ترك الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران انجازات كبرى في العاصمة الفرنسية كتوسيع صالات متحف "اللوفر" وتشييد هرم زجاجي في ساحته وإقامة قوس ضخم في منطقة الپ"ديفانس" يستقبل سطحه المعارض والندوات، وإنشاء مكتبة وطنية جديدة... لكن جورج بومبيدو من جهته ترك صورته كرئيس مولع بالفن المعاصر. ولمناسبة مرور ثلاثين عاماً على وصوله الى قصر "الاليزيه" تكرّس صالة العرض الوطنية "لو جو دو بوم" في باريس معرضاً له يحمل عنوان "جورج بومبيدو والعصرية" يستمر حتى نهاية نيسان ابريل المقبل. وصل بومبيدو إلى الحكم سنة 1969، بعد إنسحاب الجنرال ديغول من السلطة، في وقت كانت فرنسا تقلب صفحة من تاريخها قاطعة، من نواح عدة، مع ميراث كان لا يزال متأثراً بنزاعات الحرب العالمية الثانية المريرة، ومع منطق ما بعد الحرب وإزالة الاستعمار لدخول مرحلة جديدة. واعتبر الرئيس الجديد ان للفن دوراً أساسياً في التحوّل الذي كان يشهده المجتمع الفرنسي. وبعد مرور سنتين على استقراره في "الاليزيه"، قرر بومبيدو عام 1972 أن يُدخل تغيرات على بعض صالات القصر الذي لم يكن عرف أي تجديد في تنميقه منذ أكثر من قرن، كما بدأ يحضّر لمشروعه الكبير وهو تأسيس مركز ثقافي كبير في باريس يجمع مكتبة ومتحفا للفن المعاصر وفسحة عرض للفنانين الأحياء. وطلب الرئيس وقتئذ من مُبدعين عصريين كبيرين، الفنان ياكوف اغام والمصمّم بيار بولان، أن يحولا عدداً من شقق القصر "الخاصة" - صالون للموسيقى وصالة للطعام وغرفة للتدخين... - كي تصبح عصرية بأثاثها ولوحاتها. وكان بومبيدو المغرم بالپ"اوب آرت" و"الحركية" يعتبر ان الفن هو إطار الحياة. وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة "لوموند" في 17 تشرين الاول اكتوبر 1972، قال: "أترك جانباً، بقصد، كل ما يمكن ان يعبّر عنه الفن أو ان يعنيه للمحافظة فقط على المتعة التي يقدّمها. إنه ينوجد، بدرجات مختلفة، في كل مكان، في مزرعة قديمة او في قصر تريانون. الفنان هو حرفي أو، إن فضّلتم كل حرفي يمكنه ان يكون فنانا..." وأضاف: "الاعتقاد سائد بأنني أحبّ التجريدي وحسب، التجريدي الذي يتماثل برأي الجمهور الواسع مع فن اليوم. ولكن الأمر غريب إن فكّرنا بأن الفن التجريدي وُلد قبل 1914 وأن العالم تحرّك بسرعة منذ ذلك الوقت. في الحقيقة لم أشترِ أبدا سوى أعمال فنانين معاصرين. بدأت في الثامنة عشرة من عمري عندما حصلت على لوحة لماكس ارنست ... في جميع الأحوال، ألاحظ بأن الفن الحالي تصويري بقدر ما هو تجريدي، منذ السوريالية حتى الواقعية الجديدة" .... يقدّمه المعرض الباريسي كهاوٍ للفن المعاصر مع بعض الأعمال الحركية والواقعية الجديدة، وكمُجمّع انتقائي من خلال لوحات نيكولا دوستال وتماثيل جياكوميتي ونيكي دوسانت فال، ويركّز طبعا على أنه كان باعث فكرة المركز الذي يحمل اسمه والذي يبقى، في النهاية، أحد أفضل أدوات الفن المعاصر في باريس