عهد رئيس الوزراء المصري الدكتور عاطف عبيد الى شيخ الازهر الدكتور محمد سيد طنطاوي بالفصل في النزاع القائم حول نشر رواية "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب السوري حيدر حيدر في مصر. ورفع عبيد تقريراً اعدته لجنة خاصة تضم مفكرين ومثقفين عن الرواية الى طنطاوي "للاطلاع على وجهات النظر الادبية والابداعية التي تناولها التقرير وإبداء الرأي في شأن ما اثير حول اساءة الرواية للاسلام"، وهي العبارات التي استخدمها المكتب الصحافي لرئيس الحكومة للاشارة الى التطور الاخير. لكن القضية شهدت تطورين آخرين مهمين، الاول التحقيقات التي اجرتها نيابة امن الدولة العليا مع اربعة من المسؤولين عن نشر الرواية في مصر وهم: رئيس هيئة قصور الثقافة علي أبو شادي ورئيس تحرير سلسلة "افاق الكتابة" التي صدرت عنها الرواية الأديب ابراهيم اصلان ومدير عام النشر الشاعر محمد كشيك ومدير تحرير السلسلة القاص حمدي أبو جليل. واستمرت التحقيقات اكثر من عشر ساعات بدأت في المساء وانتهت صباح امس باطلاق الاربعة بعد توجيه اتهامات إلى أصلان وأبو جليل بپ"نشر وترويج مطبوعة تدعو إلى العيب في الذات الإلهية والمساس بالدين الإسلامي والأخلاق العامة". أما التطور الثاني فجاء عبر بيان أصدره 60 من علماء الأزهر تضمن نداءً إلى الرئيس حسني مبارك دعوه فيه إلى "التدخل لوقف جرائم وزارة الثقافة وتطهيرها من كل من أساء الى الدين والوطن والأخلاق وبددوا المال العام". ورد العلماء، وغالبيتهم أعضاء في "جبهة علماء الأزهر" التي حُلت العام الماضي بعد تفجر الخلافات بين أعضائها وشيخ الأزهر بعد استقبال الاخير للحاخام اليهودي لاو في مقر الأزهر نهاية العام 1997، على كلمة ألقاها وزير الثقافة فاروق حسني في البرلمان أول من امس اعتبر فيها الحملة على الرواية "محاولة لإلصاق التهم بالوزارة وأكاذيب تهدف الى التربح السياسي لإرضاء طموحات سياسية وانتخابية دون مراعاة لما يمكن أن يثيره ذلك من تهديد للأمن العام"، ورأى بيان العلماء "أن وزارة الثقافة دأبت منذ سنوات على اصدار مطبوعات استهدفت أخص خصائص الأمة في العقيدة والأخلاق والسيرة النبوية". وعدّد اسماء كتب صدرت عن هيئات وأجهزة تابعة للوزارة، ثم أضاف "تلك الحقارات ينفق عليها من حر مال الدولة وتغرق بها الأسواق بأزهد الأثمان. والدستور جعل الأسرة أساس المجتمع وقوامها الدين والأخلاق في حين تبدد وزارة الثقافة أموال الأمة في تدمير الشعب وإشاعة الرذائل بين جموعه ما نتج عنه سلوكيات تنذر بالشر وعظائم الأمور". وأعتبر البيان أن مطبوعات الوزارة "ضمت إلى تدمير الأخلاق تطاولاً سافراً على المقدسات الدينية من سخرية بالذات الإلهية والقرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم". ووصف رواية "وليمة لأعشاب البحر" بأنها "طامة كبرى". ورداً على بيان حسني في البرلمان ووصفه للرواية بأنها "ليس فيها ما يسيء للإسلام" وأنها "تدعو للعقيدة والإيمان وتبجيل الإسلام"، قال بيان علماء الأزهر "إن الرواية تطفح بكل قبيح من القول ورذيل الأعمال". ووجه البيان الحديث الى الرئيس مبارك قائلاً: "إن علماء الأزهر الشريف يناشدونكم سرعة التدخل شخصياً لوقف تلك الجرائم وتطهير وزارة الثقافة من كل من أساء الى الدين والوطن والاخلاق وبدد المال العام في ما يضر الأمة". واللافت أن البيان خرج عن قضية الرواية وتطرق الى أمور سياسية أخرى إذ ناشد العلماء مبارك "رفع الحصار عن الدعاة المخلصين الذين يعرفون كيف يدعون إلى الفضائل ويحاربون الرذائل بالحكمة والموعظة الحسنة حسبة خالصة لوجه الله". وفسّر مراقبون العبارة على أنها "إشارة الى رموز جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة"، وكذلك "التدخل لإعادة الوحدة الى صفوف علماء الأزهر وجمع كلمتهم على ما فيه الخير للبلاد ورفع الظلم عن بعضهم من بعضهم حتى يتفرغوا لأداء حق البلاغ عن الله تعالى ومعاونة الدولة في دفع مطاردة الفساد والمفسدين". واتسق بيان علماء الأزهر مع بيان اصدره رئيس اللجنة الدينية في مجلس الشعب البرلمان رئيس جامعة الأزهر الدكتور أحمد عمر هاشم أكد فيه أنه تم سحب رواية "وليمة لأعشاب البحر" من الأسواق وأنه أبلغ طلبة الجامعة الذين تظاهروا يوم الاثنين الماضي، وما زال عدد منهم معتصماً داخل المدن السكنية للطلبة والطالبات "أن النيابة العامة أصدرت قراراً بإجراء التحقيق مع المسؤولين عن إصدار الرواية، كما تم تشكيل لجنة مشتركة من أعضاء لجنتي الثقافة والشؤون الدينية في مجلس الشعب للحكم على الرواية واتخاذ الإجراءات اللازمة حيالها". وتبنى هاشم منذ تفجر القضية موقفاً معارضاً لنشر الرواية في مصر، وهو كان اصدر بياناً يوم الاثنين الماضي طالب فيه بمحاسبة المسؤولين عن نشرها ووصفها بأنها "لا تستحق إلا الحرق". ووسط أجواء تنذر بضربة متوقعة إلى جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة بعدما ترسخ الاعتقاد بأنها "ركبت موجة قضية الرواية وعمدت إلى تحريك التظاهرات في الأزهر"، واصل مثقفون مصريون جهوداً لحشد أكبر عدد منهم في مؤتمر سيعقد بعد غد الأحد في مقر نقابة الصحافيين تحت لافتة "التصدي للحملة على حرية الإبداع في مصر". وكانت احتفالية خاصة بمناسبة صدور كتابين جديدين للناقد الراحل علي الراعي 1920-1999 نظمتها لجنة القصة في المجلس الاعلى للثقافة مساء اول من امس في القاهرة تحولت الى مهرجان تضامن مع حرية الابداع أ ف ب. فخلال الندوة الخاصة التي نظمت في الذكرى الاولى لرحيل الراعي وبمناسبة صدور كتابين جديدين له بعد رحيله، تحدث جابر عصفور الامين العام للمجلس الاعلى للثقافة امام الجمهور الذي ملأ القاعة مهاجماً الحملة التي شنتها صحيفة "الشعب" و"القوى الظلامية" على رواية "وليمة لاعشاب البحر". واعتبر عصفور ان هذه "الحملة تستهدف الابداع والتنوير.