ما أن توقفت المفاوضات السورية - الإسرائيلية حتى عادت دورة العنف - التي كان هدف المفاوضات وقفها - لتتجدد في صورة أعنف في الجنوباللبناني، لتطاول جنود احتلال إسرائيليين وأهدافاً مدنية لبنانية إنسانية ومادية، من بينها محطات الكهرباء الثلاث في بعلبك وبيروت وقرب طرابلس. وكان رد إسرائيل وحشياً، لكنه لم يحقق شيئاً مربحاً للإسرائيليين من قبيل توليد ضغوط للجم المقاومة اللبنانية، على رغم الخسائر المادية الكبيرة للبنان. بل ان المقاومة أكدت وجودها بقتل جندي إسرائيلي سابع صباح الجمعة، فيما كانت لجنة مراقبة تفاهم نيسان على وشك ان تبدأ اجتماعها في الناقورة. وجاء انسحاب الوفد الإسرائيلي إلى ذلك الاجتماع دليلاً آخر على قصر نظر المخططين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين الذين بلغ بهم الارتباك الناجم عن ضربات "حزب الله" الموجعة حدّ السعار والتهديد ب"حرق الأرض اللبنانية" على حد تعبير ذلك الأخرق ديفيد ليفي وزير الخارجية وتهديد باراك نفسه ب"ضربات موجعة جداً في الأراضي اللبنانية". ومن المؤسف ان تلك العربدة الإسرائيلية المستندة إلى منطق القوة الوحشية جاءت مدعومة بضوء أخضر أميركي بعد ابلاغ حكومة باراك إدارة بيل كلينتون انها تعتزم ضرب بنى تحتية مدنية لبنانية. أسوأ من هذا، ان الخارجية الأميركية طالبت دمشق باستخدام "نفوذها" لوقف عمليات "حزب الله" ضد الاحتلال الإسرائيلي، مع أن إسرائيل مطالبة دولياً منذ سنوات بسحب قواتها من جنوبلبنان من دون قيد أو شرط أو تأخير، وعلى رغم ان المقاومين اللبنانيين يقاتلون على أرض بلدهم ضد جنود أجانب يحتلون جزءاً من بلدهم. وبدلاً من أن يخرج باراك قواته من جنوبلبنان، كما تعهد لشعبه، في حلول تموز يوليو 2000، نراه قد بدأ يغرق في "المستنقع اللبناني" بحسب تعبير الإسرائيليين الذين تعلو أصواتهم المطالبة ب"ارجاع الأولاد" من الجبهة اللبنانية. ولكن أين يترك هذا العنف والتوتر المحاولات الرامية إلى تحقيق تسوية سلمية بين سورية وإسرائيل، وبالتالي بين لبنان وإسرائيل؟ إن على باراك إذا اراد فعلاً سحب قواته في تموز ان يتخذ - لأسباب لوجستية - قراراً حاسماً في هذا الشأن في موعد أقصاه نيسان ابريل. وهو إذ يقول ويكرر، كما صرح أول من أمس، ان الانسحاب سيكون في إطار اتفاق مع سورية ولبنان، فإن عليه أن يسارع إلى استئناف المفاوضات مع سورية في غضون أسابيع قليلة من الآن. وإذا لم يحدث هذا، فإن تحول الرئيس الأميركي بيل كلينتون بعد أشهر قليلة إلى "بطة عرجاء" سيعني ارجاء التوصل إلى تسوية إلى ما بعد تنصيب رئيس جديد في البيت الأبيض، وربما لسنوات. في غضون ذلك، نقرأ تفاصيل عن اجتماع في جنيف بين وزير السياحة الإسرائيلي أمنون ليبكين شاحاك ورئيس الاستخبارات العسكرية السورية حسين خليل في حضور المبعوث الأميركي لعملية السلام دنيس روس، قيل إنه أدى إلى ردم كبير للهوة الفاصلة بين الجانبين، قد يؤدي إلى استئناف المفاوضات قريباً. وقد سبق ذلك قيام اللورد مايكل ليفي مبعوث رئيس الوزراء البريطاني برحلة إلى كل من سورية وإسرائيل. وبغض النظر عمّا إذا كان ردم فجوة الخلاف قد حسّن مكاسب هذا الطرف أو ذاك، فإن ذلك "الردم" إذا كان حدث فعلاً من شأنه ان يوصل سورية وإسرائيل إلى اتفاق قبل انسداد الافق بفعل العد التنازلي لتغيّر الإدارة الأميركية.