إذا كانت أخبار "الانقلاب" في إيران مجرد اشاعات وسط صخب المواجهة بين أجنحة النظام وبين ألسنة الاصلاحيين، صحفاً وإعلاميين ورجال دين، فالحقيقة الأكيدة ان تعهد "الحرس القديم" عدم السماح بتكرار مواجهات الصيف الماضي، يشحذ أسلحته استعداداً لما هو أسوأ. والأسوأ، على لسان المرشد خامنئي، هو تضخم "قواعد العدو" - الذي ما زال أميركياً - في صحف الاصلاحيين. لذلك، ما أن نطق المرشد حتى انقض القضاء على 12 من هذه الصحف، فيما الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي يلجأ إلى رأس النظام نفسه، الذي ضيّق الخناق على الحريات منذ الثورة، ويعتبر أن الكلمة الأخيرة لخامنئي. في ساعات قليلة، حصلت "مجزرة الصحافة"، والرئيس الذي كان راعي الاصلاحيين منذ وصوله إلى القصر، وقف في ميدان الحرية وعينه على عدو آخر، غير عدو خامنئي، ولكن لا أحد يعرف من هو!... فإيران دائماً "مهددة"، ولا يهدأ صخب الحديث عن المؤامرات. والأسوأ أن يقف خاتمي في ميدان الحرية ليدعو إلى تعزيز قلاع "الحرس القديم"، "الحرس الثوري" والميليشيا، فيما أنصاره يساقون إلى السجون بذريعة "تشويش الرأي العام" وخدش مشاعر المرشد. ساعات قليلة بين دفاعه عن الحقوق الأساسية ومهاجمته مصادرتها، وبين صمته عن تكميم أفواه الذين حملوه إلى قصر الرئاسة، لتحقيق آمال جيل ما بعد الثورة. أما حرس القصر فكان مشغولاً بمنع حرق العلم الأميركي! خطوة إلى أمام خطوتان إلى وراء، قد تترجم أحوال خاتمي مع الخصوم الذين لا يجرؤ على تسميتهم، لأنه يدرك سطوتهم، واختباءهم دائماً تحت عباءة الثورة وقيم النظام الإسلامي. ولكن هل يعفيه أو ينفعه الرهان على الوقت، بانتظار دخول الاصلاحيين الفائزين مبنى البرلمان الجديد؟ لعل ما يحصل في سياق الهجمة الشرسة للمحافظين مجرد رسالة، وتلك مجرد بداية. أما عنوانها فهو ببساطة موجه إلى الرئيس: المجلس الجديد لن يجرؤ على المس بالخطوط الحمر للنظام وحماته. ولا يكفي الأنصار، الذين خذلهم خاتمي مرتين، بعد اقتحام الحي الجامعي وفي "مجزرة" الصحافة، مجرد الكلام على أن قمع الناس ليس من مهمات الجيش، فالأجنحة كثيرة وعصا "الحرس" والميليشيا كفيلة بهذه المهمة. الأسوأ من الانقلاب واشاعاته التي نجحت في ترهيب الرئيس للجم لسانه، هو أن إيران باتت أقرب إلى اللحظة الحاسمة: اما استسلام القصر لكل أيادي المرشد، وإما استقالة سيده... وإما الحرب الأهلية. إن بطش المتشددين والمحافظين بخصومهم كفيل بتعطيل قدرة خاتمي على ضبط أنصاره الذين يتململون من عجزه عن حمايتهم. والبديل الوحيد يتجسد في الشارع، بشرارة صغيرة، فحين تصدر إحدى الصحف بحملة على "المافيا المتعطشة للسلطة"، إنما تترجم نفاد صبر بعدما طفح كيل الاصلاحيين بقمعهم. و"المافيا" ليست هنا سوى أجنحة النظام، بما فيها القضاء ورجال الدين المتشددون. هؤلاء، بعدما بدأ خاتمي عهده ب"عصر الحريات"، نجحوا في "عصرها".