تنتشر في مصر ظاهرة استخدام القصور والفيلات والمباني الأثرية كمقار للمدارس، وهذه الظاهرة تعود جذورها إلى القرن التاسع عشر، حين قرر الخديو اسماعيل فتح مدرسة لتربية وتعليم البنات في قصر الأمير طاز الذي يعود للعصر المملوكي. ومع تطور حركة تعليم الفتيات في مصر وانتشار مدارسهن، استغلت وزارة التعليم المصرية هذا القصر الرائع مخزناً للكتب المدرسية، ثم اصدر الخديو اسماعيل أمراً باستغلال قصر أخيه الأمير مصطفى فاضل كمدرسة، عرفت إلى الوقت الحالي بالمدرسة الخديوية، وهدم هذا القصر وشيدت مدرسة حديثة مكانه، تعد حاليا من المباني التاريخية، إذ شيدت في أوائل القرن العشرين. وبلغت الظاهرة ذروتها في حقبتي الخمسينات والستينات من القرن العشرين، حين أممت حكومات ثورة تموز يوليو 1952 فيلات وقصور باشوات مصر، ورأت استخدامها كمدارس، على رغم انها بنيت أصلاً للسكن، وتصميمها لا يؤدي اغراض التعليم وما يتطلب من قاعات للدرس وللنشاط المدرسي. وتعود معظم هذه الفيلات والقصور الى الفترة بين عامي 1860 و1950، وأشهرها فيلا علي باشا في ميدان سيمون بوليفار في حي غاردن سيتي في القاهرة، هذه الفيلا تتكون من طابقين وقبو وتشتهر بزخارف أسقفها وجدرانها الحافلة بالتصاوير الأوروبية التي تمثل قصص حب مشهورة في الأدب الأوروبي، أو مناظر اسطورية بعضها مستمد من الأدب الاغريقي، ومن أروع زخارف هذه الفيلا الرسومات والزخارف المنفذة على الزجاج المعشق بالرصاص، وهو فن أوروبي انتشر في مصر منذ منتصف القرن التاسع عشر. ويبلغ عدد المدارس التي تشغلها فيلات في القاهرة 300 مدرسة تعد مبانيها تاريخية وينتمي معظمها الى طراز عصر النهضة الفرنسي المستحدث، وتواجه هذه المدارس مشاكل عدة لعل ابرزها عدم قدرتها على استيعاب المزيد من الطلاب، فضلاً عن عدم اتساعها للنشاطات المتزايدة في الحركة التعليمية. يقول خبير المناهج والتربية في وزارة التربية والتعليم المصرية السيد أحمد سعيد أن عدداً من بعض هذه المدارس اضطر الى استغلال القبو كغرف للإدارة وللنشاطات الفنية. وإدخال تعليم الكومبيوتر الى هذه المدارس، اضطر الوزارة الى بناء فصول اضافية في أفنية المدارس، واستغلال غرفها لهذا الغرض، كما حدث في مدرسة نوبار في شارع قصر العيني في وسط القاهرة أيضاًَ، وهو ما جعل مجال ممارسة النشاطات التقليدية في المدرسة في طابور الصباح في الفناء بعد بناء الفصول الجديدة أمراً مستحيلاً، وإن كان يتم بصورة روتينية يومية وصعبة تربك الطالب الصغير. غير أن أكثر المشاكل التي تواجه هذه الفيلات المستخدمة كمدارس، هو تدهور حالتها المعمارية والفنية، نتيجة لعدم صيانتها فترات طويلة تمتد في بعض الأحيان إلى 30 عاماً، وهو ما أدى بعدد من اساتذة العمارة في الجامعات المصرية الى المطالبة بإخلائها من النشاطات التعليمية، لا سيما بعد أن سجل المجلس الأعلى للآثار معظم هذه المباني في عداد المباني الأثرية. وقد أسيء استخدام عدد من هذه الفيلات التاريخية، مثل مدرسة القربية، التي تجمع بين الطراز المعماري الغربي ومفردات العمارة الإسلامية، إذ علقت لوحات التلاميذ التي عادة يكون الغرض منها زخرفياً وتعليمياً على زخارف الجدران ورسوماتها التصويرية التي يندر ان يوجد مثلها في مصر. موجه التربية الفنية في وزارة التربية والتعليم السيد سعيد الراشد، يرى الأمر من منظور آخر، إذ يذكر أنه في مثل هذه المدارس يتم توجيه الطلاب للتعامل مع هذه البنايات بحرص شديد، بل حبها من خلال تذوق معالمها الفنية في حصص الرسم، وأن الأمر لا يخلو من سلبيات، ولكن إذا تم تداركها، فستتحول هذه البنايات إلى مصدر لتنمية وعي التلاميذ بالتراث المعماري في مصر، وقد يتخرج منها فنانون ومعماريون موهوبون لهذا السبب. قضية المدارس في الفيلات الأثرية تشغل الرأي العام في مصر، لذا اتخذ مجلس الوزراء المصري قرارا بأن تخلي المصالح الحكومية في مصر - بما فيها المدارس - المباني التاريخية حتى يتسنى الحفاظ عليها وصيانتها واستغلالها أفضل استغلال. وتبقى مشكلة تدبير الأماكن لما يقرب من 300 مدرسة في القاهرة، تشغل مباني تاريخية، وعلى الرغم من هذا أخلى المجلس الأعلى المصري للآثار المبنى الأول في الصيف الماضي، ومدرسة أم السلطان شعبان في باب الوزير، وهي مدرسة مملوكية استغلت قبل 30 عاماً في تعليم ابناء حي باب الوزير والدرب الأحمر. ويعترض عملية الاخلاء هذه مشكلة هي أن عدداً من المباني مثل مدرسة الحسينية والمدرسة السعيدية تحولت بمرور الوقت الى مبان ذات طرز معمارية نادرة، لا سيما المدرسة السعيدية التي تخرج فيها ستة من رؤساء الوزارة في مصر، و75 وزيرا و200 سفير، وأبرز المسؤولين الذين تخرجوا فيها نائب رئيس الوزراء وزير الزراعة الدكتور يوسف والي. هذه المدرسة أنشئت في العام 1906 وكان ناظرها شارمان وهو بريطاني الجنسية، واكتسب مبناها أهمية خاصة، إذ تحولت إلى مستشفى للجنود البريطانيين في الحرب العالمية الأولى، ثم عادت المدرسة للعمل بعد الحرب، واشتهرت بتفوق طلابها الرياضي والعلمي. آراء الخبراء تشير إلى أن مثل هذه المدارس لا يجب إخلاؤها بل يجب ابقاء العملية التعليمية فيها، لأن ذلك يمثل جزءاً مهما من تراثها، لا سيما المدرسة السعيدية التي تمتلك متحفا تعليميا يحكي جزءاً من تاريخها، ولابد من إدخال جماليات التراث المعماري وأهمية الحفاظ عليه ضمن مادة لدراسة آثار مصر، مع مراعاة ضرورة وضع برنامج خاص لصيانة مثل هذه المباني. ويذكر أن المجلس الأعلى المصري للآثار أحصى 1200 قصر وفيلا في مصر، تستخدم كمدارس، اشهرها على وجه الاطلاق مدرسة سعد زغلول في قرية ابيانة في محافظة كفر الشيخ، التي تستغل كمدرسة ابتدائية واعدادية. واضطر المجلس لتسجيلها في عداد الآثار حفاظا عليها من سوء الاستخدام، لا سيما أن مبانيها كانت المقر الصيفي للزعيم المصري سعد زغلول.