عاد الملف حركة العروش البربرية ليطفو من جديد على سطح الأحداث السياسية في الجزائر، منذ دعوة رئيس الحكومة أحمد أويحيى، يوم 4 يناير الجاري تنظيم العروش، إلى استئناف الحوار الذي توقف في 7 فبراير 2004، على خلفية رفض العروش البربرية عرض مطلبهم المتعلق بترسيم الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية على الاستفتاء الشعبي، وإصرارهم على التطبيق الكلي وليس الانتقائي لبنود لائحة «أرضية القصر» التي تضم 15 مطلبا غير قابل للتفاوض. وفي الوقت الذي اعتبرت أوساط إعلامية وحزبية، استجابة مندوبي العروش البربرية لنداء الحكومة، بمثابة المؤشر الإيجابي على إرادة الطرفين في إنهاء مرحلة مؤلمة مرت بها الجزائر، بعدما توصل الجانبان في ساعة متأخرة السبت، بعد يومين من الحوار الذي جرى في جلسة مغلقة بعيدا عن الصحافة، إلى الاتفاق على تأسيس جهاز مشترك بين الطرفين قصد متابعة تنفيذ «أرضية القصر» في إطار الدستور وقوانين البلاد، وبعدما غيرت العروش البربرية من استراتيجيتها في التفاوض حيث لجأت إلى مناقشة شاملة لما تسميه ب «خارطة الطريق».. يطعن من جهة أخرى، المعارضون للحوار، في شرعية الوفد الذي قاد المفاوضات مع الحكومة الجزائرية، داعين أحمد أويحيي إلى توقيف الحوار مع هؤلاء، متهمين إياه ب «اختيار محاوريه» مع أنه «يعرف جيدا مندوبي العروش والقائمة الاسمية للنشطاء البربريين». ويتزعم محور المعارضين، مندوب حركة العروش بولاية بجاية (260 كلم شرق العاصمة)، ثاني أكبر مدينة للوجود البربري في الجزائر، الناشط علي غربي، الذي غاب عن جلسة الحوار الثانية، بعدما قاد العام الماضي جلسة الحوار الأولى. ويهدد علي غربي بالعودة إلى الاحتجاجات واحتلال الشارع، محذرا من الانزلاقات التي قد تحدث جراء قبول الحكومة الجزائرية المتفاوض مع وفد «لم يستشر قواعده النضالية». ووجّه علي غربي خطابا شديد اللهجة لرئيس الوفد المفاوض «بلعيد عبريكا» مندوب ولاية تيزي وزو، عاصمة بلاد القبائل البربرية، الواقعة على بعد 120 كلم إلى الشرق، متهما إياه بالتسرع في الاستجابة لنداء الحكومة و«عدم قراءة بيان الحكومة قراءة سياسية متأنية». وتساءل علي غربي عن المضمون السياسي لدعوة الحكومة المفاجئة لحوار العروش، في وقت لم يظهر أي اهتمام من لدن أويحيى ببروتوكول الاتفاق الذي تم توقيعه منذ سنة مع ممثلي حركة العروش. وأثار قبول الناشط البربري المتشدد بلعيد عبريكا، الجلوس حول طاولة التفاوض مع أحمد أويحيى، بعدما كان السنة الماضية من أشرس المعارضين لحوار الحكومة مع العروش البربرية، ما لم تستجب هذه الأخيرة لكامل بنود «أرضية القصر»، التي تأخذ تسميتها من القرية التي تمت بها صياغة المطالب ال 15 بولاية بجاية، مباشرة بعد أحداث مسيرة 14 جوان 2001، التي حولت العاصمة الجزائر إلى خراب وتلتها اعتقالات واسعة في صفوف المتظاهرين، واشتباكات مع قوات مكافحة الشغب.. أثار استغراب المتتبعين للملف البربري في الجزائر الذين يتساءلون عن التحول في الأدوار الذي وقع بين «علي غربي» المعتدل العام الماضي والمتطرف هذه السنة و«بلعيد عبريكا» المعتدل هذه السنة والمتطرف العام الماضي. ويرى المتتبعون أن أحمد أويحيى، البربري الأصل، وأحد أبناء منطقة القبائل الذي لا يتردد في استعمال الأمازيغية في حواره مع مندوبي التنظيم، يعرف جيدا ممثلي العروش البربرية، ويدرك الانشقاق الحاصل داخل حركة المواطنة للعروش البربرية على خلفية الزعامة والتمثيل، لن يخسر شيئا من التململ الحاصل داخل بين العروش، باعتباره أظهر بتكليف من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من خلال دعوته العروش إلى الحوار، نية السلطة في إيجاد حل لملف الأزمة التي تعصف بمنطقة القبائل منذ أكثر من 4 سنوات، ورغبتها في طي مرحلة الشدّ والجذب إلى مرحلة أفضل تخرج المنطقة من تأخرها التنموي على خلفية الاضطرابات المتواصلة بالناحية، وهذا في إطار سياسة المصالحة الوطنية التي يريد بوتفليقة أن يجعلها سمة العام 2005 بعدما عمد في أبريل من العام 2002 وضمن روح هذه السياسة إلى إدراج الأمازيغية في الدستور لغة وطنية بأمر رئاسي صادق عليه البرلمان بالإجماع، في حين فضّل الرئيس بوتفليقة إرجاء مطلب العروش البربرية بجعل الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية إلى حين عرضها على استفتاء شعبي، وهو ما يرفضه المتشددون من الحركة وعلى رأسهم بلعيد عبريكا. من جانبها ذكرت صحف جزائرية امس الثلاثاء ان تظاهرات عنيفة جرت الاثنين في جنوب العاصمة الجزائرية ومنطقة القبائل احتجاجا على زيادة في سعر قارورة اعلنت عنها الحكومة. وفي بيرين في منطقة الجلفة (270 كلم جنوب العاصمة) قام شبان بنهب واحراق مبان عامة احتجاجا على هذه الزيادة التي تقررت في الشتاء بينما يبلغ الطلب ذروته. وقالت هذه المصادر ان اجهزة الامن استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين واعتقلت عددا من الاشخاص. وتابعت ان سكان خراطة قرب بجاية في منطقة القبائل الصغرى (260 كلم شرق الجزائر) تظاهروا واغلقوا الطريق الذي يؤدي الى بجاية للاسباب نفسها. يذكر ان غاز البوتان والمازوت هما المصدران الرئيسيان للطاقة في المناطق الجبلية والمرتفعات الكبرى والمناطق المعزولة. وقررت الحكومة زيادة سعر قارورة الغاز رغم من معارضة الجمعية الوطنية. وارتفع سعرها من 170 الى مئتي دينار (من 1,70 الى 2 يورو تقريبا).