يروي تاريخ مصطلح اليوجينياEugenics عن احد اقوى مصادر التخوف من هيمنة سلطة العلم، اي اندماجها بين السياسة على نحو متماهٍ، ارتكازاً على تجارب وفظائع قاسية ومتوحشة قام العلم بالتمهيد لها وتبريرها. تلك قصة تحوّل العلم الجيني، مع كل ما رافقه من بهاء الترفع العلمي، الى محارق بشرية جماعية ألمانيا وتمييز عنصري وطيد مع إفناء عرقي قسري الولاياتالمتحدة والدانمارك والسويد. اواخر القرن التاسع عشر، نادى فرانسيس جالتون، اشهر علماء الوراثة في عصره، بضرورة استعمال التقدم العلمي لتحسين نسل البشر، تماماً كما هي الحال في النبات والحيوان. صاغ جالتون تعبير "يوجينيا"، الذي يعني باليونانية "الجينات السوية والكاملة" ويترجم كذلك ب"نبيل المحتد" وال"طيب الارومة"، كعنوان لدعواه التي ضمنها ضرورة العمل على التخلص من الاجناس التي "يثبت العلم" انها ادنى واقل كمالاً .... وجد جالتون في ابحاث ماندل سنداً لدعواه. توطد العلم اليوجيني سريعاً في انكلترا معمل جالتون لليوجينيا القومية واميركا مكتب السجل اليوجيني وألمانيا معهد القيصر فيلهلم لأنتروبولوجيا ووراثة الانسان واليوجينيا، مطلع القرن العشرين. وترافق الامر مع التوسع الاستعماري للدول الصناعية في دول "العالم القديم" آسيا وافريقيا. شكلت ابحاث ماندل سنداً للقول بأعراق انقى وأشد صفاءً ورقياً، ولمقولة تفوق الانسان الابيض التي راجت في الغرب ك"تبرير" لاستعمار باقي شعوب العالم. شهدت المانيا فصلاً دامياً من اليوجينيا، اذ وجد النازيون فيها دعماً مذهلاً لمقولات تفوق العرق الآري، وبالطبع استناداً الى العلم البيولوجي نفسه، الذي "يعوق رقيه" الاعراق التي تحمل صفات "منمطة" مثل الغجر واليهود والسود واليونان والعرب وغيرهم! باقي القصة معروف ومشهود له، وتمثل في الابادة الجماعية البربرية في داخاو واوشيفيتز وغيرهما من فظائع الحرب العالمية الثانية. تحت الدعاوى البراقة والعلمية لليوجينيا، تبنت 24 ولاية اميركية قوانين نقاء عرقي وارغمت مئات الآلاف من النساء على الاجهاض وانتزعت ارحامهن ومبيضاتهن قسراً، في ماعرف ب"التعقيم اليوجيني" وبرر ذلك بالحفاظ على نقاء العشيرة الاميركية. عام 1997، كشف عن استمرار عمل قوانين التعقيم اليوجيني، ذي الطابع الذكوري والعرقي، في السويد حتى منتصف السبعينات، على رغم صعود النسوية القوي في الخمسينات والستينات، وعلى رغم القوة الاجتماعية والثقافية للمرأة في ذلك البلد. يخشى جمع من علماء الوراثة والجينات المعاصرين مثل ليروي هود ودانييل كيفلس من عودة اليوجينيا مقنعة بستار العلاج الجيني والفحوص الجينية. للاستزادة يمكن مراجعة كتاب "الشفرة الوراثية للانسان"، سلسلة عالم المعرفة 217 من تأليف دانييل كيفلس وليروي هود، ترجمة الدكتور احمد مستجير مصطفى. عام 1998، نشر عالم الجينات في جامعة ويلز رايموند بيرد، مقالاً طويلاً فنّد فيه الاتجاه نحو تعميم الفحوص الجينية واعتبرها مقدمة لعودة مفاهيم اليوجينيا المظلمة. ورأى يبرد ان تعميم الفحوص الجينية يصلح مدخلاً لتمييز عنصري في طابع حديث وتكنولوجي وانه مقدمة لظهور العنصرية الجينية Genetic Rrcison والصراعات الطبقية الجينية Genetic Class ConFlicts. مئة عام من البيولوجيا 1900: البيولوجي الإنكليزي ويليام بتسون يعيد اكتشاف قوانين الوراثة التي وضعها غريغور ماندل 1865، بترجمتها والقول إنها تنطبق على البشر. في العام نفسه ألف سيغموند فرويد "تفسير الأحلام" وأرسى ماكس بلانك أسس الفيزياء الكمومية Quantum Physics. 1909: ظهور مصطلح "جين" Gene للمرة الأولى، وتبين أنه جزء من الكروموزوم Chromosome المكتشف منذ 1875 وأنه أساس الوراثة - الماندلية آنذاك. 1911: وليم دافنبورت يضع كتاب "الوراثة وعلاقاتها باليوجينيا" ويطرح فيه تطبيق اليوجينيا على البشر. وهو يعتبر من تلامذة فرانسيس جالتون، المنظّر الأول لليوجينيا. 1920: ظهور قوانين التعقيم اليوجيني في الولاياتالمتحدة. 1921: هيرمان موللر يضع أول وصف لوظيفة الجين المزدوجة في توجيه عمل الكائن وجسمه، وكذلك إعادة إنتاج نسخة عن نفسه. 1938: النازيون يمارسون أشكال الإبادة الجماعية اعتماداً على أفكار اليوجينيا. 1943: الفيزيائي ارفينغ شرودنغر يضع أول تصور لبقية شيفرة الوراثة بناء على قواعد الفيزياء الكمومية، في سلسلة محاضرات حملت اسم "ما هي الحياة؟". 1953: أضخم اختراق علمي في تاريخ البيولوجيا الحديثة. وضع جيمس واطسون وفرانسيس كريك أول وصف لحمض الوراثة DNA أو د ن أ باعتباره سلماً لولبياً مزدوجاً تتكون عتباته من تسلسلات بروتينات الوراثة وقواعدها. ونال واطسون وكريك جائزة نوبل على الاكتشاف. 1959: تحديد أول خلل كروموزومي في الإنسان "المنغلة" أو ظاهرة "داون". إطلاق موجة الفحوص الجينية ومشكلاتها. 1969: تشارلز دي ليزي وروبرت سيسنهايمر يناديان بإمكان الوصول الى "إنسان مخطط مسبقاً!!! 1973: اكتشاف ال"د.ن.أ" المطعم Recombinent DNA الذي سرع أبحاث الهندسة الوراثية، على يد ليروي هود. 1986: بعدما ترأس دي ليزي مكتب الطاقة وأمسك سيسنهايمر برئاسة جامعة كاليفورنيا للتكنولوجيا، أطلقا مشروع الجينوم ووضعا جيمس واطسون على رأس فرق البحث.