المقال - الخبر الذي نشرته صحيفة "الحياة" الاحد 27 شباط - فبراير 2000 بتوقيع بلال الحسن عن وثيقة الألف من أجل حق العودة، يستحق وقفة متأنية، ومناقشة. فهذه المبادرة التي تقدم بها نخبة من الشخصيات الثقافية الفلسطينية، تأتي من أجل خلق مناخ أخلاقي، يمنع التنازل عن الحق الفلسطيني، في مرحلة صعبة تغلب عليها المساومات والتسويات التي قد تقود الى نزع الطابع المبدئي - الأخلاقي عن قضية فلسطين. أود الاشارة الى ثلاث مسائل: المسألة الأولى، هي ضرورة الا تقتصر المبادرة على مثقفين فلسطينيين، بل يجب ان تشمل المثقفين العرب. وحجتي في ذلك مزدوجة: فهناك أولاً وعي ثقافي عربي يجب ان يتحرك، والوعي الفلسطيني ليس منفصلاً عنه، بل هو جزء موجز منه، ربما كانت حركة المثقفين العرب تعاني اليوم من التفكك الناجم عن نهاية مرحلة الاحلام القومية الطوباوية، غير ان هذه النهاية، التي آن أوانها، يجب الا تنسينا الواجب الأخلاقي العربي تجاه فلسطين، كما يجب ان لا تنسي الفلسطينيين أنهم جزء من مدى ثقافي عربي. المطلوب اليوم هو اعادة تعريب الوعي الفلسطيني، بديل هذا التعريب لن يكون سوى الأسرلة وإعادة فلسطنة الوعي العربي، لأن غياب فلسطين عنه يعني سقوطه في المساومة على الجريمة الاكبر التي ارتكبت في تاريخ العرب المعاصر. وهناك ثانياً، واجب ثقافي عربي تجاه المسألة الفلسطينية، ان التخلي عن هذا الواجب بحجة السلام ومعاهداته التي وقعت أو ستوقع، يقود اليوم الى بداية انهيار أخلاقي - ثقافي عربي، بدأنا نشهد بعض ملامحه: زيارات لاسرائيل، تواطوء ضمني مع خطابها العنصري، عداء لا مبرر له ضد الشعب الفلسطيني بحجة مقاومة التوطين الخ... ان المشاركة العربية في الوثيقة المقترحة، ستشكل مقياساً أخلاقياً - ثقافياً، بات ضرورياً في هذه المرحلة، وتعيد تأسيس الانخراط الثقافي العربي في النضال من أجل الحق والحقيقة في فلسطين. المسألة الثانية، تتعلق بالبعد الأخلاقي للوثيقة، فالمسألة يجب ألا تختزل في كونها مطالبة فلسطينية بحق العودة فقط، بل تتعدى ذلك الى بلورة موقف أخلاقي من الجريمة الصهيونية التي ارتكبت عام 1948، وتتابعت فصولها خلال أكثر من خمسين عاماً. وهذا يعني ان المثقفين العرب والفلسطينيين يطالبون بحق العودة، كجزء من مطالبتهم للطرف الاسرائيلي بالاعتراف بجريمته والاعتذار عنها، وما يستتبع ذلك من توكيد حق العودة. إن أي قفز فوق حقيقة الجريمة وذاكرتها، سوف يعني ان التسويات، مهما كانت طبيعتها، لن تكون أكثر من تسويات موقتة. المسألة الثالثة، هي ان هذه الوثيقة يجب ان تكون محصلة وجهة ثقافية - سياسية، تصوغ رؤية ديموقراطية للصراع ضد الاحتلال الاسرائيلي، انها موقف يتخذه المثقفون دفاعاً عن حق المجتمع في التعبير الحر عن نفسه. لذلك فهي دعوة الى تأسيس قاعدة مبدئية مشتركة، تمنع السلطة الفلسطينية و/أو السلطات العربية عن التنازل عن حق العودة، أو تشكل رادعاً ضد هذا التنازل من جهة، وتساهم في تأسيس رؤية تخاطب الذات والآخر بلغة جديدة من جهة أخرى، فالمثقفون، في بيانهم ليسوا امتداداً للخطاب العربي السائد الذي صاغته العسكريتاريا من مزيج قومي لا عقلاني، بل هم يخاطبون مجتمعاتهم، ويقترحون على المجتمع في اسرائيل أفقاً آخر، يتمثل في الالتزام بالعدالة ورفض الظلم والعنصرية. وليسمح لي الاصدقاء الفلسطينيون بالاشارة الى تجربة تمت في بيروت عام 1998، في الذكرى الخمسين للنكبة، وتوقيعها "بيان فلسطين"، الذي وقعه ألف مثقف عربي، وانطلاقاً منها بدأت فكرة جديدة تتبلور، ربما كان تعبيرها الأفضل هو مشروع الوثيقة المقترحة. لقد واجهتنا في بيروت، خلال التظاهرة الثقافية التي نظمت تحت عنوان: "50 نكبة ومقاومة"، صعوبات لا تحصى، وتعرضنا لهجمات شتى تحت مختلف الذرائع، غير ان المسألة التي لم ننجح في تحقيقها هي دعوة الكثير من المثقفين الفلسطينيين والعرب للقاء في بيروت. ربما كان غياب هذا اللقاء، لاسباب تتعلق بالسلطة والمحرمات وشبح القمع، سبباً لشعورنا بأن تظاهرة بيروت بقيت ناقصة. لذلك اقترح على اصدقائنا في وثيقة الألف، الاعداد للقاء ثقافي فلسطيني، عربي، في مدينة غير عربية، من أجل أن تكون الوثيقة ثمرة حوار، يدعو الى بناء أفق جديد لوعي عربي جديد. * روائي وصحافي لبناني.