حضر شيء ما من الحرب اللبنانية وذاكرتها المثقلة في أعمال "المؤتمر الأول للأبنية الذكية" الذي همّت به "الشركة اللبنانية لتكنولوجيا المعلومات" لايت، في فندق "هوليداي إن" بيروت، العاشر من نيسان ابريل الماضي، أي على مبعدة ثلاثة أيام من مرور ربع قرن على اندلاعها. ليس "هوليداي ان" مجرد فندق، بل هو من المحطات المؤلمة للحرب، وعنوان احدى أكثر معاركه شراسة وتجسيداً لعناصر الحرب ولعبثيتها في آن. لم يكن فرح الانتهاء من تشييد "هوليداي ان" غادر بيروت حين بدأت الحرب، فانهارت، أولاً، تلك الواجهة الزجاجية التي بلغت مساحتها مليون متر مربع، كأنها رمز مكثف لانهيار ما هو لامع وبراق وهش. ثنائية الزجاج والاتصال وفي مصادفة دالّة، نشرت احدى الصحف اللبنانية لقاء مع قائد عسكري ارتبط اسمه في شكل وثيق بما سمي "حرب الفنادق" وصُنف في خانة "حرب السنتين"، قبل يوم واحد من عقد المؤتمر. فترميم "هوليداي إن" لم ينجز بعد. وعقد المؤتمر في فندق بديل وموقت في مبنى ماريوت في شارع فردان في العاصمة اللبنانية. ويطلق تعبير "الأبنية الذكية" Smart Building على تلك المنشآت التي تضم تمديداتها أجهزة المعلوماتية وتوصيلاتها وإعلامها. وتصلح التقنية المسماة "دي.أس.أل" DSL أي Digital Subscriber Line نموذجاً لذلك. ويقوم خط واحد DSL بربط الكومبيوتر والتلفزيون والهاتف بعضها ببعض وبالانترنت في الوقت نفسه. وفي حين يتزايد الميل الى فصل الانترنت عن الخطوط، تنفتح امكانية الربط نفسه عبر شبكات الهاتف الخلوي أو بالارتباط بالأقمار الاصطناعية على نحو مباشر. ولا تمثل مرحلة ربط الأجهزة الإلكترونية للمنازل بالانترنت، أو ب"خطوط المعلومات السريعة" Info Highways، سوى الخطوة الأولى لإعطاء أمكنة العيش ذكاءها. ففي المرحلة التالية، تتدبر أشياء المنزل أمورها و"تدير" علاقاتها مع ساكنيها!!. مثال على ذلك، أن يلاحظ الكومبيوتر أو ما يحل محله احتمالاً وجوب تجديد تموين البيت أو وجود عطل في البراد، فيتصل بالسوبرماركت والشركة ليحل "الإشكال". وفي ادارته لعلاقته مع قاطني البيت، يتولى الكومبيوتر التهيئة لعودة ساكنيه من البشر، فيشغّل المايكروويف لإعداد الطعام أو يتأكد من ماء الحمام ومن تنقية الهواء وما الى ذلك. كأن ذكاء الأبنية يبدأ أولاً بالاتصال Communication ب"العقل العام"، مثلما يمثله الاتصال الذي يقيمه خط DSL لأشياء المنزل، بالإنترنت. وفي مرحلة تالية، يتبلور ذكاء البيوت الخاص، فتتولى جلّ شؤونها بنفسها. الذكاء وأبنية الحرب هل يمثل ذلك مساراً تطورياً معكوساً لمركوز تطور الذكاء الانساني الذي يميل القول الى سبقه للاتصال؟ أم أن كلا الأمرين متشابه وان تواصل البشر في ما بينهم مكّن بلورة خصوصية الذكاء الإنساني؟ في هذا المنحى، تحضر المقولات القوية للغوي الأميركي نعوم شومسكي لكنها تستلزم نقاشاً خاصاً. في لقاء صحافي خص به "الحياة" أوضح المهندس أسامة عبد الكريم، من مؤسسي "المجموعة العالمية للاستثمار التجاري" في دبي ومديرها العام، ان الأبنية الذكية انطلقت في المنطقة العربية بمشاريع محدودة كمثل برج العرب وأبراج الاتصالات في دبي. وأشار عبد الكريم الى أن مجموعته ترى سوقاً كامنة في بيروت حيث مشروع ضخم للبنية التحتية للعاصمة وكذلك اعادة اعمارها. واقترح أن تأخذ الحكومة بالبعد المعلوماتي - الاتصالي في عملية اعادة الإعمار، وإلا فإن العاصمة اللبنانية ستجد نفسها خلف الركب ومضطرة الى اعادة تجديد البنى التحتية ثانية مع أكلاف عالية!! هل تهدمت تلك الأبنية التي كوّنت بيروت ما قبل الحرب لأن "الذكاء" الذي تفيض به وعود المعلوماتية الخلاّبة، لم يكن في صلبها؟ الأرجح أنها كانت الأمضى ذكاء، إذ ضمت أبنية ما قبل الحرب دور نشر الوطن العربي ومثقفيه وسياسييه واتصاله مع حضارة العالم ومشاريع زحزحة تكلسه وتخلفه. ومن يدري؟ فلعلها انهدمت تحت وطأة الأثقال واجتماعها!!