عكس الوجود الأمني الكثيف بالقرب من المساجد المصرية أمس، والخطب التي ألقاها ائمة المساجد، حجم الأزمة التي يموج بها المجتمع المصري حول نشر رواية "وليمة لأعشاب البحر". وفي حين واصلت صحيفة "الشعب" التي فجرت القضية قبل نحو اسبوعين حملتها ضد وزير الثقافة فاروق حسني والمسؤولين عن نشر الرواية في مصر، قرر شيخ الازهر الدكتور محمد سيد طنطاوي تشكيل لجنة من علماء الأزهر واعضاء "مجمع البحوث الاسلامية" لفحص تقرير رفعه اليه رئيس الوزراء الدكتور عاطف عبيد اعدته لجنة علمية تضم مفكرين وعلماء انتهى الى عدم إدانة الرواية. وبدا مشهد سيارات الشرطة والاعداد الكبيرة من جنود الامن المركزي التي أحاطت مساجد بعينها في القاهرة وبعض المحافظات الأخرى مثيراً، ولم تقع أي صدامات بين المصلين وقوات الامن. لكن عدداً كبيراً من المساجد شهد استمراراً للحملة ضد وزارة الثقافة والرواية "المشكلة". وتحدث الخطباء عن "تجاوزات خطيرة تمارس ضد الدين الاسلامي" ولاحظوا "خلطاً ما بين مهاجمة الارهاب والتطرف ومهاجمة الدين نفسه". وبدا ان انتشار نبأ توجيه نيابة أمن الدولة تهمة "نشر مطبوعة تدعو الى العيب في الذات الإلهية" أول من أمس الى اثنين من المسؤولين عن نشر الرواية هما رئيس تحرير سلسلة "آفاق الكتابة" الاديب إبراهيم أصلان ومدير تحرير السلسلة القاص حمدي ابو جليل، منح الحملة على الوزارة دعماً جديداً اذ استند غالبية خطباء المساجد الى أن موقف الاجهزة الرسمية في الدولة وبينها البرلمان والأزهر والنيابة هو ضد نشر الرواية في مصر. ومعروف أن رئيس اللجنة الدينية في البرلمان الدكتور أحمد عمر هاشم، وهو في الوقت نفسه رئيس جامعة الأزهر، كان أكثر المسؤولين المصريين اعتراضاً على نشر الرواية حيث طالب بمحاسبة المسؤولين عنها ووصفها بأنها "لا تستحق إلا الحرق". وأدى هاشم صلاة الفجر أمس في مسجد المدينة الجامعية لطلبة الازهر ثم اجتمع مع الطلبة وطلب منهم فض اعتصام بدأوه الاسبوع الماضي عقب المصادمات التي وقعت بينهم وبين الشرطة، ووعدهم بحل مشكلة زملائهم المحتجزين. وقد اطلقت السلطات أمس طلاباً كانوا اعتقلوا عقب الصدامات. وصعّدت "الشعب" من حملتها ضد وزير الثقافة فاروق حسني، ووجه الدكتور محمد عباس الذي فجر القضية في الصحيفة نداء الى الرئيس حسني مبارك قال فيه "استحلفك بحق خالقك عليك. استحلفك بمن استرعاك علينا وجعل رعيتك أمانة في عنقك. استحلفك بحق القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم. استحلفك أن تصدر أوامرك الشخصية بمنع أي تعذيب نحو ابنائنا طلبة وطالبات جامعة الأزهر، وان توصي بهم خيراً تماماً كما لو كانوا ابناءك". ودعا عباس شيخ الأزهر الى ان يدافع عن دينه، كما استغرب "صمت مفتي مصر الدكتور نصر فريد واصل". واستخدمت الصحيفة عبارات حادة ضد حسني واعلنت رفض اصحاب الحملة ما جاء في تقرير اللجنة العلمية التي كان الوزير شكلها لفحص الرواية، وطالبت بتشكيل "لجنة قومية لفحص كل المؤلفات الكافرة والعاهرة". وحدد الأمين العام لحزب "العمل" السيد عادل حسين اسباب حملة الصحيفة ضد الرواية في نقطتين: الاولى "أن الرواية حوت سباً وإهانة للمقدسات وهذا امر لم يسبق حدوثه في مصر"، والثانية "ان يكون الفُجر منشور على يد الدولة وهو ما لم يحدث من قبل أيضاً في مصر". ورد حسين على انتقادات وجهت لاصحاب الحملة بأنهم لم يقرأوا الرواية قائلاً: "لا تتوقفوا كثيراً أو قليلاً عند ما اذا كان الغاضبون قرأوا الرواية بأكملها أم لا فهذا لا يهم ولا علاقة له بالموضوع فلسنا بصدد تقويم الرواية من الناحية الفنية وانما نتكلم عن الصفحات والفقرات التي حوت الفاظاً وصفات نأبى أن ننقلها للناس مرة أخرى". وفي المقابل وصف اصلان تفاعلات الأزمة التي تمارسها صحيفة "الشعب" والتظاهرات التي أسفرت عن جرح طلاب وطالبات في جامعة الأزهر وعدد من رجال الشرطة بأنها "هزل دموي"، وقال ل"الحياة": "على رغم كل التلفيقات والمتاجرة بالدين، ورغم أن الحملة لا تقوم على حقائق، إلا أنها يمكن ان تنتج كارثة". واعتبر أن الهجمة "موجهة للعقل المصري"، وأعرب عن أسفه لوجود مصريين "قبلوا أن يكون تخريب العقلية المصرية ثمناً لمقعد أو اثنين في البرلمان". وتابع: "من الواضح ان القضية ليست قضية رواية أو كتاب، فهناك سعي من تيار سياسي لإحداث مواجهة بأي ثمن واصرار على الاستهانة بقوة العقل المصري وحرية الثقافة المصرية واحساس زائف بالقوة". ولاحظ اصلان ان "الشعب" اجتزأت في عددها أمس مقاطع من تقرير اللجنة العلمية التي فحصت الرواية، ورأى أن ذلك "يعكس رغبة في التصعيد بأي ثمن". ولفت الى أن التيار الذي يقود الحملة "خسر ثقة المثقفين وتعاطفهم في قضايا اخرى". وأضاف "ان ما يحدث هو نوع من السادية تحول الى مازوشية، فأعداد من المثقفين الذين ساندوا الصحيفة في حملتها ضد وزير الزراعة يوسف والي ومن قبلها الحملة ضد وزير الداخلية السابق حسن الالفي صاروا على يقين بأن حملات الصحيفة المتتالية مجرد محاولات للظهور وافتعال معارك لتحقيق الوجود"، مشيراً الى أن كل المثقفين بمختلف تياراتهم عارضوا سجن رئيس تحرير "الشعب" مجدي احمد حسين. وأكد اصلان انه غير منزعج من اخضاعه للتحقيق من جانب نيابة أمن الدولة، وقال: "طالما أنني سئلت من جانب الجهة التي من حقها ان تسأل فلا مشكلة اما حملات التكفير والدعوة الى قتلي ومحاكمتي من جانب جهات أخرى فهي مرفوضة".