علمت "الحياة" من مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة على الاتصالات الأميركية الفرنسية المستمرة في شأن الوضع في جنوبلبنان وانتشار قوات الطوارئ الدولية فيه، ان هناك خلافاً في الرأي بين الولاياتالمتحدةوفرنسا على وجود فراغ أمني في الجنوب يتطلب انتشار قوة الأممالمتحدة حالاً ومباشرة. وقالت المصادر ان الولاياتالمتحدة تعتبر ان على قوات الطوارئ ان تعمد حالاً الى ملء الفراغ الأمني ولو رمزياً في البداية، بانتشار وحدات منها في بعض القرى الجنوبية، قبل تعزيز عددها. وأضافت ان الجانب الفرنسي يرى في المقابل ان ليس هناك فراغ أمني، وان لا داعي للاستعجال في ارسال هذه القوات، خصوصاً ان الأوضاع تتسم بالهدوء على الأرض بعد الانسحاب الاسرائيلي، وان التطورات مشجعة. وتريد فرنسا اتخاذ قرارها في شأن ارسال قوات طوارئ دولية بعد ان تحصل على ضمانات من لبنان بأن جيشه سينتشر في المناطق الجنوبية، ومن سورية بأنها ستعمل على إبقاء الأوضاع هادئة، ومن اسرائيل بأنها في حال وقوع هجوم على مناطقها الشمالية لن ترد في شكل يصعد المواجهات العسكرية. وهذا ما قاله وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين لنظيرته الاميركية مادلين أولبرايت خلال لقائهما في فلورنسا، في اطار قمة دول حلف شمال الاطلسي، على ما قالت مصادر ديبلوماسية غربية وأكد مصدر فرنسي مطلع ل"الحياة". وأعلن المصدر الفرنسي ان بلاده تلاحظ ان اسرائيل نفذت الانسحاب تطبيقاً للقرار الدولي الرقم 425 وان "حزب الله" أبدى موقفاً مسؤولاً، عبر تهدئة الأمور وتجنب اي عمل عنف، وعبر طمأنة القرى المسيحية في الجنوب، اضافة الى ان الدولة اللبنانية أكدت وجودها، عبر ارسال عناصر من اجهزتها الأمنية، ثم عبر زيارتي كل من رئيس الجمهورية والحكومة العماد اميل لحود والدكتور سليم الحص.وأضاف ان ما يقال لفرنسا إن الدولة اللبنانية ستنشر قوى الأمن الداخلي هو "مظاهر لوجود الدولة تشجعها فرنسا وتتمنى ان يحصل انتشار للجيش اللبناني". وتابع ان معلومات فرنسا تؤكد ان الجيش اللبناني مجهز وقادر على الانتشار في القرى المحررة ومن هذا المنطلق، فان فرنسا لا ترى حاجة الى الاسراع في نشر قوات الطوارئ. وتابع: "ينبغي ان يعود مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن الى مجلس الأمن مع خطة عسكرية يسلمه إياها الرئيس لحود في شأن نشر الجيش بجدول زمني واضح للتطبيق". وترى المصادر الفرنسية ان الادارة الاميركية تستعجل دفع قوات الطوارئ الدولية الى الانتشار مراعاة لموقف اسرائيل. أما المصادر الديبلوماسية الغربية فتؤكد ل"الحياة" ان الأولوية بالنسبة الى واشنطن استقرار جنوبلبنان وأمنه، ما يقضي بأن يسود الأمن كلاً من اسرائيل ولبنان، لا فقط اسرائيل. وترى فرنسا، خصوصاً رئيسها جاك شيراك، ان الحال الراهنة مناسبة لإيجاد ديناميكية تعيد الى لبنان استقلاله وسيادته وتحرره من الهيمنة السورية. والجانب الفرنسي أكد للجانب الاميركي ان على الولاياتالمتحدة ان تشجع لبنان، مثلما تفعل فرنسا، على نشر جيشه في القرى الجنوبية، وهو ما توافق عليه الولاياتالمتحدة لكنها ترغب في وصول القوات الدولية قبل ذلك. وتقول المصادر الفرنسية ان فرنسا توافق على تعزيز وجودها في قوات الطوارئ، اذا كان الجيش اللبناني سينتشر على الحدود، فيكون ذلك بمثابة ضمان من كل من سورية ولبنان بأن انتشار قوات الأممالمتحدة هو لمساعدة القوى العسكرية اللبنانية، في تمركزها، وفي هذه الحالة فان مدة وجودها ستكون لثلاثة اشهر فقط. وتعتبر فرنسا ان الاستعجال الاميركي في ارسال قوات طوارئ دولية خصوصاً انها لن تشارك فيها ميدانياً، وتلقي هذه المسؤولية كاملة على فرنسا، قد يؤدي الى حشر هذه القوات بين اسرائيل و"حزب الله" ويجعلها معرضة لضربات كل منهما، وهذا ما لا تريده فرنسا المصرة على ضمان أمن الحدود عبر انتشار الجيش اللبناني. وتقول المصادر الديبلوماسية الغربية إن انتشار الجيش اللبناني، من وجهة النظر الفرنسية، ضروري لكي تتمكن قوات الطوارئ من الانتشار الى جانبه، ولكي تبدأ في لبنان ديناميكية نحو التحرر والاستقلال. ويرى الجانب الفرنسي ان على الولاياتالمتحدةوفرنسا، الاستمرار في دعوة سورية الى تهدئة الأمور في الجنوب وعدم التصعيد. وتعتبر المصادر الديبلوماسية الغربية ان امكان اطلاق ديناميكية تحرر لبنان من الهيمنة السورية بدأت تتجلى الآن، وسورية منهمكة بأمورها الداخلية وبترتيب وضعها الداخلي. وتعتبر المصادر ان تقويم شيراك قد يكون صحيحاً، على رغم ان الادارة الاميركية تعتبر ان التأثير السوري في لبنان لن يتغير في المدى القريب او المتوسط، حتى لو كان هناك حل شامل بين سورية ولبنان واسرائيل. لكن الادارة الاميركية ترى ان التقويم الفرنسي قد يتحقق أو لا، وان تركيزها الآن هو على الوضع الأمني في الجنوب وإرسال قوات الطوارئ في اسرع وقت ممكن، وليس على مستقبل لبنان السياسي. وتتحرك فرنسا، في رأي الجانب الاميركي، لتحقيق ثلاثة أهداف هي: تنفيذ لبنان مسؤولياته في اطار القرار 425، ونشر القوات الدولية لمساندته، وإطلاق ديناميكية لتحريره من الوجود السوري. فهل هذا هو بالفعل أساس التفكير الفرنسي؟ تجيب مصادر فرنسية مطلعة ل"الحياة" "ان فرنسا تعتبر، في حال تحملت الدولة اللبنانية مسؤولياتها في الجنوب، ان ذلك سينشئ في المجتمع اللبناني حيزاً للتعبير عن المشاعر الوطنية والاستقلال".. وتختم "ان هذا لن يتم على صعيد الطبقة السياسية، وإنما في اوساط الشباب والمجتمع المدني، لكن فرنسا حريصة على ألا يتخذ ذلك طابع الصدام".