من المتوقع أن يتظاهر اليوم مئات الآلاف في منطقة القبائل في الجزائر، احياء للذكرى ال20 لتظاهرات "الربيع البربري"، وهي ذكرى قيام السلطات الجزائرية في 20 نيسان ابريل 1980 بقمع تظاهرات تدعو إلى الاعتراف باللغة البربرية كلغة رسمية في البلاد. وجاءت تظاهرات 1980، والتي انتهت بإعلان تأسيس "الحركة الثقافية البربرية" كرد على إضراب الجامعات الذي حركه التيار العروبي والإسلامي في نهاية 1979 للمطالبة بتعميم استعمال اللغة العربية في الثانويات والجامعات، بعدما وعدت الحكومة، آنذاك، اصلاح واسع للمنظومة التعليمية يراعى فيه مطلب التعريب. وذكرت أوساط قريبة من "الحركة الثقافية البربرية" ان المسيرات والتظاهرات التي تقرر تنظيمها في أكثر من خمس ولايات في الوسط الجزائر وتيزي وزو وبجاية وبومرادس والبويرة ستطالب باعتماد الأمازيغية لغة وطنية في الدستور. وكان لافتاً انقسام "الحركة الثقافية البربرية"، والتي تدعمتها الأحزاب البربرية مثل "التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية" و"جبهة القوى الاشتراكية"، إلى أجنحة وتكتلات بسبب ميولها الحزبية وتباين المواقف من الحكومة في معالجتها هذا الملف الذي يكتسي حساسية خاصة. وكان الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة أوضح قبل فترة أن "اللغة الامازيغية لن تكون اللغة الرسمية في الجزائر، ولن تكون لغة وطنية إلا عبر استفتاء يقول من خلاله الشعب نعم أو لا". ويبدو واضحاً من خلال موقف الرئاسة أن مسألة تعميم استعمال اللغة الامازيغية كلغة رسمية مستبعدة بصفة كلية، وان الباب مفتوح فقط لتحويلها لغة وطنية. وصارح بوتفليقة عندما زار منطقة تيزي وزو 110 كلم شرق العاصمة لمناسبة الاستفتاء على مسعى الوئام المدني في أيلول سبتمبر الماضي، السكان بموقف الحكومة من قضية الامازيغية، وذلك للمرة الأولى بعدما كان الخوض في هذا الموضوع من الممنوعات. وممن قاله الرئيس الجزائري: "لا مانع ان يكون للامازيغية قانونها الأساسي كلغة وطنية، لكن لتحقيق ذلك ينبغي ان يقول الشعب كلمته في الموضوع"، عبر استفتاء شعبي يرجح ان يكون مع التعديل الدستوري المقبل. وترددت أنباء قبل أكثر من سنة عن ان الدكتور سعيد سعدي، زعيم "التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية"، اشترط على بوتفليقة، في مقابل دعمه ومشاركته في الحكومة، أن يتم ادراج الامازيغية في الدستور كلغة وطنية وهو المطلب "الحلم" لملايين البربر في الجزائر. وللمرة الثانية في ظرف خمس سنوات، تفتح رئاسة الجمهورية ملف الامازيغية في الجزائر، وإن كان لجوء الرئاسة إلى مفاوضات مع الحركة الثقافية البربرية في 1995 فرضتها تصاعد الحركة الاحتجاجية ضد السلطلت بعد إضراب في المدارس استمر 9 أشهر، فإن تعامل بوتفليقة مع الملف هذه المرة تميز بكونه ارادياً ونابعاً من فلسفة جديدة تتسم أساساً بالحزم والصرامة مع ترك هامش محدود للنقاش. وتمهيداً لفتح نقاش وطني حول الامازيغية، اشترط بوتفليقة على كل الفصائل الممثلة "للمطالب الامازيغية" ضرورة إبعاد هذه اللغة عن الاستعمال السياسي أو الايديولوجي، والتعامل مع هذا الملف من منطلق وطني، بمعنى أن الملف يرفع للشعب الجزائري كله ليفصل فيه بعيداً عن النظرة الجغرافية مع الامازيغية، ومن عرض المسألة لمناقشة عامة وموسعة، خصوصاً ان هناك 13 لهجة امازيغية في الجزائر. وبحسب بعض الأوساط، يتوقع ان يعمد بوتفليقة إلى تشكيل لجنة وطنية موسعة لدراسة الملف وتقديم اقتراحات عملية في شأنه، كما يتوقع بالموازاة مع ذلك، اصدار قرار بحل المحافظة السامية للامازيغية، نظراً إلى كونها هيئة محدودة التمثيل، فضلاً عن عجزها على استيعاب التناقضات المختلفة لملف اللغة الامازيغية. وبذلك يكون بوتفليقة حقق المزيد من التقدم في مسعى تجريد المعارضة من أوراقها السياسية في خطوة لخلق معارضة تنطلق من أفكار وبرامج بدل استغلال مكونات الهوية لضمان استمرارية المعارضة.