تعرضت جهود التهدئة في جنوبلبنان امس لإنتكاسة، وتراجع مناخ ضبط الوضع العسكري، بعد إحجام اسرائيل عن حضور اجتماع لجنة المراقبة المنبثقة من "تفاهم نيسان" ابريل بعد ظهر امس، على رغم وصول وفدها الى الاجتماع في مقر القوات الدولية في الجنوب، بحجة مقتل جندي وإصابة آخر بجروح بالغة في عملية نفّذها "حزب الله" في منطقة الشقيف المحتلة ظهراً. وأطلقت اسرائيل طائراتها الحربية في هجمات انتقامية، وطالبت واشنطندمشق بممارسة نفوذها على "حزب الله" لوقف عملياته. فيما سادت في لبنان مخاوف من عودة التصعيد مجدداً فأخذت المقاومة احتياطات، خصوصاً أن رئيس الوزراء الاسرائىلي ايهود باراك، قال في مقابلة امس مع التلفزيون الاسرائىلي: "سنردّ بضربات موجعة جداً في الاراضي اللبنانية عندما نقرّر ذلك وبالطريقة التي نختارها". وكان جدد نيته سحب قواته من لبنان بحلول تموز يوليو المقبل، ملاحظاً "ان الشهور المقبلة لن تكون سهلة، لكنها ستنتهي بأن نضع انفسنا على الحدود الدولية في اطار اتفاق بحلول تموز يوليو 2000". وقال رئيس مجلس الوزراء الدكتور سليم الحص، تعليقاً على انسحاب اسرائيل من الاجتماع: "لا نجد اي مبرر لانسحاب اسرائيل من اجتماع اللجنة، واذا كان لديها ما تعترض عليه او تشكو منه، فالمكان الطبيعي للتعبير عن مثل هذا الموقف هو لجنة تفاهم نيسان نفسها. نأمل ان لا يكون ذلك مقدمة لأمر ما تبيته. ونحن نطالب الدول الكبرى خصوصاً الولاياتالمتحدة الاميركية وفرنسا وهما الدولتان اللتان ترأسان لجنة تفاهم نيسان بالتناوب، ان تقوما بما يجب لمنع اسرائيل من تنفيذ اي اعتداء جديد ضد الاهداف المدنية. ونخص بالذكر في هذا الصدد الولاياتالمتحدة اولاً لأنها رئيسة اللجنة حالياً، وثانياً لأنها الدولة الاكثر تأثيراً على اسرائيل. اننا ندعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في هذا الصدد باسم الحق وباسم العدالة". وسارعت الولاياتالمتحدة التي كان لها دور كبير في ترتيب اجتماع لجنة المراقبة التي علقت اجتماعها في الناقورة قبل ظهر أمس بعد ساعتين إثر انسحاب الوفد الإسرائيلي، إلى تحميل "حزب الله" مسؤولية تعليق الاجتماع. ودعت اطراف النزاع في جنوبلبنان الى ضبط النفس. وصرح الناطق باسم وزارة الخارجية جيمس روبن: "ان اعمال اللجنة توقفت، ويا للأسف، بسبب الخسائر التي تكبدتها اسرائيل بينما كان الاجتماع منعقدا". واعتبر ان العملية الجديدة للمقاومة "مؤسفة بشدة"، مضيفاً: "لا يمكننا تفسير هذا التطور الا انه محاولة متعمدة من حزب الله لتدمير فرص السلام في المنطقة". وختم: "من المؤكد ان لسورية نفوذاً على حزب الله ونعتقد بداهة بأن عليها في هذه المرحلة ان تستخدم نفوذها استخداماً اكثر فعالية". وكذلك أعلن الناطق باسم البيت الابيض جو لوكهارت رداً على اسئلة عن تطورات الوضع في جنوبلبنان: "نحن على اتصال بالاطراف ونحضهم على ضبط النفس". واعتبرت ادارة الرئيس بيل كلينتون أمس ان سبب الغاء اسرائيل اجتماع لجنة المراقبة المنبثقة من "تفاهم نيسان" لعام 1996 هو مقتل الجندي. وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية "أكدنا على سورية مراراً أهمية ممارسة نفوذها على حزب الله. ونريد الآن ان يمارس السوريون هذا النفوذ بفاعلية أكبر". ولاحظ ان العنف خلال هذا الاسبوع سيجعل "من الصعب استئناف المفاوضات" السورية - الاسرائيلية، و"أن اطلاق حزب الله النار من القرى المدنية - وهو عمل ممنوع بموجب تفاهم نيسان لعام 1996 - قد ازداد خلال الأسابيع الستة الماضية من هذا العام". وشدد على "ان ادارتنا العملية في اجواء غير هادئة صعبة، وستكون أصعب في اجواء العنف". ولم يستبعد "مزيداً من التصعيد اذا استمرت الهجمات" التي يقوم بها حزب الله. وركز وزير الخارجية الاسرائيلي دافيد ليفي، في رسالة الى الامين العام للامم المتحدة نشرت امس ا ف ب، على ان سورية ستكون "مسؤولة" عن توقف محادثات السلام في حال لم تضع حدا "لإعتداءات حزب الله على اسرائيل". وقال ليفي في رسالته ان "اسرائيل تنتظر من سورية احتواء حزب الله ووضع حد لعملياته". واضاف: "اذا ادت عمليات هذه المجموعة الى عرقلة او وقف مفاوضات السلام مع سورية، فإن هذه الاخيرة ستتحمل المسؤولية كاملة". واعتبر الرئيس كلينتون في تصريحات له امس ان الجانبين يحاولان ابقاء الأمور تحت السيطرة. وأشار الى انه على رغم الضربة الاسرائيلية الأخيرة "فقد ظهر ضبط للنفس نوعاً ما على أمل ابقاء عملية السلام حية". وشدد على أهمية استئناف عملية السلام. وقال: "ان سلاماً شاملاً بين سورية ولبنان واسرائيل هو الطريق الوحيد في النهاية، لحل الصعوبات المستمرة منذ سنوات على الحدود اللبنانية - الاسرائيلية". وأضاف: "ان السلام بين اسرائيل والفلسطينيين مهم جداً" لحل المشاكل، وانه يراقب الوضع عن كثب ولم يفقد الأمل بانجاح عملية السلام. وفور إرفضاض اجتماع اللجنة بعد وصول وفود أميركا وفرنسا وسورية ولبنان واسرائيل الى الناقورة، أبلغ الجانبان الاميركي والفرنسي الوفود الاخرى أنهما سيسعيان الى ترتيب عقد اجتماع جديد لها. وكان رئيسا الوفدين الاميركي رئيس اللجنة والفرنسي نائبه عقدا لقاء تمهيدياً من أجل وضع خطة لانجاح إنعقاده، وأعلن الجيش الاسرائىلي في بيان أصدره ان باراك هو الذي استدعى وفده للانسحاب من اجتماع لجنة المراقبة وقال البيان ان اسرائيل اشترطت لعقد الاجتماع "اجراء مناقشة مبدئية في سبل منع حصول انتهاكات لترتيبات التفاهم"، وان الوفد أبلغ الولاياتالمتحدةوفرنسا هذا القرار. وقالت مصادر لبنانية رسمية ل"الحياة" ان الاتصالات التمهيدية لدعوة اللجنة الى الاجتماع شهدت تجاذباً على أكثر من صعيد، استمر اثناء اللقاءات الجانبية التحضيرية التي تسبق عادة الاجتماع الرسمي. وكشفت ان رئيس المجموعة ونائبه كانا يحاولان التأكيد لرئيس الوفد الاسرائىلي ضرورة العودة الى الآلية السابقة المعتمدة، إذ كان على ما يبدو طرح مسألة المواقع المدنية التي ينطلق منها "حزب الله"، الى أن نفّذت المقاومة عملية أدت الى مقتل جندي اسرائيلي... فما كان من الوفد الاسرائىلي الا ان اتخذ منها ذريعة للانسحاب من الاجتماع. الى ذلك، علمت "الحياة" من مصادر ديبلوماسية ان عودة لجنة المراقبة الى آليتها السابقة في التعاطي مع عمليات الخرق، تعني اعتبار "تفاهم نيسان" سقفاً لتعاملها مع أي تدهور أمني، مشيرة الى ان إسرائيل تمارس أقصى الضغوط لتعديل التفاهم على نحو يشمل حماية جنودها في الشريط الحدودي، وهذا أمر يرفضه لبنان ولا يقبل به مهما تمادت في اعتداءاتها أو صعّدت من ضغوطها. واجتمع الرئيس الحص أمس الى سفراء الدول الكبرى، الاعضاء الدائمين في مجلس الأمن، في سياق التحرّك اللبناني طلباً للدعم الخارجي. وقال مرجع لبناني رسمي ان اياً من الولاياتالمتحدة أو فرنسا لم ينقلا أي اقتراحات اسرائىلية لتعديل التفاهم ومنطقه. وقال ل"الحياة" ان النيات الاسرائىلية "باتت واضحة. أنهم يحاولون خلق واقع جديد يعدل عملياً في التفاهم من دون تعديلات في نصه تحت عنوان حماية الجنود الاسرائىليين من الهجمات بحجة خلق مناخات مؤاتية لاستئناف المفاوضات. وهذا يعني ببساطة قطع الطريق على أي عمليات قد تنفّذها المقاومة، فماذا يبقى لنا كي نضمن الانسحاب من دون شروط؟" وعبّر المرجع عن استياء لبنان من الموقف الاميركي الذي حمّل "حزب الله" مسؤولية احباط اجتماع اللجنة قائلاً: "لقد برهنوا أنهم يمارسون خطة مكشوفة الى جانب اسرائيل ويديرون لعبة جهنمية".