خمسة أيام هزت ايران... ومعظم الأرصدة الشعبية التي "قطفها" الرئيس محمد خاتمي منذ فوزه الكاسح في انتخابات الرئاسة. وبعد اخماد "ثورة الطلاب" باتت المعادلة نصراً كاسحاً ل"الحرس القديم" للثورة وعلى رأسه المرشد خامنئي في مواجهة "اللصوص والمتآمرين"، وضربة قاسية للرئيس الذي احتمى به الطلاب في مواجهة قمع الشرطة والميليشيا، فإذا به يحتمي بالنظام وشعاراته! لم يكن أمام خاتمي سوى تجرع "الكأس المرة"، لأن الثورة على الثورة لم يحن وقتها بعد، ولأن "المؤامرة" هي الكلمة الوحيدة التي توحد الجميع في ايران ومخاوفهم وتبرر رد الفعل لديهم، "انكشف" ان التحول في موقف الرئيس الاصلاحي من ابداء تعاطف مع الطلاب الى التهديد بقمع "انحرافاتهم" كانت وراءه "خطة" لتنفيذ انقلاب عسكري يطيح رأس الاصلاحيين! "شبح" بني صدر يطارد خاتمي منذ الأشهر الأولى لتسلمه مفتاح الرئاسة، وسيبقى يلاحقه، على رغم انكفائه الكبير الى ظل مرشد الثورة. ورفعه الغطاء عن دعاة حرية التعبير، المحتجين على اغلاق صحيفة "سلام"، سيفرض عليه التراجع أكثر وراء سطوة "الحرس الثوري" والميليشيا، عصا النظام التي لا يتخلى عن استخدامها في الشارع كلما شعر الحرس القديم بأن "العصاة المتآمرين مع اميركا واسرائيل" يزحفون الى مواقعه تحت غطاء شرعي: صوت الرئيس. خسر خاتمي الكثير لدى قواعده الشعبية، لدى الشبان والمرأة والطلاب والصحافيين، على رغم ان حال الفوضى التي تترك نوافذ كثيرة للمنتفعين من الانقضاض على الاستقرار في ايران، تبرر للرئيس "انحيازه" الكامل الى النظام، أو بالأحرى نظام المرشد... على رغم ان المعركة الضارية في الشوارع لم تكن سوى فصل من فصول المواجهات الصامتة حيناً والصاخبة أحياناً بين جناح خاتمي وأجنحة خامنئي. وبديهي ان الأضرار التي اصابت التيار الاصلاحي تفوق بكثير ما لحق بالمباني العامة في طهران وتبريز من تهشيم، على الأقل لأن "حرب الشوارع" انتهت الى نتيجة لا تسرّ الرئيس أبداً: الجيش والميليشيا و"الحرس الثوري" و"أنصار حزب الله" لم يتوحدوا مثل حالهم اليوم إلا مرتين، مع صعود جمهورية الخميني، وفي مواجهة القوات العراقية خلال حرب السنوات الثماني. وما انتهت اليه "ثورة الطلاب" من حرائق وعنف، أياً يكن الفاعل، بعدما افتعلت قوى المتشددين المواجهة، سيجعل الحرس في حال استنفار، يحصي على الرئيس أنفاسه، وينتزع بسهولة مباركة المرشد لاجهاض أي مشروع كان خاتمي يراهن على تمريره من خلال سياسة الجرعات، ليوطد أرصدة تياره قبل الانتخابات البرلمانية في العام ألفين. وليس مبالغة القول ان الأيام الخمسة كانت سيناريو جاهزاً في روزنامة المتشددين الذين ادركوا أن الخصوم، أنصار الرئيس، يتسللون الى النظام بهدوء، لقضم أجنحته، في كر وفر يتكرر منذ انتخاب خاتمي، وأن الفترة الباقية حتى استحقاق 2000 تتطلب ضربات استئصال، لتفادي خسارة البرلمان. كان من مصلحة الحرس القديم ان يظهر دعاة الحرية وحماية الصحافة وحقوق المواطنين المحاصرين في عنق الأزمة الاقتصادية... دعاة عنف وتحريض على احراق النظام، لذلك كانت معركة استفزاز الطلاب لحرق أرصدة خاتمي.