذا ؟. إذا كان هذا هو النصر فلماذا نفتش عن صلاح الدين؟، والله العظيم انني أتمنى أن أرى النصر كأيّ عربي ولو لمرة في حياتي.. لكني لا أريده هكذا نصرا بنكهة الهزيمة.