"الحرب الضروس"، بحسب وصف شوقي بزيع في "ملحق النهار" 22/1/2000، بين سميح القاسم وفخري قعوار، هي عيّنة صغرى على تاريخنا الكبير، وتجسيد شخصي و"ذاتي" لمسار "موضوعي". فالشاعر الفلسطيني ورئيس اتحاد الكتّاب الأردنيين كان مدخلهما الى السجال "طبيعة العلاقة مع العدو الصهيوني في ظل التراجعات الكبيرة التي يقدمها النظام السياسي العربي"، على ما يصف الشاعر والكاتب اللبناني. وهذه بداية نموذجية لولا وهي لولا لا تكف عن التكرار اتهام قعوار للقاسم بمواقف تدعو "باستمرار الى التطبيع مروراً بمشاركته في انتخاب ملكة جمال اسرائيل وليس انتهاءً برثائه الحار للضباط والجنود الاسرائيليين الذين سقطت طائرتهم العسكرية اثناء توجههم للقيام بعملية قتالية في جنوبلبنان". ابعد من هذا أن البطن القومي لا تلبث خصوبته ان تثمر كائنات أهلية مشوبة بفساد روابط الدم والقربى. هكذا والاستشهاد من مقالة بزيع "وصل كلٌ من الطرفين الى اتهام الآخر بقبول الأعطيات والرشاوى من اسرائيل، كما تراشقا بالأقارب والسلالات بحيث أشار قعوار الى دور سعيد القاسم، أخي سميح، في الإعلام المرئي الاسرائيلي في حين نبّه القاسم الى مبالغ مالية يتلقاها جمال قعوار، ابن عم فخري وصاحب مجلة "المواكب" من المخابرات الاسرائيلية". وأنا من الذين يميلون الى مخالفة تأويل بزيع لما يجري بين الاثنين حيث يعيدنا، وللمرة المليون، الى ضياع "المعركة الحقيقية" وافتعال "المعارك الوهمية". ذاك ان المعركة الحقيقية ولدت ضائعة منذ أن تصدى فيصل الأول لإقامة دولة عربية في دمشق... على الأقل. والحال ان معاركنا كلها تبدأ "حقيقية" جداً، بما في ذلك معركة الشاعر ورئيس الاتحاد، لتنتهي "وهمية". وهو التكرار الذي آن له ان يحملنا على التفكير الجدي في تجنب المعارك التي لا بد من ان ترتد علينا، اي: كل المعارك. فابن خلدون لا يزال أنفع لنا بكثير من بسمارك الذي لم نستلحقه في وقته ففات وقته، وتأبّدنا في زمن ابن خلدون وعصبياته وتأبّد فينا. ولا نذيع سراً بعدما قام كاهن قرية الكشح المصرية بإطلاق النار على جيرانه المسلمين فانتهى الأمر بإرداء عشرين قبطياً قتلى!، إن قلنا ان القاسم درزي فلسطيني وقعوار مسيحي أردني. وهذا ما يوحي ان المذكورين إذا ما سُلّما بندقيتين وقيل لهما اذهبا في سبيلكما الى تحرير فلسطين وهما لسبب ما، والله أعلم، مزايدان في القضايا "القومية"، فقد يطلق واحدهما النار على الآخر. وهكذا يضعاننا أمام "حرب جبل" كالتي خاضها اللبنانيون أواسط الثمانينات دروزاً وموارنة. اذ فيما كان اللبنانيون كلهم يعلنون العزم على التصدي لاسرائيل طاف المطاف بهم، أو بإخوانهم أو ابناء أعمامهم، ليحطّ عند التقاتل الشهير في ما بينهم برعاية اسرائيل اياها. والعطل الذي ما بعده عطل ان "الأمة - الدولة" ليست، بالضرورة، قدر شعوب الأرض قاطبة. فهناك من يقيمها وهناك من يعجز عن اقامتها، ولن تبقى الفرصة أمام من لا يقيمها مفتوحة، ولن يبقى العرض متواصلاً الى يوم الدين. لقد تأخرنا وشبّت لنا دول وكيانات وطوائف وعشائر وعصبيات يُستحسن ان ننمّي بعضها بلطف ونذلل بعضها الآخر بلطف مماثل وبالتي هي أحسن. ومن شروط التذليل جمع البنادق من أيدي قعوار والقاسم كي لا يتبادلا اطلاق النار، بل جمع البنادق كلها ومن ايدي الجميع، وسكب ما أمكن من ماء على القضايا المسبّبة للاشتعال وآخرها قضية التطبيع التي انتهت بنا ونحن نحاول تطبيع العلاقة بين القاسم وقعوار. وعلينا، في هذه الغضون، ان نحاول حمل أهل الناصرة وأهل الكشح قرية السلام كما سميت وانتهى الأمر وأهل جبل لبنانوجنوبالعراق والسودان على التهدئة، وان نفهم سرّ ارسال المطران الماروني للصلاة على عقل هاشم في ظل "الاجماع" اللبناني على المقاومة. وهذا، بطبيعة الحال، فضلاً عن اقناع المثقفين الدرزي الفلسطيني والمسيحي الأردني، بأن السلاح، كما يقول التعبير الجلف، يجرح.