للمرّة الاولى في فرنسا، يعطي متحف كبير مكاناً لفنّاني أوروبا الشرقية، فيقدّم متحف "جو دو بوم" في باريس لغاية آخر حزيران يونيو المقبل معرضاً استعادياً كبيراً عن الإبداع الفني المعاصر في "النصف الآخر من أوروبا". الى جانب "القدامى" أمثال كاباكوف او كومار وميلاميد الذين دفعهم النظام الشيوعي غالباً الى المنفى. يجمع المعرض جيل التسعينات الذي يقدّم نظرة جديدة بعيدة كل البعد عن ايديولوجيات الماضي، ويثير مسألة مهمة هي وضع الفنانين الصعب في دول اوروبا الشرقية الذين لا يحظون بمساعدات من الدولة. فإن لم يجد هؤلاء صالة فنية خاصة كي تموّل مشاريعهم او إن لم يتمكنوا من إيجاد المساعدة في احد المراكز الفنية التي اسسها الملياردير الهنغاري الاصل، جورج سوروس، في عدد من المدن الكبرى، فعملهم مرهق للغاية. والمعرض الباريسي الذي يقدّم اربعة مواضيع لغاية الصيف المقبل هي "ذاكرة، تاريخ وسيرة"، "واقع اجتماعي، وجود، سياسة"، "لغز، سرّ، إبهام"، "مشروع، يوطوبيا، بناء"، يحاول ان يبتعد عن الكلام المعاد وعن الافكار المبسّطة فلا يقدم تعريفاً ب"فنّ ما بعد الشيوعية" ذلك أن الاوضاع المحلية تختلف بين بلد وآخر وبالتالي تصعب المقارنة بين بولونيا وهنغاريا ورومانيا ودول الاتحاد السوفياتي السابق والبوسنة وكرواتيا ... ولكن، على الرغم من ذلك، يُظهر المعرض بأن حساسية مشتركة ترتسم الى أبعد من الحالات المعيّنة، فاللوحات الجدارية للدعاية السياسية فقدت معناها الى الابد وأصبح الفنانون المعاصرون يستخدمون لغات مختلفة مبتعدين كلياً عن الايديولوجيا. ومهما كان عمرهم او مهما كانت جنسيتهم، فهم بحاجة ماسة كي يخبّروا عن حياتهم. وفي متحف "جو دو بوم"، أعطيت صالة الى كل من الفنانين المدعوين حيث اختلطت الذكريات الشخصية بالذاكرة التاريخية والتجربة الفردية بالضمير الجماعي. وعن فنان روسي كبير ينتمي الى مرحلة سابقة لهؤلاء الفنانين الشباب هو الكسيي جاولنسكي تخصّص صالة "لا سييتا" معرضاً له يستمر حتى نهاية آذار مارس الجاري ويقدّم اربعين لوحة جُمعت للمرة الاولى في باريس. وكان جاولنسكي درس الفن في "أكاديمية سانت بطرسبورغ" عام 1889، وفي 1903 وصل الى فرنسا وزار منطقتي نورماندي وبريتانيا حيث اكتشف، حسب قوله، "كيف انقل الطبيعة بألوان تتناسب مع روحي". وفي عام 1905 وضع جاولنسكي رجله في مذهب المدرسة التوحشية التي تميّزت بالألوان الصارخة والخطوط السوداء والجرأة في التحرر من القيود التقليدية وعرض عشر لوحات في المعرض الذي كرّس الحركة والتي جمعت فنانين امثال ماتيس ودوران وبراك. وبعد سنتين، انتقل جاولنسكي الى ميونيخ وأسس مع كانديسكي "الجمعية الجديدة لفناني ميونيخ"، وأما فنّه فبقي مرتكزاً على مجموعة من تأثيرات جمعت التوحشية والتعبيرية وحتى الرسم الشعبي من منطقة بافاريا إضافة الى الايقونات التقليدية. ويقدّم عرض "لاسييتا" عدداً من لوحات هذا الفنان الجوّال الذي تمثّل مراحله المختلفة: مناظر قريبة من التجريد، وجوه ذات ألون صارخة، "وجوه هندسية" و"رؤوس صوفية"، وبعض من سلسلة "التأملات" التي وضعها جاولنسكي في نهاية حياته عندما انتشر الشلل الى يديه ومعصميه فكان مجبراً على مسك ريشته باليدين، وهنا تصبح الألوان خفية واللوحات ايقونات. وابتداءً من 19 نيسان ابريل 2000، تنظّم الصالة ذاتها معرضاً لصديقة جاولنسكي، الفنانة الالمانية ماريان فون ورفكين. ومن جديد "متحف اللوفر" اعادة افتتاح صالة استشارة مجموعات قسم الفنون التخطيطية التي تستقبل الزائرين بإذن خاص وبتسجيل يحصل بعد إرسال الطلب الى المسؤولة عن القسم. ومن اجل المحافظة علي الاعمال الفريدة، السريعة العطب والتي تعود الى القرون الماضية، السادس عشر والسابع عشر والتاسع عشر، لا يعرض المتحف سوى عدد محدود من تلك الرسومات على الورق، خلال فترة زمنية معيّنة وذلك للمحافظة عليها من الضوء. وتقدّم كل رسمة الى الزائر الذي يُطلب منه ان يغسل يديه قبل الدخول، على حامل. ومن بين الرسومات المعروضة رسمة ايزابيل ديستيه لليوناردو دافينشي وبعض اعمال دورير، والوجوه النسائية لأنطوان واتو ورسمة تيودور جيريكو الشهيرة "اختطاف النائب العام فوالديس". من جهة اخرى، يحتفل "اللوفر" بيوهان سيباستيان باخ على طريقته، ففي الذكرى المئتين والخمسين على رحيله، يتذكّر عالم الموسيقى بكامله الموسيقي الالماني الكبير الذي عرف بغزارة انتاجه. اما "اوديتوريوم اللوفر" فيعرض خلال الاشهر القادمة، ما لا يقل عن 200 وثيقة مسجلة عن باخ: برامج تلفزيونية وأفلام وضعت حول تأدية اعماله في فرنسا او بريطانيا او المانيا ... او خلال مهرجانات موسيقية مهمة، كمهرجان سالزبورغ على سبيل المثال. وفي الوقت الذي يُثار فيه موضوع مسرح "شايو" في باريس الذي اسس منذ ثلاثين سنة كي يكون المسرح الوطني الشعبي والذي فقد دوره الرائد في السنوات الاخيرة، ينتشر مسرح شعبي من نوع جديد يجد مكاناً له في "البارات" الباريسية. فقد اختار عدد من الممثلين تلك الاماكن الليلية كي يبتعدوا عن ضغوطات البرمجة والمردودية في المسارح التقليدية وأن يقدموا نصوصاً قريبة من الناس، حتى ان احد المشاهدين في بار "لوبراك" الذي يعرض عملاً مسرحياً تؤديه امرأتان بطريقة بسيطة وذكية، دوّن في "الكتاب الذهبي": "بفضلكما، اعدت اكتشاف انتماء ثقافي". في مسرح متحرك وحيويّ، يجد الممثلون - وأغلبهم نساء - حرية في الارتجال وليونة في الأداء. ومن بين الاصدارات التي يمكن التوقف عندها، وبعيداً عن الاحتفاء بأسماء شهيرة، كتاب صغير وطريف عن اندريه جيد وضعه روجيه كامبف تحت عنوان "مع اندريه جيد" دار غراسيه يروي فيه مغامرة مذهلة حصلت له عندما كان تلميذاً في بوردو، خلال الحرب العالمية الثانية. كان يبحث عن موضوع بحث فكتب رسالة الى اندريه جيد بكل عفوية وأجابه الكاتب الكبير، بعد فترة من الزمن، بعفوية ايضاً وببساطة. ونشأت بين الكاتب المسن وبين التلميذ الشاب علاقة صداقة، فكان جيد يوجه كامبف في قراءاته ودراساته، وعندما كان عنده الوقت، يكتب له كلمات قصيرة او رسائل طويلة كي يعطيه النصائح المختلفة. ومن بين الترجمات الجديدة لا بدّ من الاشارة الى نص ضخم 1630 صفحة صدر عن دار "غاليمار" يقدّم الترجمة الفرنسية للمراسلة الكثيفة التي كانت تجرى باللغة الروسية بين الشقيقتين، ليلي بريك وايلسا تريوليه، بين موسكووباريس، ابتداءً من العام 1921، وتكشف عن تفاصيل حياتيهما المضطربتين وعن اخبار ساذجة احياناً وإنما اخبار تكتبها شقيقة الى شقيقتها. ولدتا في موسكو في 1891 ليلي و1896 ايلسا وافترقتا عام 1920 عندما غادرت ايلسا روسيا كي تتزوج من انديه تريوليه، وكي تستقر في ما بعد مع الشاعر الكبير لويس اراغون في باريس وترافقه حتى آخر حياته في 1970. أما ليلي فبقيت في موسكو وتزوجت من الشاعر والكاتب المسرحي فلاديمير ماياكوفسكي. وبعد انتحاره عام 1930 استمرت ليلي تستقبل في منزلها كبار الكتّاب والفنانين، في حين كانت ايلسا تكتب القصص والروايات، وحازت عام 1944 على جائزة "غونكور" لروايتها "أوّل عقبة" مقدارها 200 فرنك. وبسعادة وحزن، بحماسة وانفعال، حافظت الشقيقتان على المراسلة خلال سنوات طويلة، خلال مرحلة عرفت تحولات كثيرة، ان في فرنسا او في الاتحاد السوفياتي السابق. باريس - رلى الزين