لم ينهض أهالي بلدات جديدة مرجعيون والقليعة وخربة برج الملوك من فراشهم على وقع الأهازيج والزغاريد وحلقات الدبكة التي أقيمت منذ الصباح الباكر في البلدات المجاورة احتفالاً بانسحاب إسرائيل وانهيار "جيش لبنان الجنوبي" الموالي لها، بل أيقظتهم التجاوزات التي حصلت في وقت مبكر والتي بقيت محصورة بسرقات لعدد من البيوت تركها أهلها، أو اضطر بعضهم الى تمضية ليلته مع أقاربه خوفاً من تدهور الوضع الأمني قبل أن تخلي الميليشيات بلداتهم. وبدلاً من أن يخرجوا من منازلهم الى الساحات العامة التي رفعت فيها الأعلام، وزينت بصور رئيس الجمهورية إميل لحود ظلوا قابعين فيها، بعد انتشار معلومات عن خلع مسلحين الأبواب مستخدمين مسدساتهم وأحياناً أسلحتهم الرشاشة، ليس بحثاً عن "مطلوب" بل لحمل ما يروق لهم من محتوياته. وكان عناصر الميليشيات ممن رفضوا الفرار الى إسرائيل سلموا أنفسهم الى قوى الأمن الداخلي بإشراف المطرانين الأرثوذكسي الياس الكفوري والكاثوليكي أنطوان الحايك، وبلغ عددهم نحو 250 شخصاً، إضافة الى أن التقارير التي وصلت إليهما لم تتحدث عن حصول أي حادث يحمل طابعاً انتقامياً. وكانت الشكاوى وردت بالعشرات منذ الصباح الباكر على المطرانيتين، وطلب أصحابها من المطرانين التدخل لدى المرجعيات الحزبية لوقف التجاوزات. وطرح ما حصل وجود تدارك الدولة هذه التجاوزات في القرى الثلاث، خصوصاً أنها تسرُق من وهج الانتصار الذي حققه لبنان والمقاومة. وفي الاتصالات لمعالجة الإشكالات، قال مرجع لبناني: "هذه فورة لن نسمح بأن تستمر، وسنقضي عليها في مهدها، ولا يجوز أن يحصل ما حصل وسنتخذ تدابير سريعة". وما أن أحيط المطران الكفوري بالأمر، حتى باشر والمطران حايك اتصالاتهما بالرئيس لحود وبرئيس المجلس النيابي نبيه بري وقادة قوى الأمن الداخلي والجيش. وتحولت دار المطرانية تدريجاً "غرفة عمليات" لمعالجة الإشكالات. وقام "مخفر" المطرانين الكفوري والحايك، بالتدقيق ببعض الحوادث فتبين لهما أن بعضها شائعات ولكن لم يكن من بد إلا التعاطي مع السرقات المحدودة التي حصلت. وتحولت لقاءات المطرانين مع الفاعليات التي جاءت تهنئ بالتحرير اجتماعات مغلقة ليبحث قمع المخالفات. وحضر تباعاً عدد من مشايخ "حزب الله" والنائب بهية الحريري ومسؤول الحزب السوري القومي الاجتماعي كمال الجمل، فاستنكروا ما حصل وانضموا الى حلقة الاتصالات بكبار المسؤولين. وعقد لاحقاً اجتماع موسع في دار المطرانية الأرثوذكسية حضره الى المطرانين، النائب علي حسن خليل أمل والشيخ نبيل قاووق مسؤول "حزب الله" في الجنوب، والجمل، للبحث في تجاوز المرحلة الانتقالية، الى حين إرسال القوى الأمنية الشرعية الى المناطق المحررة. وكان الكفوري والحايك ومن معهما بدوا مرتاحين الى الاتصالات خصوصاً بعدما علموا أن لحود توجه الى الجنوب، وأن تدابير أمنية عاجلة ستتخذ لقطع الطريق على من يحاول الإساءة الى الأحزاب خصوصاً أن مطاردات حزبية حصلت لعدد من اللصوص الذين اتخذوا من الأعلام الحزبية غطاء للاعتداء على الأهالي وتم التعرف الى هوية بعضهم. وما زاد في إلحاح الحضور على حصر اهتمامهم بملاحقة من يهدد المناخ الوطني بعد التحرير على رغم القلق النفسي الذي يسود بعض الأهالي لفرار أولادهم في عداد المتعاملين الى داخل إسرائيل، هو أنهم كانوا يتمنون لو بقيت عائلاتهم قدر عدد الفارين بنحو 1200 شخص من نساء وأولاد وعناصر. واعتبر بعض الحضور في اجتماعات المطرانية أن إخراج بعض الأغراض من منزل قائد "الجنوبي" اللواء أنطوان لحد أمر طبيعي. وقالوا: "لانسأل عن هذه المسألة ولكن لا يجوز السماح لأحد بتدمير المنزل الذي كان يقطنه لأنه صادره من شخص موجود وعائلته في الخارج". ولم يولد نزع تمثال الرائد سعد حداد عن قاعدته، مشكلة كذلك بالنسبة الى تدمير اللوحة التي تحمل أسماء الذين سقطوا في صفوف "الجنوبي". وحرص المطران الكفوري على الإعراب عن فرحته بانتهاء الاحتلال بعد النكبات التي حلت في ظله، إضافة الى دعوته الى الحفاظ، على الاستقرار وثقته برئيس الجمهورية وبتدخله شخصياً لوقف التجاوزات، وأيدته في موقفه الحريري التي شددت أيضاً على "ضرورة التنبه ريثما تحضر الدولة بأجهزتها ومؤسساتها". واعتبرت أن "المنطقة كانت رهينة في يد إسرائيل ومن حق الدولة أن تكون مسؤولة عنها وألا يكون هناك سلاح غير السلاح الشرعي". وأجمعوا على "أن استردادنا الأرض من الاحتلال يبقى ناقصاً ما لم نسترد أهلنا ونعمل معاً للحفاظ على المناخ الوطني". في طريق العودة من مرجعيون الى بيروت، سمعنا بحصول إشكالات بين المسلحين، وقيل لنا إن مسلحاً استخدم مسدسه ليفتح باب منزل غير مأهول، وقد فر عند اكتشاف أمره، واكتفى قريب صاحب البيت بالقول: "عضة أخوك ولا قبلة الغريب، ويكفينا ما أصابنا عندما أطلق الإسرائيليون النار على أولادنا عند بوابة فاطمة، التي أقام على مقربة منها "حزب الله" مهرجاناً خطابياً، ردد فيه المشاركون هتافات ضد أميركا وإسرائيل، وكانوا يقفون ومعظمهم يحملون السلاح ويركبون الملالات والدبابات التي استولى عليها الحزب من "الجنوبي"، على بعد أمتار من موقع للجيش الإسرائيلي، تولى أحد جنوده التقاط الصور.