وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    خام برنت يصعد 1.3% ويصل إلى 75.17 دولار للبرميل    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    6 فرق تتنافس على لقب بطل «نهائي الرياض»    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    وفد طلابي من جامعة الملك خالد يزور جمعية الأمل للإعاقة السمعية    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    استقالة مارتينو مدرب إنتر ميامي بعد توديع تصفيات الدوري الأمريكي    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    الهلال يفقد خدمات مالكوم امام الخليج    منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عزمي بشارة واستراتيجية الحل المنفرد
نشر في الحياة يوم 01 - 12 - 1998

السؤال: اين يكمن المصدر الأول لكل خلل يصيب العقل الفلسطيني او الفكر الفلسطيني، او على الاصح اي مشروع فلسطيني لحل القضية الفلسطينية من مثل حل الدولتين كما طرحته منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1988 وما آل اليه بعد اتفاق اوسلو وتداعياته، او من مثل حل دولة ثنائية القومية - دولة المواطنين، كما يطرحه عزمي بشارة وادوارد سعيد وآخرون؟
بل اين مصدر الخلل في المشروع الفلسطيني منذ ان طرح برنامج النقاط العشر؟
يكمن الخلل اساساً، ودائماً، عندما يبدأ الحل الفلسطيني "يستقل" عن الحل العربي للصراع لا سيما حين يتجه هذا الاستقلال لحل منفرد فلسطيني - اسرائيلي سواء كان من نمط اتفاق اوسلو ام كان من نمط حل دولة ثنائية القومية. لأن وضع الطرف الفلسطيني الشعب الفلسطيني مقابل الطرف الاسرائيلي والحركة الصهيونية العالمية في حلبة مثل حلبة ملاكمة، او على مائدة مفاوضات داخل تلك الحلبة، او ترك الصراع يأخذ مجراه سلمياً، مثلاً مركزته حول معارضة نظام الابارتهايد - عزمي بشارة وصولاً لدولة ثنائية القومية انما هو الحكم على الشعب الفلسطيني بالضربة القاضية، او بالتصفية التدريجية لقضية فلسطين. وهذا يفسّر لماذا ركزت الاستراتيجية الاسرائيلية، والمجمع عليها من قبل ليكود والعمل، وقد دعمت حتى النهاية بالاستراتيجية الاميركية، على الفصل بين المسارات اولاً ثم الفصل بين المسارين الفلسطيني - الأردني ثانياً اي نهج اتفاق اوسلو. والآن السعي لفصل الموقف الفلسطيني، بالكامل، عن مراعاة الموقف المصري.
منذ طرح برنامج النقاط العشر، ثم اعلان الدولة الفلسطينية من الجزائر، ثم اتفاق اوسلو ذهب التركيز كله في النقد والتحليل الى موضوع التنازلات. وفي المقابل الى موضوع "المكتسبات" التي هي "افضل من لا شيء"! لكن الشيء الذي كثيراً ما اغفل، او القيت عليه قنابل الدخان، انما هو فصل الطريق الفلسطيني عن الطريق العربي. وهو اخلال خطير في ميزان القوى وانتقال بالوضع الفلسطيني الى أسوأ نقطة يمكن ان يقف فيها، او يفاوض، او يناضل، منها، مهما قيل او يقال عن الوضع العربي والمواقف العربية.
يجب ان يحسم، اولاً هنا، ان هذا الفصل وان كان في ذهن بعض النخب الفلسطينية المعزولة، او المستخفية حرجاً، قد هُمس به منذ نكبة 1948 - 1949. وقد عشّش، بشكل او بآخر، في ذهنية، او طموح، بعض قادة منظمة التحرير الفلسطينية بعد 1968. لكنه ما كان ليرى النور لولا تأييده بالقرار العربي الذي تزعمه الرئيس المصري الراحل انور السادات بعد حرب تشرين، ووجه له دعماً قوياً في حينه من جانب الاتحاد السوفياتي والتيار القريب منه. فقد اريد من القرار العربي بتأييد برنامج النقاط العشر اقامة سلطة فلسطينية... "دولة" وقرار "الممثل الشرعي والوحيد" ان تغسل اليد العربية عموماً او تُعفى، من مسؤولية استعادة كل الأراضي المحتلة في حزيران يونيو 1967، ويلقى الحمل، في نهاية المطاف، لا سيما من جهة التنازلات على عاتق الفلسطينيين - منظمة التحرير الفلسطينية. ويكفي ان نلحظ ان انور السادات، كما يبدو، قد مهد للمضي بحل منفرد بعد ان أمّن هذين القرارين عربياً. بل يمكن القول ان اصراره بعد حرب تشرين الأول اكتوبر 1973 على تسليم قضية فلسطين لأبنائها واعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد قرار القمة العربية في الرباط 1974 كان جزءاً من التوجه لحل مصري - اسرائيلي منفرد اذا لزم الأمر.
تتضح الصورة اكثر اذا وضعنا الفرضية التالية، وهي ان يبقى قرارا 242 و338، اي "ازالة آثار العدوان"، او قل استعادة القدس وأراضي الضفة والقطاع المحتلة 1967، فضلاً عن الجولان وسيناء، من مسؤولية الدول العربية المعنية، خصوصاً، والدول العربية كافة عموماً. بل الدول الاسلامية او اغلبها كذلك، وابتعد الموقف الفلسطيني عن أية مطالبة بدور في عملية التسوية السياسية، وبقي مقاومة للاحتلال الى ان تسترد الأراضي المحتلة المذكورة. وبعدئذ لكل حادث حديث. اي يمكن البحث في نوع الكيان الفلسطيني على ما يستعاد من ارض. اما العكس فكان وضع العربة امام الحصان.
كان هذا الموقف سيُبقي العرب امام مسؤولياتهم في استرداد الأراضي، او البقاء في مأزق لا مخرج منه حتى تعتدل الأمور. ويبقى زمام المبادرة بيد منظمة التحرير الفلسطينية وتصبح "مطلوبة الود او اليد" وليست طالبة مستجدية. لأن اي حل كان يمكن الوصول اليه سيتطلب موافقتها، او سكوتها، او استرضاءها بشكل او بآخر. بل حتى لو حدث وخرجت من "المولد بلا حُمص" كما كان يخشى بعض قادتها ستكون الأرض قد عادت. وهذا هو الأهم، وتأجل حل القضية الفلسطينية، او انصاف الفلسطينيين كما كان يحلو للبعض ان يقول. وبالمناسبة ما كان للسادات الا ان يستعيد قطاع غزة في صفقته التي اعادت سيناء، وصفّت مدينة ياميت. بل كان الاسرائيليون سيرحبون بالخلاص من هذا الهمّ الذي اسمه قطاع غزة، بما في ذلك تفكيك المستوطنات منه.
ولهذا لا يحسبنّ الفلسطينيون انهم انتزعوا "القرار المستقل" من العرب انتزاعاً، او انهم امسكوا قضيتهم بأيديهم امساكاً. لأنهم ذهبوا الى المصيدة بأرجلهم، وأدخلوا قضيتهم الى دهاليز التصفية بأيديهم، حين قال لهم القرار العربي "تصرفوا وحدكم بقضيتكم"، او هكذا أول قرار "منظمة التحرير الفلسطينية" الممثل الشرعي والوحيد، وقد خلط بين تمثيل الشعب الفلسطيني والتقرير في القضية الفلسطينية.
والأغرب انهم لم يدركوا خطورة تلك المصيدة وهاتيك الدهاليز، وانما غشيت ابصار الكثيرين من النخب فراحوا يُمعنون بپ"الفلسطنة" او يوغلون في طريق الفصل بين الفلسطينيين والعرب، واسقاط استراتيجية فلسطينية - عربية مشتركة. ومن ثم البحث عن حل فلسطيني - اسرائيلي. ووصل الأمر مداه الآن عند اصحاب الحل الداعي الى دولة ثنائية القومية، او دولة المواطنين. وهي خطوة اشد ايغالاً في الحل المنفرد من خطوة اتفاق اوسلو، وهي اشد فصلاً بين الشعب الفلسطيني وأمته العربية والاسلامية من اي مشروع آخر طرح حتى الآن، بما في ذلك حل اوسلو الذي يسمونه بحل الفصل العنصري الابارتهايد. وهو حل لم يصل الى حد المطالبة بالانخراط في الدولة العبرية من اجل التمهيد لتحقيق دولة ثنائية القومية - دولة المواطنين. الامر الذي يعني أو يؤدي الى فصل الفلسطينيين عن العرب حتى من جهة الهوية والولاء لأنهم سيحملون هوية الدولة العبرية ولو لأمد غير قصير على الأقل. وهذا امر لا علاقة له بواقع فلسطينيي 1948 الذين يرزحون تحت الدولة العبرية ويتعاملون وإياها ضمن خصوصية وضعهم، ووفقاً لمبدأ الضرورة وهو حال لا يجوز تعميمه. اما ان يتحول وضع الشعب الفلسطيني، طبعاً نظرياً، لأن مشروع الدولة ثنائية القومية مشروع نظري بحت، الى مطالبة الدولة العبرية بالغاء الابارتهايد. والتحول الى دولة ثنائية القومية كحل للقضية الفلسطينية فهذه آخر نقطة من التردي يمكن ان يصلها مسار الفصل بين الشعب الفلسطيني والامة العربية كما بين المسار الفلسطيني ومسار الصراع العربي - الاسرائيلي ومستقبله.
الذي يراجع توقعات الدكتور عزمي بشارة في مقالته المنشورة في "الحياة" في 18 و19 و20/8/1998، لمستقبل الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي او على حد تعبيره "الحالة الفلسطينية - الاسرائيلية" يلحظ انه يقرأ المستقبل في ضوء وضع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي في حلبة ارض فلسطين ومعادلات موازين القوى داخلها. وهو بهذا يسقط من حسابه ان رؤية المستقبل في المنطقة، وخصوصاً، في الساحة الفلسطينية لا يمكن ان تقرأ الا من خلال مستقبل معادلات الصراع العربي - الاسرائيلي ممتدة الى معادلات الصراع على مستوى المنطقة - البلاد الاسلامية وممتدة الى معادلات الوضع الدولي عموماً.
ومن ثم ان كل رؤية للمستقبل تبدأ من الحسابات الفلسطينية - الاسرائيلية انظر تحليل عزمي بشارة الى مآل الوضع في فلسطين هي رؤية خاطئة اسقطت من حسابها اساسيات العلاقة بين الوضع الفلسطيني والوضع العربي. هذا من دون الاشارة الى ان مآل الوضع الفلسطيني مرتبط بتطورات موازين القوى الدولية. فالذي يريد ان يقرأ مستقبل الوضع في فلسطين يجب ان يقرأ مستقبل الصراع العربي - الاسرائيلي، والاسلامي - الاسرائيلي، ومستقبل التطورات المحتملة في الوضع الدولي. وما لم يوضع جهد كاف لقراءة الوضع العربي واحتمالات تطوره سيرى بالضرورة ان مآل الفلسطينيين الى التخلي عن كل شيء الا طلب "العيش الكريم" في ظل دولة عبرية تكون لكل مواطنيها. وهذا ما تنتهي اليه استنتاجات عزمي بشارة في نهاية مقالته في "الحياة" 20/8/1998 فهو يقول، مع الاجتزاء، "لا يمكن ان يكون هنالك ضمن منطق العلاقة الاسرائيلية - الفلسطينية القائم موازين القوى انتقال جذري بين المرحلة الانتقالية والحل الدائم". ولا توجد اية مؤشرات لتغيير هذا الوضع غير تحقيق مكاسب جزئية جدا من خلال ترتيب البيت الفلسطيني "تثبيت سلطة المؤسسات" حتى يستحق اي جزء "يحرر" ان يحمل هذه الصفة. المهم كل ما يدور من توقعات حول مستقبل الوضع في فلسطين قد اسقط من حسابه المعادل العربي، وثبّت ميزان القوى عربياً ودولياً وصولاً الى حل الدولة ثنائية القومية اي الى امد يتعدى المنظور او القريب والمتوسط.
وبالمناسبة ان بعض الذين يتجهون الى الدعوة للحل القائم على الدولة ثنائية القومية، يتسمون بالشدة في الحديث عن الوضع العربي سواء كان في التشديد على ما يصفونه بالعجز والضعف والركود ام ما يثيرونه حول الفساد والاستبداد ومسائل حقوق الانسان ودولة القانون والمؤسسات والديموقراطية، وذلك بهدف تكريس الفصل الفلسطيني، عن الوضع العربي "القذر" الذي لا خير فيه، او في الارتباط به. طبعاً ان كثيراً او قليلاً مما يقولونه يحمل جانباً من الحق او يصيب واقعاً قائماً. لكن كثيراً او قليلاً من عوامل القوة والايجابية في الوضع العربي يصار الى تجاهلها واعدامها من اجل المضي في طريق المسار المنفرد او الحل الفلسطيني - الاسرائيلي. اما صمود الوضع العربي عموماً، حتى الآن، في وجه المشروع الاسرائيلي - الاميركي للتسوية وللشرق اوسطية فلا يستحق وقفة سريعة لأن ذلك لا يخدم فصل المسار الفلسطيني عن المسار العربي.
هذا ناهيك عن ان الفلسطيني لا يستطيع ان يرى قدره خارج قدر الأمة العربية أولاً، والأمة الاسلامية ثانياً في كل الاحوال. ولا يتغير هذا القانون مهما يكن حال الأمة. ولا أمل للشعب الفلسطيني او للقضية الفلسطينية الا من خلال الأمة العربية ومن ثم كل استراتيجية للشعب الفلسطيني حتى في ظروف تدهور الاوضاع العربية، لا تكون جزءاً من استراتيجية عربية واسلامية عربية على الخصوص تزيد من تدهور الوضع الفلسطيني والوضع العربي بل، قد توصل في بعض الاحيان، الى الاندماج بالمشروع الصهيوني، او تسهم في تمهيد الطريق امامه بدلاً من مقاومته، عند كل نقطة ومنعطف، وذلك بالاستناد الى الجدار العربي والى العمق العربي، ومهما يكن حال ذلك الجدار، الذي اذا انهار يجب ان يعاد بناؤه. هنا موقفان احدهما يستند الى سوء الوضع العربي، مع المبالغة القصوى في وصف سوئه، ليبحث عن حل فلسطيني - اسرائيلي. وثانيهما يظل مشدوداً الى الأمة، اي الى قدره ومن هنا يبدأ التفكير في الاستراتيجية والحل. وهكذا، بدلاً من ان يلحظ السيد عزمي بشارة ان الخلل الاشد في اتفاق اوسلو كان البحث عن حل فلسطيني - اسرائيلي منفرد ومن ثم بدلاً من ان ينطلق في استراتيجيته من "اعادة تعريب" القضية الفلسطينية وعلى المستويين الرسمي والشعبي او اعادة تعريب الاستراتيجية الفلسطينية، راح يمعن في طريق الفلسطنة، واسقاط ابسط اشكال ذلك "التعريب" اذا جاز التعبير. فهو لا يلحظ ان القضية الفلسطينية تُصفى اذا اصبحت فلسطينية - اسرائيلية فهي قضية عربية وقضية اسلامية لا محالة، كذلك الأمر بالنسبة الى الشعب الفلسطيني واستراتيجية كفاحه.
من هنا يلحظ من اين يبدأ الخلل حين يصل المرء الى حل الدولة ثنائية القومية. ولهذا ترى عزمي بشارة حين طرح استراتيجية فلسطينية جعلها استراتيجية فلسطينية صرفاً، اللهم الا ورود عبارة تقول: 1 ترسيخ الكيان الوطني الفلسطيني الموحد بين الشتات والداخل. وهذا يعني اعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وعلاقاتها مع مناطق اللجوء، خصوصاً، في لبنان وسورية".
ترد في هذه الفقرة، فقط، الاشارة الى علاقة عربية لكنه على رغم ذلك لا يرقى بها حتى الى مستوى التنسيق وربط المسارات او الاستراتيجية وانما يطالب باعادة بناء علاقات منظمة التحرير الفلسطينية مع مناطق اللجوء خصوصاً، في لبنان وسورية، اي بسبب ارتباط تلك المناطق باللجوء. وإذا كان الامر كذلك فكيف تسقط مناطق اللجوء في مصر والأردن والعراق بل كيف تسقط اية دولة عربية في اعادة بناء العلاقة وذلك على رغم انه لا يشير حتى الى العلاقة مع لبنان وسورية كدولتين. فهذه الاشارة "مناطق اللجوء في" تكشف مستوى الضعف الذي بلغته رؤية عزمي بشارة بالنسبة الى علاقة شعب فلسطين بأمته العربية والاسلامية. ويكشف ان استراتيجيته الفلسطينية ما زالت تدور ضمن اتجاه الحل الفلسطيني - الاسرائيلي المنفرد.
وبالمناسبة ان الدوران ضمن هذا الاتجاه هو قرار دولي، وقرار عربي من قبل عدد من الدول العربية. لأن الاقتراب الشديد من الحل الاسرائيلي - الاميركي لا يكون الا بالابتعاد الشديد عن الموقف العربي حتى في حدوده الدنيا: "تنفيذ قراري 242 و338". ومن ثم فان من يريد، راضياً و راضخاً، ان تحل القضية الفلسطينية وفقاً لغالبية شروط الحل الاسرائيلي - الاميركي عليه ان يسلم هذه المهمة غير النبيلة "للفلسطينيين". ويقول بعد ان يغسل يديه من المسؤولية "ومياه البحر لا تغسلهما" عندئذ"، "نرضى، او نؤيد، ما يرضى به الفلسطينيون".
من هنا فان الخروج من طريق الحل الفلسطيني - الاسرائيلي الى استراتيجية فلسطينية - عربية، واستعادة المسؤولية العربية والاسلامية، ومعارضته ان تكون المسؤولية فلسطينية منفردة بالنسبة الى الأرض والقدس والقضية الفلسطينية، او وفقاً لشعار البعض "اعادة تعريب القضية الفلسطينية" يشكل نقطة البداية لوضع القضية ضمن مسارها الصحيح، واعادة التوازن للعقل الفلسطيني بما في ذلك العقل الذي راح يوغل في طريق اوسلو، وهو يعارض اتفاقية اوسلو، حتى وصل الى المناداة بحل دولة ثنائية القومية، اي دولة اسرائيلية ثنائية القومية، دولة اسرائيلية لمواطنيها.
عندما نصل الى هذا الحد من وضع النقاط على الحروف قد يُرد على ذلك "بالتأكيد" على بعض الثوابت مثل التسليم بالعلاقة الفلسطينية - العربية، او بتأثر مستقبل الوضع الفلسطيني بحال الوضع العربي. لكن هذا الاستدراك لا يجدي حين نتذكر ما بدأ به عزمي بشارة مقالته في قراءة التاريخ الفلسطيني وكيف كان تحديد المعركة الرئيسية "يحوّل القضايا الاخرى الى قضايا جانبية". فاعتبار المعركة الرئيسية الآن تدور حول حالة الابارتهايد... والوصول الى حل دولة لمواطنيها يحوّل قضايا الأرض والقدس والاحتلال والمستوطنات والعودة الى "قضايا جانبية"، بل هو في الحقيقة اسقطها. والاكثر من ذلك ان هذه المعركة الرئيسية حولت العلاقة الفلسطينية - العربية الى قضية جانبية، بل في الحقيقة اسقطتها على الأقل في مشروع الاستراتيجية التي طرحها عزمي بشارة في المقالات الثلاث المذكورة. ولهذا تراه في البند الرابع في عملية بناء الاستراتيجية الفلسطينية، او القناعة الرابعة التي يجب ان تنطلق منها تلك الاستراتيجية، يقول: "اعادة الحياة لهيئات التضامن مع الشعب الفلسطيني مع التركيز على اوروبا الغربية والولايات المتحدة واسرائيل. ويجب تطوير الخطاب السياسي والاعلامي اللازم لمخاطبة الرأي العام في الولايات المتحدة واسرائيل وأدواته الممأسسة وذلك بالتشاور مع مثقفي الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة والمثقفين العرب في اسرائيل...".
ان هذا التركيز المطلوب لمخاطبة الرأي العام في الولايات المتحدة واسرائيل ينبع من طبيعة الاستراتيجية آنفة الذكر وهدفها المركزي. وبالفعل ماذا ينفع الرأي العام العربي والاسلامي والعالم ثالثي والروسي والصيني في الوصول الى هدف الدولة العبرية ثنائية القومية او الدولة الاسرائيلية لمواطنيها. لأن الحل فلسطيني - اسرائيلي منفرد. واستراتيجية الوصول اليه هي كسب "الرأي العام في الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل" له. وهذا ما يفرضه القول ان "الحالة الفلسطينية - الاسرائيلية" هي حالة ابارتيهاد الفصل العنصري. وإذا اصبحت "العدالة هي المقياس" كما يرى عزمي بشارة، فلن يكون من الممكن "الحفاظ على نظام ابارتهايد في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين". وانما الكيان الثنائي القومية بعد ان تستنزف اسرائيل "الخيار القومي الفلسطيني".
بكلمة، انه مشروع "المرحلة الأعلى" لمسار اوسلو، فعزمي بشارة يتوقع أو ينتظر استنزاف مشروع الدولة الفلسطينية ضمن مسار اوسلو. لأنه مشروع يصب في حالة الابارتهايد لما يتضمنه من فصل بين "الشعبين". ليأتي بعده مشروع الدولة ثنائية القومية. كما انه مشروع "المرحلة الأعلى" في فلسطنة القضية، وفصلها عن علاقتها العضوية بالأمة العربية والاسلامية وحلها على اساس حل فلسطيني - اسرائيلي منفرد بالاستناد الى الرأي العام في الولايات المتحدة والدولة العبرية، اي ليس للعرب والمسلمين مكان في الاستراتيجية الموصلة الى الحل ما دام الحل من هذا الطراز.
* كاتب فلسطيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.