} أغمضت عينا ريمون اده، أحد أهم رموز الزعامة المسيحية التقليدية في لبنان، قبل ان يشهد من منفاه الاختياري في باريس منذ العام 1976، الانسحاب الاسرائيلي المرتقب بعد اسابيع قليلة من الاراضي اللبنانية، هو الذي كان ينتظره ويشترط حصوله كذلك انسحاب القوات الاجنبية قبل العودة الى موطنه. راجع ص8 توفي امس أحد أبرز وجوه السياسة اللبنانية، عميد الكتلة الوطنية، الوزير والنائب السابق ريمون اده، عن 87 عاماً، في باريس حيث اختار الاقامة منذ العام 1976. أقام "العميد" في فندق "برانس دوغال" الباريسي، ثم انتقل الى فندق "كوين اليزابيث"، حيث كان يفتح بابه كل يوم احد امام جميع اللبنانيين ليسمعوه يقول: "لن اعود الى لبنان الا بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي والجيش السوري منه". لكن "العميد" توفي قبل ان يتسنى له مشاهدة الانسحاب الاسرائيلي من جنوبلبنان. وكان "العميد" احتفل بعيد ميلاده السابع والثمانين، في 15 آذار مارس الماضي في مطعم يحمل اسم "لودويان" العميد بالفرنسية، الذي اختاره صديقه انطوان توفنكجي، مع مجموعة من الاصدقاء، الذين لاحظوا عند اطفائه الشموع على قالب الحلوى، مسحة من الحزن على وجه "العميد"، وقال بعضهم امس "كأنه كان يدرك ان عيده هذا قد يكون الاخير". بدأ ريمون اده يعاني منذ فترة حالاً من التعب، ولم يرغب في كشف ذلك، تجنباً لإزعاج اصدقائه. وعندما تدهورت حاله الصحية الاسبوع الماضي، توجه من دون ابلاغ احد الى احد المستشفيات القريبة من باريس. ولدى اتصال "الحياة" بفندقه قبل يومين للسؤال عنه، أُجيبت بأن "العميد" غائب عن الفندق لبضعة ايام. نُقل "العميد" بعد وفاته امس الى منزل شقيقه الراحل بيار اده في باريس، وكان ابن شقيقه كارلوس اده وصل من البرازيل. وكثيراً ما كان "العميد" يردد: "سرّ صحتي الجيدة وشبابي الدائم هو عدم اقبالي على الزواج، وعدم تحمّلي مسؤوليات متعبة". كان "العميد" قريباً من عائلة شقيقه وشقيقته اندريه مونييه، وكان فخوراً بالإبن الثالث لكارلوس الذي يحمل اسمه "ريمون". فكلما زاره صديق كان يبرز صورة ريمون الصغير جالساً على حضنه. لم يمر يوم على "العميد" منذ اختار المنفى إلا وكان على اتصال بلبنان لمعرفة آخر التطورات، صغيرها وكبيرها، معلّقاً ومحلّلاً وموجّهاً. وكلما كان هناك حدث على صلة بلبنان، كان يرسل بيانات او مواقف او توصيات، الى الرئيس الفرنسي جاك شيراك، عبر اوساطه. و كان يحرص دائماً على الاتصال للتأكد من ان الرئيس شيراك اطلع على مواقفه. وغالباً ما كان يروي كيف ضرب أحد موظفي الامن في مطار بيروت، بسبب منعه الصحافيين من التقاط صور للطائرات ال13 التي دُمّرت خلال غارة اسرائيلية على المطار عام 68. وكان "العميد" الذي فتح بابه أمام الصحافيين، ولم يكن يفوّت جلسة الا ويعرض خريطة لبنان، شارحاً المطامع الاسرائيلية بالمياه اللبنانية، دائم الرفض لتسجيل مذكراته. حضر ريمون اده قداساً أُقيم لراحة الشيخ خليل بشارة الخوري قبل شهر تقريباً، وكان في القداس اركان المعارضة اللبنانية الرئيس السابق امين الجميل والعماد ميشال عون، اللذان كان ينتقدهما بشدة ولم تكن له معهما اي علاقة حتى على الصعيد الاجتماعي. اتصلت "الحياة" بالسيدة علياء الصلح ابنة رئيس الحكومة السابق رياض الصلح، التي كانت تربطها علاقة صداقة واحترام عميقة بالعميد اده، فقالت بصوت شديد الحزن ان "لبنان فقد السياسي الوحيد الذي كان لديه برنامج وطني وليس برنامج حكم". واضافت السيدة علياء ان "العميد" لم يكن "فقط محباً للحرية ومطالباً بها لبلده لكنه جسّد الحرية بكل معانيها فكان يرفض رئاسة الجمهورية اذا كان ثمنها التنازل عن حرية لبنان". وكان آخر عشاء حضره مساء السبت في منزل الزميل ياسر هواري وزوجته ليلى اللذين لاحظا ارهاقه الكبير. وتولى ابن شقيقته كارلوس امس مسؤولية مراسم الدفن، ومن المتوقع ان يُنقل الجثمان الى لبنان بعد قداس يقام على روحه في باريس. وفي الشارع الذي يحمل اسم والده في رأس بيروت، حيث يقع منزل الفقيد، سُجلت حركة غير اعتيادية في محيطه. توافد الاقارب وفي مقدمهم ابن عم الفقيد الوزير السابق ميشال اده ووديع الخازن، فيما راحت شقيقة الفقيد السيدة ليلى سعد تساعدها نسيبات لها في ترتيب محتويات المنزل لاستقبال المعزّين وقد خيّم على الحضور الحزن والصمت. وأغرورقت عينا الوزير السابق بالدموع وهو يتحدث هاتفياً مع ابن اخ الفقيد كارلوس الذي يشرف على نقل جثمان الفقيد الى بيروت، ويتوقع ان يصل غداً الجمعة. وقال أحد أقارب الراحل ان الجنّاز سيُقام في كنيسة مار جرجس الوسط التجاري وكان "العميد" فرح كثيراً لإعادة ترميمها، فاذا بالكنيسة تستقبل جنّازه فيها.