بطَلّة شبابيّة تزينها البساطة، أطل خبير المعلوماتية اللبناني رمزي رزق (مواليد مدينة جبيل شمال بيروت، 1982) في مؤتمر «بيروت أكسيليرت- 2016» Beirut BDL Accelerate 2016 الذي يعتبر حدثاً دولياً بارزاً بالنسبة الى الشركات الناشئة التي يؤسّسها شباب، خصوصاً في المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة. وفي مؤتمر شهد حضور قامة شامخة في علوم الكومبيوتر كستيف فوزنياك (شارك ستيف جوبز في تأسيس شركة «آبل»)، تحدّث رزق في أحد التغطيات التلفزيونيّة عن التقنيات الذكيّة المتصلة بالتعرّف إلى الوجوه على الانترنت. وجاءت كلماته بسيطة وعميقة، كما لامست عمقاً مهمّاً في المعلوماتيّة: حدود الذكاء الاصطناعي. إذ بيّن رزق أن ذكاء الكومبيوتر ومحرّكات البحث هو عمليّاً ذكاء من يصنعها ويضع برامجها ويصيغ معادلاتها الرياضيّة. وبعمق، لفت إلى أن الآلات الذكيّة لا تتعلّم الأشياء وحدها، ولا تبتكر ما ليس موجوداً في برمجياتها. ولعل البعض صدِم بتلك الوجهة التي تتحدّى آراء رائجة كثيرة. ولكن كلمات رزق الرائقة عبّرت عن وجهة دأب اختصاصي الذكاء الاصطناعي مارفن مينسكي (1927- 2016)، على تردادها في شأن ذكاء الآلات الذي هو حقيقي تماماً، ورهن بالعقول البشريّة باعتبارها النموذج الأساس للآلات الذكيّة. وأدّت رؤية مينسكي تلك إلى ظهور آلات فائقة التقدّم، تبارى بعضها مع أذكياء البشر، على غرار كومبيوتر الشطرنج الذي نجح في هزيمة بطل الشطرنج الأسطوري غاري كاسباروف. وبيّن رزق أنه يعمل مع خبراء على تطوير ذكاء «اصطناعي» لمحرك بحث متقدّم، في مجال التعرّف إلى الوجوه عبر الصور الرقميّة. وإذ يعمل مديراً رئيسيّاً للتكنولوجيا في شركة «آي إِم»، يكشف أن الشركة منخرطة في تطوير نقلة نوعية في تقنية «البحث المعمّق على الوجوه» Deep Face Recognition، وهي تعتبر الحدّ الأكثر تقدّماً في التقنيات البصريّة على الانترنت. وتأسّست شركة «آي إِم» EyeEM التي أسّسها في برلين (2011) بالمشاركة مع أصدقاء مختصين في المعلوماتيّة والكومبيوتر، وهي تختص بالتقنيات البصريّة، وتعمل في سوق الصور وتبادلها على الانترنت. «يعتقد الناس أن الجمال أمر إنساني وذاتي، لكنني أعتقد أنّه قابل أيضاً للحسابات الكميّة»، وفق كلمات رزق التي تتشابه مع الرؤى المتقدّمة في الذكاء الاصطناعي. وليس قوله مجرد تأمّل. إذ يعمل على «تدريب» الآلات الذكيّة كي تطوّر ذكاءها في ملاحظة أدق خصائص الوجوه في الصور الرقميّة. وللتوصّل إلى ذلك، زوّدت كومبيوترات شركة «آي إِم» بقرابة 50 ألف صورة نالت تقييماً من كبار المصوّرين العالميّين. ويصوغ رزق والاختصاصيّين العاملين معه، معادلات رياضيّة للكومبيوتر (تعرف تقنيّاً باسم «خوارزميّات» Algorithms)، كي تتمكن من ملاحظة ملايين الخصائص التي تصنع الفارق بين صورة تمسك بالعين فوراً، وبين تلك التي تمر عليها العيون سريعاً. واستطاع رزق وفريقه تحقيق تقدّم نوعي في ذكاء البحث عن الصور، بقرابة 30 في المئة بالمقارنة مع البرمجيات الذكيّة المُنافِسَة له! وعند تأسيسها، اجتذبت «آي إِم» تمويلاً بقرابة 24 مليون دولار، جاء بعضها من مختصين- مستثمرين كأستاذ المعلوماتية الأميركي بيتر ثاييل. وينظر إلى ثاييل باعتباره مستشاراً معلوماتيّاً للرئيس دونالد ترامب، كما يؤثر عنه إعلائه شأن الابتكار إلى حد اعتباره رافعة شبه وحيدة لتقدم الأمم والشعوب، وفق ما يظهر في كتابه «من صفر إلى واحد» From Zero to One 2014.