في خطوة تهدف الى تأكيد حضور الدولة زار رئيس الحكومة اللبنانية الدكتور سليم الحص امس مدينة جزين، بعد 24 ساعة على انسحاب قوات "جيش لبنان الجنوبي" الموالي لاسرائىل منها مطمئناً الاهالي ومكرراً الدعوة الى العناصر الذين تركوا "الجنوبي" وبقوا في المدينة الى تسليم انفسهم، فيما سارعت ورش الخدمات العامة الى منطقة جزين لتصليح ما فاتها منذ 17 عاماً. انطلق الرئيس الحص من بيروت الى جزين حاملاً تحيات الرئيس أميل لحود، ومحطته الاولى كانت بلدة روم حيث استقبله النائب سليمان كنعان ومطران صيدا وصور للروم الارثوذكس الياس الكفوري ومحافظ الجنوب فيصل الصايغ والامين العام للهيئة العليا للاغاثة اللواء يحيى رعد وقائد منطقة قوى الامن الداخلي في الجنوب العميد فادي ماضي ورئيس بلدية روم جرجي عجاج الحداد وحشد من ابناء البلدة الذين نثروا الورد والرز عليه. وأطلقت النسوة الزغاريد مرحّبة. وتكرر المشهد نفسه في جزين التي وصل اليها الحص برفقة الامين العام للمجلس الاعلى للدفاع اللواء حسين عبدالخالق والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عبدالكريم ابراهيم والمستشار الاعلامي لرئيس الحكومة حكمة ابو زيد. وكان في استقباله امام مركز بلدية جزين النائبان علي الخليل وكنعان والنائب السابق ادمون رزق والسفير السابق سيمون كرم ونائب رئيس مجلس الجنوب جان مخايل. ولدى وصوله الى ساحة البلدة استقبله الاهالي بالتصفيق ونثر الرز والورد. وردّ الحص برفع يديه لتحية الناس وانتقل الى القصر البلدي حيث القى كلمة قال فيها: "انني أحمل اليكم تحيات لبنان كله، تحية صادقة لشعبنا الطيب الصامد في جزين. القلوب كلها متوجهة الى جزين ومنطقتها، والانظار شاخصة اليها. لبنان في عرس ومن حق اللبنانيين جميعاً ان يبتهجوا ويفرحوا بما تحقق انتصاراً للصمود وللمقاومة وللشرعية ولسيادة لبنان، وها انا بينكم، لاؤكد لكم سهر الدولة اللبنانية على مصالح جزين، وهي مستنفرة لتطلع عن كثب على حاجاتها. وبينكم اليوم مندوبون عن مجلس الانماء والاعمار والهيئة العليا للاغاثة ومجلس الجنوب، جاءوا لمواكبة حاجاتكم". وعن مصير الذين كانوا ضمن "الجنوبي" وتركوه، قال "ان من المفترض ان يسلّموا انفسهم الى القضاء، وعندنا قضاء عادل وستأخذ العدالة مجراها الطبيعي". وسئل: هل يُرسل المزيد من قوى الامن الداخلي الى المنطقة؟ أجاب "ان الدولة مستنفرة كلها لخدمة المنطقة، وموجودة هنا بكل فاعلياتها"، مشيراً الى "ان عدد عناصر قوى الأمن الداخلي يرتفع بحسب الحاجة". والقى رزق كلمة رحّب فيها "بالشرعية اللبنانية التي لم يراهن أهل منطقة جزين على غيرها طول هذه المدة". وقال "ان هذا العلم الذي رأيته حين دخولك القصر البلدي مرفرفاً، لم ينكّس مرة واحدة وهو مرتفع ولا علم غيره فوق الارض ولا في قلوب ابناء جزين". واضاف "ان مطالب جزين وأمنيتها تحققت في حضور الشرعية وفي وجودكم ولنا ملء الثقة بأن كل ما تحتاج اليه جزين هو في ضميركم". ووجّه تحية الى الرئيس لحود والجيش اللبناني. ثم توجّه الحص الى قائمقامية جزين وعقد اجتماعاً حضره وزير العمل والشؤون الاجتماعية ميشال موسى والنائبان الخليل وكنعان والمحافظ الصايغ وقائمقام جزين بالوكالة نبيه حمود واللواء عبدالخالق واللواء رعد واللواء ابراهيم، ونائب رئيس مجلس الانماء والاعمار بطرس لبكي ونائب رئيس مجلس الجنوب جان مخايل. واستمع رئيس الحكومة الى شرح من الصايغ عن مطالب البلدة والمنطقة المحيطة بها. وقال الحص "ان جزين اصبحت من المناطق المحررة وسنعاملها كما نعامل كل المناطق اللبنانية، والأمن في جزين كالأمن في كل لبنان ونتعاطى معه بالطريقة نفسها"، مشيراً الى "ان التنسيق قائم بين مختلف الاجهزة لتأمين الخدمات للمنطقة". وأشار الى ان محافظ الجنوب "سينسق بين مختلف أجهزة الدولة". وطلب من الصامدين في المناطق المحتلة "التشبث بالأرض والمزيد من الصمود والنضال، ولبنان كله معهم". ثم انتقل الحص الى تلة الرويسة المواجهة لموقع كفرحونة الذي لا يزال تحت سيطرة "الجنوبي"، حيث يشاد المبنى الجديد لسرايا جزين، ليضم كل ادارات الدولة العاملة في البلدة. واطلع القائمقام حمود على المراحل التي قطعها العمل في المبنى. وغادر الحص والوفد المرافق بلدة جزين بالحفاوة التي اسقبلا بها، وفور مغادرته اجرى اتصالاً من سيارته بالرئيس لحود، ونقل اليه تحيات ابناء جزين المحررة وفرحتهم بالتحرير، وأطلعه على مشاهداته في البلدة ومحيطها، وأبلغه انه ترك فيها محافظ الجنوب ونائب رئيس مجلس الانماء والاعمار ونائب رئيس مجلس الجنوب والمدير العام للمجلس والامين العام للهيئة العليا للإغاثة ليدرسوا حاجاتها وليعملوا على اتخاذ الاجراءات اللازمة في شأنها ويضعوا تقريراً تفصيلياً في حاجاتها. وأبدى الحص لدى عودته الى بيروت ارتياحه الكبير الى الزيارة وغبطته بتحررها من نير الاحتلال. الى ذلك، تسلّم آمر فصيلة جزين في قوى الامن الداخلي النقيب محمد مراد مهامه امس يعاونه رؤساء ثلاثة مخافر في المنطقة، على ان تعزز ببعض العناصر. وأمّ جزين امس عدد من النواب والشخصيات، بينهم النائبة بهية الحريري التي نقلت الى الأهالي تحيات الرئيس رفيق الحريري، منوّهة بصمودهم. وعاد بعض أهالي بلدة كفرحونة التي تضم مسيحيين ومسلمين إليها أمس للمرة الأولى منذ سنوات لتفقد منازلهم. وفي المواقف، قال رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في خطبة الجمعة امس "حين التقيت الرئيس لحود قبل أيام، أخبرته ان من اسباب زيارتي تحيته على موقف الجيش الذي عبّر عنه في ما يتعلق بتأييد المقاومة". واضاف "ان جزين حررها الله بارادة اللبنانيين وصمودهم ونحن على ثقة ان هذه النعمة لن تفسد، فالمقاومة والجيش والقوى السياسية ستكون حريصة على ان تجعل انتصار لبنان في جزين نقياً، لتنعم هذه المنطقة العزيزة بالسلام الشريف، سلام لبنان الحر الأبي، فلا نريد ان يحصل أي خطأ أو سوء ادارة لعملية جزين يجعل أهلها معرضين للخطر". وأثنى على مبادرة رئيس الجمهورية والحكومة بارسال فرق ميدانية لفحص الاحتياجات، داعياً أهالي جزين الى العودة اليها والى قراها. وقال المفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبدالامير قبلان، في خطبة الجمعة "اننا انتصرنا، لكن فرحتنا لن تكتمل ما دام شبر واحد من أرضنا محتلاً. وما الانسحاب من جزين سوى خطوة على طريق النصر الكامل، من ضمن الثوابت التي أعلنها لبنان وهي غير قابلة للمساومة". ودعا الى "معالجة افرازات الاحتلال الاسرائىلي لجزين عبر القضاء اللبناني، وعدم تحويل الموضوع قضية سياسية تفرّق ولا تجمع". ورأى السيد محمد حسين فضل الله، في خطبة الجمعة، ان الانسحاب من جزين "يؤكد للجميع ان المقاومة كانت وراءه بضغوطها العسكرية والامنية على الاحتلال، وان استمرار الخط الجهادي هو الذي يلحق الهزيمة بالعدو، فلا يحاولنَّ احد إرباك حركة المقاومة بالأساليب الانفعالية والعاطفية، في إثارة للمشاعر وتحريك للتهاويل من هنا وهناك". واضاف "ان أي منطقة تعود الى الوطن بتحريرها من الاحتلال تجعل الجميع، دولة ومقاومة وشعباً، مسؤولين عن استقرارها وحمايتها وتأهيلها كأي منطقة اخرى، وعلينا ان لا نجزىء الوطن وان نكفّ عن كل اللغو السياسي الذي قد يثير مشاعر طائفية لا مصلحة لاحد في إثارتها". وتابع "ان الوضع خرج من الحرب الداخلية ولم تعد هناك فرصة لأي حرب الا ضد الاحتلال، فليكن الموقف واحداً والحرب واحدة من اجل خروج المحتلين من ارضنا لتتحرر الارض والانسان، وعلينا الا نلتفت الى تهديدات العدو، لانها لا تمثل الا تغطية لهزيمته، وسينتصر لبنان بفضل وحدته الوطنية في خط المواجهة للعدو، ولنواجه المستقبل لاستكمال التحرير بالوقوف مع المجاهدين الذين يمثلون نقطة الضوء الكبيرة في هذا الظلام الواسع". وأعلن نائب الأمين العام ل"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم "ان جزين ستعيش كباقي القرى المحررة في كنف أهلها وفي ظل رعاية الدولة وفي تعاطينا لا نميز بين قرية محررة وأخرى لا في العلاقة ولا في التعاون ولا في مواجهة إسرائيل ولا في التضامن والتكاتف ... وتجربة المقاومة الإسلامية تراعي وضع الأهالي في كل المناطق وتنطلق بطريقة مدروسة في مواجهة الإحتلال، أما في ما يتعلق بالعدو فإنه سيتعامل مع جزين كما يتعامل مع غيرها لذلك على جزين أن تحصّن نفسها وتتعاون مع جاراتها على قاعدة مواجهة أخطار الإحتلال، لا على قاعدة الخوف من العودة إلى أحضان الوطن"، داعياً "العملاء الموجودين في جزين إلى أن يسلّموا أنفسهم للقضاء ... ولنترك للقضاء أن يأخذ مجراه". وسأل حزب الوطنيين الاحرار، رداً على القول ان الانسحاب من جزين محاولة لفك الارتباط بين المسارين اللبناني والسوري: "ألاّ يستنتج من ذلك ان وحدة المسارين مرتبطة باستمرار الاحتلال الاسرائىلي في الجنوب والبقاع الغربي؟". وطالب بتعزيز الوجود الرسمي في جزين، وبعدم التعاطي مع عناصر "الجنوبي" الذين وضعوا انفسهم في تصرف الشرعية كأنهم مجرمون خصوصاً انهم لم يلتحقوا بالشريط الحدودي. ودعا الى التحقيق معهم في مركز محكمة جزين "لتخفيف وطأة المعاناة الطويلة عن أهل المنطقة وتعزيز الثقة بالحكم".