أثار التجاهل اللبناني الرسمي للرئيس الفرنسي جاك شيراك لدى وصوله إلى بيروت أمس لتقديم واجب العزاء في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري تساولات العديد من المراقبين حول المدى الذي يمكن أن تصل اليه العلاقات بين البلدين في ضوء الجفاء الذي يعتريها حاليا. ويرى المراقبون أن غياب الرئيس اللبناني اميل لحود أو وزير الخارجية عن استقبال شيراك لدى وصوله يشكل رسالة غير مباشرة بشأن رفض لبنان لموقف فرنسا الداعم لواشنطن في اصدار قرار مجلس الامن 1559 وممارسة الضغوط على كل من بيروت ودمشق باتجاه تطبيقه. ورغم أن شيراك أكد في تصريحات قبيل مغادرته باريس متوجها الى بيروت لمشاطرة أسرة صديقه الحميم العزاء صداقة فرنسا الراسخة للبنان الا أن ذلك لم يشفع له على ما يبدو في تبديد حالة الجفاء التي تعتري علاقته مع لحود منذ اقرار مجلس النواب اللبناني لقرار التمديد للرئيس لحود مدة ثلاث سنوات اضافية وهو الامر الذي عارضته فرنسا بشدة. يذكر أن مدير المراسم في وزارة الخارجية اللبنانية السفير مصطفى مصطفى والسفير الفرنسي في بيروت برنار ايمييه إلى جانب عدد من أفراد أسرة الحريري كانوا في استقبال شيراك لدى وصوله الى مطار بيروت وهي المرة الاولى التي يلقى فيها الرئيس الفرنسي هذا الاستقبال الفاتر على الرغم من أن العلاقات بين البلدين خاصة في عهد حكومات الحريري كانت ممتازة .. كما أن اللبنانيين يعتبرون فرنسا على الدوام الام الحنون للبنان. وعلى الرغم من الطابع الشخصي لزيارة الرئيس جاك شيراك وقرينته الا أن هذا التجاهل الرسمي اللبناني لايمكن ابعاده عن تطورات العلاقات بين البلدين منذ قرار التمديد للحود وما تبعه من تداعيات مازالت مستمرة بعد صدور القرار 1559. كان شيراك حريصا في تصريحه لدى وصوله على مخاطبة الشعب اللبناني موكدا استنكار وغضب المجتمع الدولي لهذه الجريمة النكراء التي توصف وكانها تأتي من عصر مضى وطواه الزمن. وفي محاولة لتبديد الهواجس حول عدم استقبال اي من المسؤولين اللبنانيين للرئيس الفرنسي خلال الزيارة.. ذكرت مصادر الوفد المرافق لشيراك أن الرئيس الفرنسي أراد هو وزوجته الحفاظ على الطابع الخاص لزيارتهما للبنان لتحية ذكرى رفيق الحريري وتقديم واجب العزاء لعائلته.. وقالت هذه المصادر انه في هذا الاطار لم تجر أية اتصالات أخرى في لبنان بأي شكل. كان شيراك وقرينته قد قدما العزاء لاسرة الحريري وجلسا الى جانب زوجته وأولاده في مشهد وصف بالحميمية والعائلية نظرا للصداقة المتينة التي ربطت بين الحريري وشيراك على مدى سنوات طويلة. وعقب تقديم واجب العزاء.. أشار نجل الحريري سعد الدين إلى أن شيراك يعتبرنا كأبنائه ونحن نعتبره كوالدنا وهو يعرف معنى الصداقة. ويرى المراقبون أن الجفاء الرسمي الذي استقبلت به بيروت الرئيس الفرنسي جاك شيراك «على الرغم من أن زيارته شخصية» سينعكس سلبا على العلاقات المتأزمة أصلا بين البلدين. ومن الموكد أن غياب الحريري سيزيد من تأزم العلاقات بين باريس ودمشق باعتباره كان المفتاح الاساسي والضامن الرئيسي لهذه العلاقات وتوظيفها لخدمة مصالح لبنان ليس فقط في فرنسا ولكن على الساحة الاوروبية كاملة وهو ما عكسته سابقا المواقف الفرنسية الداعمة للبنان في المحافل الاوروبية والدولية. ولعل احتضان فرنسا لمؤتمر الدول المانحة للمساعدات للبنان سواء في باريس 1 أو باريس 2 يعد أكبر مثال على الدعم الفرنسي الكامل لجهود لبنان في مجال الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي من خلال تأمين القروض والمساعدات اللازمة لمشروعات الاصلاح والتنمية. وبعد غياب الحريري والذي واكبه غياب السلطة اللبنانية عن المشاركة في تشييع جنازة أو تقديم واجب العزاء لاسرته فان شيراك الصديق الوفي للحريري لن يكون داعما لموقف هذه السلطة وهو ما يؤشر لمزيد من التأزم في العلاقات خلال المرحلة المقبلة.