في ذلك الحين كان ألف هم وهم، يشغل بال السياسيين الاميركيين، اذ منذ مقتل الرئيس جون كيندي قبل ذلك بعامين، كان العديد من القضايا قد تحرك، على هامش التورط الاميركي في حرب فيتنام، ومن أهم تلك القضايا قضية الحقوق المدنية للزنوج الاميركيين. وكان هؤلاء الزنوج بدأوا قبل فترة تحركا كبيراً في وقت بدا لهم فيه ان الأمور لم تعد تحتمل صبراً. بل أن ما عزز من الحاجة الى التحرك في ذلك الحين كان واقع ان مختلف أنواع التجاذبات كان بدأ يعتمل داخل الصفوف الزنجية. فلئن كان الدكتور مارتن لوثر كينغ جعل من اللاعنف والمطالبة السلمية سلاحه الأساسي لتحريض الشعب الأسود على التحرك، فإنه كانت هناك تيارات أخرى متعددة، أقل سلمية وأكثر عنفاً، تزداد مفعولاً داخل الصفوف الزنجية. لذلك كان لا بد من التحرك بسرعة كيلا تستفحل الأمور الى الاسوأ. غير ان هذا التفكير كان في واد، والسلطات الاميركية كانت في واد آخر. بالنسبة الى هذه السلطات، في ذلك الحين، لم يكن من الممكن التفريق بين متحرك بعنف ومتحرك يسعى للوصول الى الحقوق من طريق الممارسات السلمية والديموقراطية. ومن هنا لم يدهش أحد حين قامت السلطات الحكومية في ولاية آلاباما، يوم الثاني من شباط فبراير 1965 باعتقال الدكتور لوثر كينغ، اضافة الى 300 شخص من أنصاره، لمجرد أنهم كانوا يتظاهرون، من دون أي عنف، في سبيل المطالبة بالحقوق المدنية. حدث ذلك خلال تظاهرة صاخبة قامت في مدينة "سيلما" في تلك الولاية. والمشكلة هي ان تلك التظاهرة جرت من دون ترخيص مسبق، لأن السلطات رفضت اعطاء المتظاهرين إذناً بها. ففي تلك الولاية التي كان عدد السود من سكانها، في ذلك الحين، يزيد بنسبة الضعفين عن عدد السكان البيض، كان من الصعب على السلطات ان توافق على تظاهرة من الواضح انها سوف تعرف كيف تستقطب، وبسرعة، أعداداً كبيرة من السكان، ما يضع الولاية كلها موضع الخطر. لذلك حظرت التظاهرة، غير ان لوثر كينغ وأصحابه أصروا عليها وانطلقوا. وكان احتجاجهم في ذلك الحين، ضد التباطؤ المقصود في تحقيق ذلك الاصلاح الانتخابي الموعود والذي كان من شأنه ان يعطيهم حق التصويت. وقبل اعتقاله، كان لوثر كينغ ألقى خطاباً هادئاً قال فيه "إذا ما قيض للزنوج ان يصوتوا، سيكون معنى هذا غياباً تدريجياً للفقر والبؤس القامعين، وسيكون معنى ذلك ان اطفالنا سيكفون عن ارتياد مدارس مختلفة عن مدارس البيض ومفصولة عنها، وسيكون معنى ذلك بالتالي، ان المجتمع كله سوف يعيش في تناسق وتساوٍ". حتى هذا الكلام الهادئ لم يقنع سلطات آلاباما يومها، فكان الاعتقال. غير ان ذلك الاعتقال لم يؤثر بشكل سلبي، بالطبع، على مسيرة لوثر كينغ ونضاله، اذ سرعان ما أطلق سراحه بعد ان ساد الاحتجاج طول الولاياتالمتحدة وعرضها. وبعد شهر أو اكثر قليلاً، التقى لوثر كينغ الرئيس ليندون جونسون، الذي كان راغباً في تقوية وضع هذا الزعيم المسالم، واعطائه فرصة تجعله بديلاً من الزعماء المتطرفين الآخرين. وكانت نتيجة اللقاء ايجابية، على الصعيد العام. خصوصاً ان اللقاء تم عند بدايات شهر أطلق عليه في آلاباما اسم "شهر الحقوق المدنية". وفي نهاية ذلك الشهر نفسه، مسلحاً بالسمعة التي كانت له اثر اعتقاله، وبنتائج لقائه مع الرئيس جونسون، قاد لوثر كينغ تظاهرة جديدة في آلاباما، شاركته فيها زوجته الى جانب 25 ألف متظاهر، شاؤوا من تلك المسيرة ان تكون نقطة الذروة في التحرك المطلبي، وهم قدموا خلال التظاهرة عريضة مطلبية وقعها عشرات الألوف. وهنا نذكر في هذه المناسبة ان قوات الشرطة اكتشفت يوم التظاهر، وقبله، قنابل عدة زرعت في كنيسة للزنوج، وفي جدار بيت محام اسود مناضل، وفي قاعة للجنائز. وهذا ما جعل الرئيس جونسون يخصص لحماية التظاهرة، أكثر من ثلاثة آلاف جندي، اضافة الى عملاء مكتب التحقيق الفيديرالي ورجال الشرطة المحليين. ولقد أتى هذا الاهتمام بعد ان تعرضت تظاهرات مماثلة الى اعتداءات من قبل يمينيين بيض متطرفين، وكذلك من قبل زنوج آخرين من أنصار العنف كانوا يرون في تحرك مارتن لوثر كينغ السلمي سحباً للبساط من تحت أقدامهم. الصورة: مارتن لوثر كينغ وزوجته خلال التظاهرة